كتبت رندة حيدر: استطاع الحراك الاحتجاجي
الفلسطيني في الأسابيع الأخيرة ضد الاحتلال
الإسرائيلي ان يوجد واقعا جديدا، فقد أعطى زخما لحركة المقاومة، وأشاع أجواء من الخوف والهلع وسط الإسرائيليين، الذين أيقظتهم عمليات الطعن والدهس على واقع حاولوا على الدوام تجنب النظر إليه، ألا وهو سيطرتهم اللاأخلاقية على شعب آخر.
لقد حاول اليمين الإسرائيلي طوال سنوات حكمه طمس الصراع مع الفلسطينيين وتشويهه وتدجينه بشتى الوسائل، وإبعاده عن وعي الجمهور الإسرائيلي، لكن كل ذلك سرعان ما كان يتلاشى مع انفجار موجة عنف جديدة مثلما يحصل في هذه الفترة.
تشكل الهجمات الفلسطينية في
القدس الشرقية وفي قلب إسرائيل نفسها وفي الضفة الغربية تحديا حقيقيا لإسرائيل؛ حكومة وجيشا وشعبا. فليس لدى حكومة نتنياهو عنوان سياسي واضح المسؤولية في التخطيط للعمليات أو تمويلها؛ نظرا إلى أن الشهداء الفلسطينيين أنفسهم نفوا انتماءهم إلى هذه التنظيمات، وأحيانا بصورة حادة، وهي تفتقر إلى مبادرة سياسية لاحتواء العنف وتطويقه. أما بالنسبة للقوى الأمنية والجيش الإسرائيلي، فالتحدي المطروح هو كيف يمكن مواجهة الهجمات والاحتجاجات من دون التسبب بحمام دم فلسطيني، يُشعل الشارعين الفلسطيني والعربي على حد سواء؟ وليست هذه مهمة سهلة في ظل تصاعد مطالبة الجمهور الإسرائيلي بحمايته، وضغط الحركات اليهودية المتطرفة التي تريد سياسة أكثر تشددا وعنفا.
الهجمات الفلسطينية المنفردة وضعت الإسرائيليين وجها لوجه أمام نوع مختلف من العنف، وهي زعزعت ثقتهم بأجهزة الدولة وجعلتهم عرضة للخوف والقلق في كل مرة يمرون بالقرب من بلدة عربية، أو يجلسون في حافلة بالقرب من شخص ذي ملامح عربية.
يحاول نتنياهو مواجهة الهبّة الفلسطينية من خلال استخدام العقوبات الجماعية، بدءا من هدم منازل المهاجمين الفلسطينيين، وعزل الأحياء العربية في القدس الشرقية التي خرج منها المهاجمون، وتهديد سكانها بمصادرة تصاريح الإقامة الدائمة التي تمنحهم إياها إسرائيل، والتضييق والضغط على المدنيين الفلسطينيين لدفعهم إلى الوقوف ضد الشباب المحتج؛ دفاعا عن مصدر حياتهم ورزقهم الذي تتحكم به إسرائيل.
كما تراهن إسرائيل على احتواء الهبّة الفلسطينية الحالية ومنعها من التحول إلى انتفاضة شعبية على أمرين أساسيين، إلى جانب سياسة العقاب الجماعي: انصياع الأجهزة الأمنية وقيادات السلطة الفلسطينية لمطالبها وكبح الشارع الفلسطيني؛ واستغلال الضائقة الاقتصادية للضغط على الجمهور الفلسطيني وترهيبه بخسارة الفتات الذي تتكرم به إسرائيل عليه.
يحتاج الحراك الفلسطيني إلى احتضان كبير من جميع الفلسطينيين؛ تنظيمات وفصائل وسلطة وأجهزة وجمهورا مدنيا. والأهم أنه في حاجة إلى دعم وتأييد عربيين كي لا تذهب تضحيات الفلسطينين هباء.
(عن صحيفة النهار اللبنانية 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)