عندما قال عبد الفتاح
السيسي: "
الإخوان إدوا المصريين انطباع خلال العامين اللي فاتوا مش قادرين ينسوه"، ذكرني بقول مشابه لأحد الصحفيين وهو يصف علاقته بإبراهيم نافع رئيس مؤسسة "الأهرام" الصحفية حينئذ!
كان نافع المرشح لموقع نقيب الصحفيين، في جولة انتخابية بإحدى الصحف، عندما وقف أحد الزملاء متحدثا بعد أن أنهى المذكور كلمته!
قال الصحفي: أنا "بكنلك". أي "أكن لك". ثم صمت، في انتظار أن يجد استحسانا في عين المخاطب، لكنه وجد انتظارا، لم يعرف له سببا فسكت!
وإزاء هذا الصمت طلب نافع من الزميل أن يسترسل فعاد يكررها: "أنا بكنلك". فلما وجد انتظارا على وجه المخاطب ظن أنه لا يصدقه، فأقسم أنه "يكنله"؟!
وهنا قال له نافع: "تكنلي ماذا.. خير أم شر"؟!.. إذ إنه ظن من يكن له، أن "بكنلك" عبارة مكتملة، وجملة كاملة غير منقوصة!
وعندما يقول السيسي إن الإخوان أعطوا المصريين "انطباعا"، فقد ظن هنا أنها جملة شارحة، ولا يعلم أنها تحمل الشيء ونقيضه، فقد يكونون قد أعطوا المصريين انطباعا سلبيا، أو إيجابيا، وفي الحالتين يصح القول إن المصريين "مش قادرين ينسوه"، لولا معرفتنا بنية عبد الفتاح السيسي والنية محلها القلب، وأنه لم يقصد أن يكون الانطباع إيجابيا، وهو في عادته، لا يقدم لمن يسمعونه جملة مكتملة، وهذا من عيوب الثقافة السمعية، وكثير من الأفكار الدينية الهائمة، أعرف مصدرها، لكنها نقلت إليه شفاهة، فلما جاء يعرضها، بدت عبارات ناقصة، وجملا مفككة، وطرحا أقرب إلى الخزعبلات!
موقع "اليوم السابع"، أعاد صياغة ما يعنيه السيسي وفشل فيه لعجزه المعروف عن التعبير، وهو العجز الذي ينتج حالة تدفق المخزون الاستراتيجي العاطفي لديه، فيظهر هذا في لغة الجسد، وفي نظرات الأعين، وعلى قاعدة "حس بيّ"!
"الدسك"، أو المسؤول عن "إعادة الصياغة" في "اليوم السابع"، كتب هذا النص المبعثر على هذا النحو: "جماعة الإخوان قدمت خلال العامين الماضيين انطباعا للشعب من الصعب نسيانه لما قاموا به من أعمال شغب وعنف وقتل"!
ومن هنا، صار بإمكان القارئ أن يعرف لأي فصيلة ينتمي هذا الانطباع، فهناك شغب وعنف وقتل، إذن هو "انطباع سلبي"!
لا بأس، فلن نحاسب السيسي على نص فقد صلته به، بعد إعادة الصياغة، فقد تكون الترجمة غير دقيقة، ولا تعبر عن المعنى الذي يقصده، إذ كان يمكن الاكتفاء بوصف هذا الانطباع بأنه "سلبي" دون الاستغراق في التأويل.
فبعودة للنص، سنكتشف أن "انطباع" التي بدت كما لو كانت حقنة في العضل قبل التفسير، ليست أكثر من مشاعر وأحاسيس، نتجت فقط خلال العامين الماضيين، ليصبح من حقنا السؤال، وماذا قبل العامين، أي قبل وقوع الانقلاب العسكري بزعامته؟!
في الواقع، ولأن السيسي يتصرف على أنه المتحدث باسم الشعب المصري، قد أعاد الأزمة إلى الشعب، الذي يبدو أنه ليس لديه استعداد لتقبل الإخوان، وهو ما أكده في سياق آخر من أن "مشكلة الإخوان ليست مع الحكومة بل إن الإشكالية بينهم وبين الشعب المصري".
وقد بدا بما قال أنه قبل هذا اللقاء كان في حصة تعليمية خرج منها بكلمة "الإشكالية"، إذ كان يكفي أن تكون مشكلة الإخوان ليست مع الحكومة فمشكلتهم مع الشعب. لكن يبدو أنه لأول مرة تثار أمامه "الإشكالية" فأعجبه الاصطلاح فقرر أن يستخدمه!
فهل "إشكالية" الإخوان فعلا مع الشعب؟!
والسؤال بطريقة أخرى: هل يصدق السيسي فعلا أن "إشكالية" الإخوان هي فعلا مع الشعب المصري؟!
إذن "تاهت ووجدناها"، كما يقول المثل الشعبي بتصرف!
فقد كانت مشكلتنا، التي أظنها هي مشكلة عبد الفتاح السيسي، بجانب كونها مشكلة لي، ومشكلة أحزاب الأقلية، أن الإخوان لديهم القدرة على الحصول على ثقة الشعب في أي انتخابات، لذا كان الحل هو الإطاحة بهم بقرار عسكري صدر مسكونا بالقوة المفرطة.
