لا ريب أنَّ
الانتخابات التركية بما أفرزته من نتائج، وما سبقها من رهانات سيكون لها تأثير بالغ على المنطقة العربية، وستدفع كثيرا من الدول وأنظمتها لمراجعة حساباتها وسياساتها، بل وقد تشهد الساحة تحالفات استراتيجية تصب في صالح شعوب المنطقة التي أمل الربيع العربي تحقيقها قبل أن يخطف من قوى الاستبداد.
وتزامنُ الانتخابات البرلمانية التركية مع انتخابات البرلمان
المصري فضح عقم أنظمة الاستبداد، وأظهر عوارها وأثبت بما لا يدع مجالا للشك أنَّ الربيع العربي سيزهر مهما هزّته عواصف واعترضته مطبات، ولا نشير هنا لتقدم حزب العدالة والتنمية إنما لنشير لنجاح الصندوق عندما يعبر بصدق وشفافية عن طموحات الشعوب، فقد أسقطت انتخابات مصر نظام السيسي إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة في أحسن التقديرات 10% رغم الحشد الإعلامي، في حين تجاوزت عتبة 87% في
تركيا مما يعني أنَّ السيسي يعزف منفردا بعيدا عن الشعب المصري، وأنه لا يمثل المصريين، ويثبت أنَّ الشعوب امتلكت الوعي الذي يمثل الخطوة نحو التغيير المنشود.
وتظهر نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة الشبيهة بتلك التي حصل عليها الرئيس محمد مصري زمن أجريت في مصر انتخابات شفافة استحالت تعليب الشعوب، فالصندوق الشفاف يعبر عن التنوع والاختلاف بالمجتمع خلافا لأنظمة الاستبداد التي يحصل فيها المستبد على 99%.
مثلت تركيا أنموذجا يُحتذى لشعوب الربيع العربي، فالإنجازات التي حققتها الحكومة التركية المنبثقة من صفوف الشعب أكدت أنَّ الإنجازات الحقيقية تتحقق على يد الحكومات الشرعية؛ إذ تنخفض فيها نسب الفساد لأدنى المستويات، خلافا لأنظمة الاستبداد التي تشكل مغناطيسا جاذبا للفساد وبيئة حاضنة له، والمؤشرات الاقتصادية التي أعقبت التجربتين المصرية والتركية تكشف مستقبل هذه وتلك.
أفرزت الانتخابات المصرية وفق نموذج السيسي نظاما ينبطح للآخرين ويصوت لصالح إسرائيل في المحافل الدولية، ويعمل جاهدا على تجويع الفلسطينيين وإركاعهم، وأفرزت الانتخابات التركية الشفافة نظاما يتحدى إسرائيل، ويفضحها في المحافل الدولية ويقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ويسعى جاهدا إلى فكَّ الحصار عن فلسطين.
راهنت الحكومة التي تفرزها الانتخابات الشفافة على الشعوب وحقها في الحرية والكرامة، فدعمت ثورات الربيع العربي، ووقفت في وجه الحركات المضادة لحرية الشعوب دون النظر لمكاسب اقتصادية، وابتزازات سياسية، في حين تراهن أنظمة الاستبداد على مثيلاتها من أنظمة الاستبداد والعسكر؛ حيث لا يعلو صوت على صوت البندقية، وتسخر موارد البلاد ومقدراتها لتحقيق إنجازات ومكاسب وهميّة تفقر الشعوب، وتزيد من عذاباتها.
ستسرع نتائج الانتخابات التركية في انهيار حلف قوى الاستبداد، وستعزز موقف القوى الشعبية الحية، وستمكن الشعوب من استعادة زمام الأمور، وما قاله داوود أوغلو من أنَّ الانتخابات التركية انتصار لتركيا ولجيرانها ليس كلاما عبثيا دعائيا، ومن يتابع وسائل الإعلام المصرية والسورية وغيرها يستشعر حجم الصدمة والمصيبة التي أصابت المراهنين على سقوط حزب العدالة، فذهبت أموال أصدقائهم حسرة وندامة، كما انعكست دعايتهم السوداء سلبا عليهم.
ولعلَّ النتائج ستظهر بداية في سوريا، ولا سيما أنَّ التحالف التركي السعودي القطري سيتبلور بشكل أوضح، مما يعني اضمحلال نظام الأسد وذهابه لغير رجعة، وتهميش نظام السيسي الذي ستزداد عزلته، وسيفقد الدعائم التي مكنته من البقاء حتى الآن إذ ليس بمقدورها دعمه إلى ما لانهاية، كما سيشكل نجاح الثورة السورية جسرا للمصريين يعبرونه نحو حريتهم، فما يحدث في سوريا لا شك سيلقى أثرا في مصر.
نجحت الانتخابات التركية بمقدار نجاح الانتخابات المصرية؛ فالأولى عبّرت عن إرادة الشعب، والثانية فضحت المستبد، وكشفت أنَّ رصيده الشعبي لا يتجاوز في أحسن التقديرات 10%، لقد نجحت الحرية والعدالة وسقطت قوى الاستبداد.