كتب عبدالعزيز محمد قاسم: بعد سماعي للكلمة المضيئة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين
الملك سلمان لجمهرة المثقفين والمثقفات الذين حضروا لقاءه يوم الأربعاء الفارط؛ كنت على عكس الذين استاؤوا من نوعية الحضور الذين اختارهم عادل الطريفي وزير الإعلام في تلك المناسبة الكبيرة، وقدمهم للمليك بأنهم نخبة مثقفي الوطن.
كان التذكير الأول من لدن خادم الحرمين في ذلك اللقاء بأننا بلد الإسلام، وقبلة المسلمين، وكرّر تلك المعاني لمرات عديدة في أثناء كلمته القصيرة التي ارتجلها أمام تلك الجمهرة. سلمان الحزم أراد تذكير إعلامنا بتلك الحقيقة التي غابت عن كثير من الإعلاميين والمثقفين، وأكد لمرات في تلك الكلمة أن نهج الدولة
السعودية الذي قامت عليه هو الكتاب والسنّة.
مليكنا ألقم أولئك الذين راهنوا في مرحلة مضت على "سعودية رابعة" حجارة بحجم خيالاتهم التي كتبوا بها. وأخرس تلك الأقلام التي انغرزت في خاصرة الوطن وطالبت بالتحلل من المعاهدة التاريخية بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب، وأنها عائقة اليوم للسعودية أن تنخرط في عالم الحداثة والعولمة، وأن نهضة بلادنا لن تتحقق إلا بالانفكاك من تلك المعاهدة التي قامت على الكتاب والسنّة، لأنها لا تتماشى والعصر – زعموا- ولا تراعي المدنية التي وصلت لها شعوب العالم المتقدم، وأن التمسك بذلك النهج يجعل المساحات أمامنا ضيقة وأحيانا مسدودة كدولة معاصرة.
في كلمته القصيرة والرائعة، أكد حفيد الإمام محمد بن سعود تلك المعاهدة الوثيقة، وأبان سلمان الحزم أن لا سعودية رابعة ولا خامسة بغير الكتاب والسنّة، وأن معاهدة الإمامين نهج ثابت اختطه آل سعود لدولتهم، ولن يحيدوا عنه أو يتخلوا، وليرض من يرضى ويسخط من يسخط، فهذه البلاد قامت على هذا النهج، ولن تستمر إلا بهذا القبس السماوي الخالد في أرض الرسالة.
يحتاج الوزير عادل الطريفي أن يقوم بوضع تلك الرسائل التي بثها مليكنا في لقائه التاريخي في إطارات مذهبة ويرسلها لمكاتب الصحف السعودية وفضائياتها، كي يتأمل المشتغلون في الفكر والإعلام والثقافة المعالم التي رسمها سلمان وهو يقول: "ونحن يا إخوة وأخوات يا أبناء وبنات في بلد الإسلام والمسلمين، هي قبلة المسلمين، لذلك يجب أن يكون إعلامنا دائما كما نحن، سائرون على نهج الكتاب والسنة الذي قامت عليه هذه الدولة، والذي هو أساس اتجاه كل مسلم في العالم خمس مرات لمكة المكرمة، مهبط الوحي ومنطلق الرسالة ومدينة رسول الله، ولذلك أهمية أن يكون مثقفونا على خلفية، وهم كذلك إن شاء الله على خلفية كاملة بأهمية هذا البلد. هذه أهميته الكبرى".
أشار سلمان الحزم أيضا إلى موضوع الاستقرار الذي نعيش فيه، في إشارة ضمنية لضرورة استحضار تلك النعمة التي أكرمنا الله تعالى بها، والدول من حولنا تعيش فوضى وعدم استقرار، بل حروبا أهلية طاحنة، ومن المهم أن تكون الجبهة الداخلية موحدة، وهذه لن تتحقق إلا بوعي النخب والمثقفين على توجهاتهم كافة بأننا في سفينة واحدة، ولا مجال لأحد أن يقوم بخرق هذه السفينة وهي تمخر بربانها الكبير.
عندما يشتكي العلماء والدعاة من تطاول الإعلام عليهم، وجملة الاتهامات التي تكال لهم عقب كل حادثة تفجير، وأنهم مقصرون في التصدي للتيارات المتطرفة كداعش، وهم الذين ألهبوا المنابر بالتحذير منهم، وغردوا في مواقعهم لفضح زور المتطرفين، ورأيت بعيني هاتين – والله شاهد عليّ- رسائل تهديد أتتهم من دواعش على جوالات بعض منهم، بأساليب المافيات التي نراها في الأفلام الأمريكية، وبعض الرسائل صيغت بمفردات سوقية بذيئة..
وترى كل تلك التهديدات تطال هؤلاء الدعاة، وتقول بذبح أبنائهم واختطاف زوجاتهم، بسبب مواقفهم وما كتبوا عن
داعش وغيرها، ثم يأتي بعد ذلك كله مثقف يتكلم من طرف فمه في الفضائيات التي بدبي أو بيروت ويتهمهم بأنهم لم يتصدوا لداعش، أو كاتب نخبوي في صحيفة، يخطّ من مكتبه الفاخر أو من على كنبته العريضة، واضعا رجلا على رجل، والغليون في طرف شفتيه، ويقول: أنتم داعشيون في الخفاء؛ ليجعلك تجزم بأن هؤلاء هم من سيخرق السفينة، وأنهم لا يتمتعون بأي حسّ وطني، أو مسؤولية تشعرك بأن همّ الوطن واستقراره ووحدته حاضرة في وجدانه.
أعود لكلمة مليكنا الكبير، وقد شكرت لوزير الإعلام نوعية الحضور من الممثلين والإعلاميين والمثقفين الذين اختارهم، فهم أحوج لتلك الكلمة من غيرهم، ووجّهم والد الجميع سلمان بن عبدالعزيز، الذي أسعد الملايين من شعبه المحافظ بكلمته تلك. ومئات الملايين في بلاد المسلمين الذين ينظرون بكل الأمل، ويتشوّفون لما يحصل في بلاد الإسلام ومنطلق الرسالة، ليطمئنهم سلمان بكلمته الضافية، أن السعودية رأس بلاد السنّة وحاملة لوائها، وأن تمسكها بدينها لا يمنعها من الانخراط في عالم اليوم، ولن يكون حملها للرسالة عائقا أبدا أن تكمل نهضتها وتمضي في تنمية بلادها.
لا "سعودية رابعة" متحللة من الدين بما تمنى البعض، بل سعودية شامخة ومعتزة بالكتاب والسنّة وهي تقتحم عالم المعاصرة.
(عن صحيفة بوابة الشرق القطرية، 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)