في خمس استحقاقات انتخابية شهدتها مصر بعد الثورة كنت فيها في الجبهة الأخرى ولم يحدث أن انحازت الأغلبية من الشعب لنا، وبدءا من التعديلات الدستورية، التي صوت عليها بـ "لا"، ضمن القوى المدنية، وانتهاء بالاستفتاء على الدستور، كان دائما خيارنا هو الخاسر، وكسب الإسلاميون كل هذه الاستحقاقات الانتخابية!
وإذا كان لدى عبد الفتاح السيسي يقين فعلا، بأن مشكلة الإخوان مع الشعب، فقد كان أمامنا حل من ثلاثة، لهذه "الإشكالية" ليس من بينها الانقلاب العسكري:
الأول: هو خوض الانتخابات البرلمانية، وإذا كان الشعب فعلا لديه "إشكالية" مع الإخوان، فإن القوى المدنية هنا يمكنها أن تحصل على الأغلبية وتشكل الحكومة، وتعدل الدستور، وتنزع كل صلاحيات رئيس الجمهورية، فلا يجد أمامه من عمل إلى حين انتهاء ولايته، إلا أن يشغل وقته بمشاهدة "روتانا سينما مش حتقدر تغمض عينيك".
الثاني: وقد تبين أن السيسي بقوة الدبابة يستطيع أن يفرض إرادته، فقد كان عليه أن يدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، ولو على غير رغبة الرئيس، وما دام الشعب لديه "إشكالية" مع الإخوان، فإن مصير محمد مرسي هو السقوط، ليأتي الشعب بمرشح أخر ليس بينه وبين الشعب "إشكالية" ولا "انطباع"!
الثالث: هو أن يعرض عبد الفتاح السيسي أمر الرئيس للاستفتاء الشعبي، وما دام الإخوان أعطوا الشعب "انطباعا"، وبينهم وبين الشعب "إشكالية"، فقد كنا سنضمن أن يرفض الشعب استمرار الرئيس محمد مرسي، وحينئذ كان بإمكاننا أن نخرج ونحن نهتف: "حلاوتك يا انطباع"، وقد يقوم أشهر صاحب محل كشري في مصر بتغيير اسم المحل من "كشري أبو خالد"، إلى "كشري انطباع"، بهذه المناسبة التاريخية.
سيقول البعض، أن السيسي من رأيه، وكما جاء في النص الهائم، أن هذا "الانطباع" الذي أعطاه الإخوان للمصريين، وأن هذه "الإشكالية" بينهم وبين الشعب المصري هي في العامين السابقين فقط، وقبل الانقلاب لم تكن هناك "إشكالية" ولا "انطباع"!
مرة أخرى "تاهت ووجدناها"!
فألا وقد حدثت "الإشكالية" بين الشعب والإخوان، لأنهم "إدوا الشعب انطباع"، فهنا والحال كذلك نقترح الدعوة لانتخابات برلمانية ورئاسية، وبإشراف
الأمم المتحدة، وبدون شروط، شرطها الوحيد، أن يحمل المرشح أو الناخب بطاقة مصرية، وشهادة ميلاد، ولا تستثني من الترشح أو التصويت أي فئة بما في ذلك أفراد الشرطة والقوات المسلحة؟!
أعلم أنه اقتراح مرفوض، لعلم السيسي أنه لا توجد "إشكالية" بين الإخوان والشعب، نتيجة أن الإخوان أعطوا الشعب "انطباعا"، فنتيجة الانتخابات معروفة سلفا فالإخوان سيحصلون على الأكثرية، وسيشكلون مع الفصائل الإسلامية الأخرى الأغلبية. والأقلية سيمثلها الحزب الوطني، ومن ينتخبون على القواعد القديمة، ونجيب ساويرس سيهرب إلى باريس ومن هناك سيعلن أن ابنه تتوق نفسه "للملوخية"، كما قالها في الهروب الأول حتى لا يدفع ما عليه للضرائب.
أما السيسي ومرسي فسوف يسقطان في هذه الانتخابات، وينجح حازم صلاح أبو إسماعيل. وإذا جاءت "الطوبة في المعطوبة" ونجح السيسي بإرادة الناخبين فنذر علي، والنذر دين، أن أعلق له لافتة تأييد فوق بيتنا، واعتزل الكتابة السياسية تماما، حتى لا أندفع يوما واكتب نقدا ضده، وأنا اعتز بكتاباتي غير السياسية التي كتبتها في أيام الفراغ، وكان عندي مشروع مقال عن "الكعب العالي" داهمتني الثورة فلم اكتبه، ثم داهمني الانقلاب فانشغلت عن هذا اللون من الكتابة.
إي وربي، مقال عن "الكعب العالي"!
وقد قضيت عشر أيام لا أكثر في لندن، فكتبت كتابا، ولا كلمة فيه في السياسة، فقد أخذت "انطباعا" في لندن أنه لا أحد يكح فيها، فكان هذا عنوان الكتاب، الذي لم ير النور بعد.
على ذكر "الكعب العالي"، فإن كمساري أتوبيس هيئة النقل العام، وهو جالس في موقعه الاستراتيجي في المؤخرة، عندما يهتف "كعب عالي"، فإنه ليعطي السائق "انطباعا" بأن سيدة تهبط، فينتبه، لأنها لن تنهي مهمتها بسرعة!
يا له من "انطباع" مهم، والأكثر حلاوة من "انطباع" هي "الإشكالية".
azouz1966@gmail.com