نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للكاتبة سيمونا سيكيميك، أشارت في بدايته إلى تقارير تفيد بأن
السعودية سحبت 70 مليار دولار من الأصول الخارجية؛ بسبب ضغط الأسعار المتدنية للنفط، وحرب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
ويشير التقرير إلى أن هذه السحوبات من شركات إدارة أصول عالمية، مثل "بلاكروك" على مدى الأشهر الستة الماضية، تأتي في وقت تراجع فيه
احتياطي السعودية في الخارج حوالي 73 مليار دولار.
ويذكر الموقع أن القلق يتنامى مع توقع بقاء سعر
النفط في حدود 50 دولارا للبرميل، وقد يبقى في حدود 70 دولارا للبرميل على مدى السنين القليلة القادمة، بأن المملكة قد تضطر للسحب من احتياطياتها؛ وذلك لدعم وضعها المالي.
وتورد سيكيميك أن مدير صندوق مطلعا قد قال لصحيفة "فايننشال تايمز": "كان الاثنين الأسود بالنسبة لنا"، في إشارة إلى سلسلة السحوبات التي تمت الأسبوع الماضي.
ويلفت التقرير إلى أنه بينما قد تكون شركات إدارة الأموال تعاني من خسارات كبيرة، حيث أخبرت مصادر صحيفة "فايننشال تايمز" أن بعض الشركات شهدت سحب أموال تعادل خمس إلى ربع الاستثمارات السعودية لديها. لكن المحللين أشاروا بأن 70 مليار دولار هي نقطة في محيط بالنسبة للمملكة الغنية بالنفط.
وقال
الاقتصادي الرئيسي في مجموعة "سامبا فايننشال غروب" جيمس ريف للموقع: "انهم لا يزالون في وضع مريح، ولكن وضعهم يعتمد كثيرا على الأسعار المتوقعة للنفظ".
وأكدت مديرة شركة "كي 2" روسامند دي سيبيل أنه "وإن كانت تظهر الأرقام في العناوين كبيرة، إلا أن السعودية لديها مبالغ هائلة في الاحتياطي، ويمكن للسعوديين أن يسحبوا منها بوتيرة عالية لسنوات طويلة".
وتذكر الكاتبة أنه في نهاية تموز/ يوليو كان احتياطي السعودية من العملة الصعبة 669 مليار دولار، بعد أن كان 746 مليار دولار في حزيران/ يونيو 2014. مشيرة إلى أن السعودية تبقى الدولة الثالثة من حيث احتياطيها من العملة الصعبة بعد الصين واليابان، وما يعادل احتياطي قطر بـ 16 مرة، بحسب البنك الدولي.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن هذا يعد وضعا مريحا، حيث يمكن للمملكة الاستمرار في دفع ما عليها، وتمويل فواتير الاستيراد المتزايدة، التي وصلت العام الماضي إلى 174 مليار دولار، بالإضافة إلى أنه يحمي البلد من التقلبات الاقتصادية، مثل الاضطرابات التي أصابت الاقتصاد الصيني، وأثرت على الاقتصاد في أنحاء العالم.
أين ذهبت الأموال كلها؟
يبين الموقع أنه من غير الواضح أين أنفقت الأموال، مستدركا بأنه يعتقد بأن بعضها ذهب لسد العجز المالي في الميزانية، والتأكد من إمكانية تمويل النفقات المختلفة، التي التزمت فيها، بالرغم من التراجع المستمر في أسعار النفط.
وتقول دي سيبيل للموقع: "مع توقع وصول العجز في الميزانية إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام (وهو أكبر عجز مالي في العالم لعام 2015)". ويقول الاقتصادي المتخصص في الشرق الأوسط في "كابيتال أكونوميكس" جيسون تيرفي، إن هذا التصرف الجديد سيستمر لبعض الوقت. ويضيف: "الواقع الجديد للسعودية هو استنزاف الاحتياطي، بدلا من الإضافة إليه، ويجب ألا ينظر لذلك وكأنه أمر غريب".
وترجح سيكيميك أن تتراجع وتيرة السحب من الاحتياطي، ويقول ريف إن "سامبا" يقدر أن الاحتياطي سيصل إلى 600 مليار أو 65% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويجد التقرير أن احتمال وصول الحرب في اليمن إلى نهايتها، والزيادة المتدرجة في أسعار النفط، والمتوقع أن تحصل من العام القادم، والإصلاحات الداخلية المتوقعة في المملكة، كلها عوامل ستقلل من الضغط على التمويل السعودي.
ويذكر الموقع أن الإدراج المتوقع للبورصة السعودية (تداول) في جداول (مورغان ستانلي كابيتال إنترناشونال إميرجنغ ماركتس) سيشجع على الاستثمار. وبالرغم من هذا، يتوقع ريف أن يرتفع الدين المحلي من 1.6% من الناتج المحلي في العام 2014 إلى 30% من الناتج المحلي العام مع حلول عام 2020.
