كتاب عربي 21

الثورة فعل مستمر

1300x600
قد يكون من السهل أن نحشد الشعب عن طريق الوعود البسيطة (مثل إسقاط النظام الفردي)؛ لأن مثل هذه الوعود يمكن أن تقنع الحشود بأنها ستكون قادرة على إنهاء معاناتها بشكل فوري وحاسم ونهائي. ولكن بمجرد أن يتحقق الهدف الذي وعدوا به في البداية، أي إسقاط النظام الفردي، وتظل هذه المشكلات على ما هي عليه (كما هو الحال مع كل الأفعال المبنية على آمال غير واقعية)، يظهر لدى الناس ردة فعل عميقة جدا ضد التحرك بشكل عام.

والحقيقة أن هذه إحدى المعضلات التي تواجه المعارضة والثوار بشكل عام، فمن الصعب تحفيز الناس على التحرك حينما تخبرهم بالحقيقة؛ لأن تحركهم في هذه الحالة سيعني الحاجة للتحرك كل يوم، وغالبا طوال ما تبقى لهم من عمر. فالطغيان والظلم لن يختفيا هكذا دفعة واحدة، أو بجرة قلم. فحقيقة الأمر هي أنهما سيتحطمان قطعة وراء قطعة، بشكل متدرج وبطيء على مدى حقب زمنية، وقد يكون على مدى أجيال. فالظلم المنهجي شيء معقد، وطبيعي أن السلطة كلما تحديناها سترد الصاع صاعين.

ومن هنا، فالأحزاب المعارضة والثورية، وكذا القادة، يضطرون للاعتماد على الوعود البسيطة والكاذبة؛ من أجل حشد التأييد وهم يعرفون (لا شك أنهم يعرفون جيدا) أن الفشل المحتوم الذي ينتظر هذه الوعود التي ترسم آمالا عريضة سينتهي بإغراق الناس في بحور اليأس والتجمد، وبالتالي فقدان الثقة في هؤلاء القادة وفي الأحزاب نفسها، وفي النهاية يكون من الصعب جدا حشد الناس مرة أخرى من أجل عمل أي شيء مجد، ولكن حقيقة الأمر هي أن ما نتعامل معه هو نظام استعماري وعالمي معقد، ليس فقط بعض الأنظمة الفاسدة.

أساليب هذا النظام في السيطرة تعتبر شاملة ومتكاملة ومتشابكة في غاية الدهاء، وهي تتداخل تقريبا في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية. أما التصميم الهيكلي للنظم السلطوية هذه فيكون معقدا وذاتي التعزيز. فببساطة شديدة، لا توجد أبدا ضربة واحدة قادرة على الإطاحة به، كما لا يوجد تحرك أو فعل واحد قادر على تحريرنا منه هكذا ببساطة.

التبسيط هنا يساوي الخداع! كمسلمين وكإسلاميين، ليس لنا مناص من ذكر الحقيقة. فكل إستراتيجياتنا لا بد أن تنبنى على حقائق ووقائع، ولا يمكن أن نسعى لكسب تأييد الله، ونحن نروج لسوء الفهم ونضاعف من جهل شعوبنا.

الاستيلاء على السلطة بالقوة، أو تولي الحكم عبر الانتخابات، وسك الدنانير من الذهب، وإسقاط الطغاة.. كل هذه الأشياء لا تنشئ الدولة الإسلامية الفاضلة (يوتوبيا)، لأنه ببساطة لا يوجد هناك شيء يدعى يوتوبيا، ولا يوجد أي زعيم صادق يستطيع أن يقدم حلولا، لأنه ببساطة لا توجد حلول، فالموجود هو النضال من أجل جعل الأمور أفضل، وهذا النضال سيكون مستمرا، ويوميا، ولا نهائيا.

منذ غزوة تبوك (على أقل تقدير) وسيادة العالم الإسلامي عرضة للتحدي المستمر، إن لم يكن من خلال الغزو العسكري فمن خلال الحروب الاقتصادية، وفي الأغلب الأحيان من كلاهما معا، كما هو الحال اليوم.

فلا ينبغي أبدا لنا أن ندعو الناس للمقاومة أو النضال تحت وهم أن المقاومة والقتال سيؤديان إلى تسوية حاسمة، ولكن ينبغي علينا أن ندعوهم للنضال لأنه واجب ديني، ووسيلة لتحسين أوضاعنا وخفض المعاناة وتقييد القوى القمعية، والأهم من ذلك كله أنها وسيلة لكسب الثواب والحسنات من الله.

فلا ينبغي أن ندعو الناس للنضال على أمل أن نضالهم سينهي الحاجة إلى النضال يوما ما، ولكن علينا أن نغرس فيهم حب النضال من خلال دعوتهم بكلمات الله سبحانه وتعالى حينما يقول عز من قائل: "وَسَارِعُوا إِلَى? مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران: 133).