وتقول الكاتبة إن هذا قد يبدو أنه قفزة كبيرة، ولكنها تعد صغيرة بالمقارنة مع دول أخرى، مثل سويسرا، التي يصل فيها الدين المحلي إلى 35% من الناتج المحلي العام، بينما يصل في المملكة المتحدة إلى 85%، وفي أمريكا يصل إلى 110%.
ويورد التقرير أنه في مرحلة ما في تسعينيات القرن الماضي وصلت ديون السعودية 100% من الناتج المحلي العام، ولكن وبعد القفزة في أسعار النفط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين خفضت السعودية ديونها، فأصبحت من القلة من دول العالم بذلك المستوى المنخفض من الديون.
ويبين الموقع أن قرار الرياض لاستخدام سوق الاستدانة المحلية سيساعد بعرض سندات قيمتها 27 مليار دولار حتى نهاية العام، وربما بعد ذلك على زيادة الديون. مستدركا بأن المحللين يقولون إن هذه الاستراتيجية قد تثبت أنها أسهل للإدارة، وتخفف من النزيف في الاحتياطي من العملة الصعبة، التي يمكن استخدامها لتثبيت العملة، إن كان هناك ضغط عليها.
وتشير سيكيميك إلى أنه في العادة يشجع تراجع أسعار العملة عملية التصدير، حيث تكون أسعارها أقل من المنافسين، ولكن هذا ليس صحيحا بالنسبة للمنتوجات السعودية، التي تشكل غالبية ما تصدره السعودية؛ لأن تلك المنتوجات تباع بالدولار. وبدلا من ذلك، فإن ضعف العملية سيؤثر سلبا على فاتورة الاستيراد، وتؤثر بذلك على الصناعة والمستهلك، وقد تسبب ضغطا على الاحتياطي من العملة الصعبة.
ويستدرك التقرير بأنه قد تكون هناك عوامل أخرى، بحسب إداريين ماليين على علم بالقضية، فالسحب من الاحتياطي ليس بالضرورة لسد العجز، أو لدعم العملة. فقد تكون محاولة من الحكومة للابتعاد عن الاستثمار في منتوجات أقل سيولة وأكثر مخاطرة، والاستثمار بدلا من ذلك بالسندات الحكومية.
كل ما يلمع؟
ويذكر الموقع أنه عادة ما ينظر إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، البنك المركزي للسعودية، الذي يدير صندوق الثروة السيادية، على أنه مستثمر محافظ. ولا يعرف الكثير عن تعاملاته دوليا، ولكن على عكس بعض الجيران في الخليج، الذين عرف عنهم امتلاك نوادي كرة قدم غربية وعقارات راقية، يبدو أن الرياض تستريح أكثر لكشف حساب تقليدي.
وقال مدير أصول لصحيفة "فايننشال تايمز"، بشرط عدم الكشف عن هويته، إن السعوديين لا يرتاحون للاستثمار في الأسهم العالمية، "فبينما توفر الأسهم العالمية أرباحا عالية على الاستثمارات، إلا أن فيها مخاطرة أكبر". وقال البعض إن السعودية قد تفكر في الاستثمار في الذهب، ولكن مع انخفاض الذهب 40% على مدى الأعوام الأربعة الماضية، فقد انتقد المحللون مثل هذا التوجه.
وقال محلل للموقع إن التراجع في الطلب على الذهب من الهند ومن الصين أثر سلبيا على أسعاره، وأضاف: "السبب الرئيسي لشراء الذهب هو للتحوط ضد التضخم، ولكن التضخم في أدنى مستوياته، ويعزى ذلك جزئيا إلى انخفاض أسعار النفط التي تفرضها السعودية".
وتابع المحلل قائلا: "إذا اشترى السعوديون الذهب، فسيشترونه للتحوط ضد انهيار في سوق الأسهم، أو لتصورهم أن التصخم سيعود بسبب التيسير الكمي، ولموقع السعودية في أوبك قد يضيفون الذهب؛ لأنهم يعتقدون بأن أسعار النفط والتضخم ستزيد فجأة، إذا قامت أوبك بتخفيض الإنتاج".
وتفيد الكاتبة بأن السعودية تؤدي دورا رئيسا في أوبك، وهي التي أصرت على إبقاء الإنتاج بالمستوى ذاته العام الماضي، ما تسبب بهبوط سعر البرميل من حوالي 120 دولارا إلى أقل من النصف. كما أنها قررت إبقاء مستوى الإنتاج ذاته، بل وزادت من إنتاجها هذا العام، مع أنها تأثرت ماديا هي وأعضاء أوبك الآخرين، الذين بدأوا يشعرون بالضغط.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن أسباب قرار السعودية غير واضحة، ولكن المحللين يعتقدون أنه لرغبة في المضاربة على
إيران وروسيا، اللتين تختلف السعودية معهما حول سوريا، كما أنها تأمل من ذلك المضاربة على مشاريع نفط منافسة، مثل إنتاج النفط من الصخر الزيتي في أمريكا، الذي يكلف إنتاجه أكثر.