الوصيفة جيهان السادات

فعلاً، وكما يقول المثل المصري الدارج: "خيراً تعمل شراً تجد"، والذي ينطبق على السيدة "جيهان السادات"، أرملة رئيس مصر الأسبق، الذي رد لها حكم الرئيس محمد مرسي الاعتبار، كزوجة لزعيم، فأعجبها دور "الوصيفة" لحرم عبد الفتاح السيسي!

"جيهان السادات" التقت بعدد من أعضاء مجلس العموم واللوردات البريطاني، لتعلن من هناك أن الإخوان كرموا قاتل زوجها في يوم نصر أكتوبر، وذلك في معرض تأكيدها على أن حماس والإخوان مثل تنظيم داعش، وأنهم تنظيمات إرهابية يمثلون "النازية الجديدة". فتذكرت مقولة: "اتق شر من أحسنت إليه".

ثورة يناير أعادت الروح لأرملة الرئيس السادات، بعد أن أنهت حكم الرئيس مبارك، وأنزلت زوجته من عليائها، وهي التي كانت تمارس مع المذكورة سياسة "كيد الضرائر"، وألغت وجودها من الحياة، وتم التعتيم عليها، وهي التي كانت ملكة متوجة على العرش في حياة بعلها!

لكن هذه الثورة، لم تتذكر السادات، إلا من حيث أنه أبرم معاهدة السلام مع الإسرائيليين، كان من إفرازاتها وجود سفارة للكيان الصهيوني في مصر، سرعان ما أنزل الثوار العلم الإسرائيلي من فوقها بشكل أكد للسفير الإسرائيلي أن وجوده غير مرغوب فيه، فغادر مصر غير مأسوف عليه. وعندما احتفل المجلس العسكري بنصر أكتوبر إبان حكمه، فإنه لم يجد نفسه مضطراً، للدفع بأرملة السادات لصدارة المشهد، لأن اسمها كان يثير حساسية لدى كثير من القوى السياسية التي كانت ترى أنها كانت الحاكم الحقيقي في البلاد، بغض النظر عن عدم صحة هذا.

بيد أن الرئيس محمد مرسي استقبلها في القصر الجمهوري، وكرم زوجها، بعد ثلاثين سنة قضتها "ميتة بالحياة"، فلم تكن تجد قبولاً لدى الحكم الجديد، فلم يغفر لها مبارك أنها كانت مناصرة لغريمه وزير الإعلام في عهد السادات منصور حسن، عندما كان مبارك نائباً لرئيس الجمهورية، كما لم ينس للسادات أنه أقصاه عملياً من المشهد، وإن قبل نصيحة الناصحين بدعوته لحضور العرض العسكري الذي قتل فيه، فمبارك كان يعلم أن السادات سيحدث تعديلات في قمة السلطة تلغي قرار تعيينه نائباً له.

ثلاثون عاماً قضتها "جيهان السادات" تتجرع المرارة، ولم تكن صاحبة كلمة مسموعة في حكم المخلوع إلا في موضوع واحد، عندما نشرت صحيفة "الأحرار" تحقيقاً عن تزوير المحررات الرسمية، وكيف أن محررها نجح في إصدار شهادة ميلاد باسم مولوده الوهمي، من زيجة وهمية له من المذكورة، وإذ اشتكت جيهان للمخلوع فهاتف بدوره رئيس الحزب الذي يصدر الصحيفة مرتين غاضباً، وبرر غضبه، بأن من يهاجم "جيهان" اليوم سيهاجم "سوزان" غداً. فلم يكن غضبه خالصاً لها.

وقد سعي مبارك ليمحو تاريخ السادات بأستيكة، فقام بالسطو على انجازه المهم وهو نصر أكتوبر، بعد أن اختزله في الضربة الجوية، وهذه الضربة في شخص مبارك نفسه، لكن الرئيس محمد مرسي في أول احتفال له، أعاد الفضل لأهله ودعا السيدة "جيهان السادات" للقصر الجمهوري وكرم زوجها، ولم يكن هذا مطلباً ثورياً، لكن الرجل أعطى إشارة برغبته في مصالحة مجتمعية، فدعا عبود الزمر أحد المتهمين بقتل السادات (وضابط المخابرات الحربية) لحضور الاحتفال، كما دعا أرملة أحد أبطال هذه الحرب وهو الفريق سعد الدين الشاذلي وابنته، وهو من كان في عداء مع السادات، دفعه للعيش خارج البلاد، وقد تبادلا الاتهام بالخيانة، وكأن بأسهما بينهما شديداً، بشكل دفع "الشاذلي" إلى الترحيب بمقتل السادات معلناً أن تلاميذه في الجيش هم من قتلوه.

وإذ حاول نافخو الكير، توظيف حضور الزمر في سياق حملتهم على الرئيس محمد مرسي الذي أكد بهذه الدعوة تأييده لمقتل السادات، ووصل الحال إلى الادعاء بأنه دعاه بهدف الكيد السياسي لأرملة الرئيس الراحل، فقد ردت عليهم "جيهان السادات" بإظهار الامتنان لتكريمها.

التيارات اليسارية، سعت للتشهير بالرئيس محمد مرسي ففعلت هذا من باب "الكيد السياسي"، ولتوظيف الواقعة في إطار حملات الإبادة الإعلامية ضد الرئيس المنتخب، مع أن اغتيال السادات لم يلق ترحيباً في أوساط الجماعات الدينية المتطرفة فقط، لكن اليسار المصري سعد بذلك، وتقدم المحامون اليساريون مشهد الدفاع عن المتهمين في ساحات المحاكم، وكتب الشاعر أحمد فؤاد نجم قصيدة في الإشادة بالمتهم الأول، الملازم أول خالد الإسلامبولي.

ولم تجد "جيهان السادات" غضاضة في حضور الضابط السابق "عبود الزمر" الاحتفالات، بل لم تجد غضاضة في الإفراج عنه ( في حكم المجلس العسكري)، كما أنها كما أنها لم تدن قرارات الإفراج عن المسجونين بتهمة اغتيال زوجها قبل الثورة، وبدت في ترفعها عن إدانتهم كما لو كانت ترى أن عملية اغتياله أكبر من أن يكون المتهم الأول والأخير فيها هم هؤلاء الذين كانوا شباباً صغير السن عندما قتل الرئيس السادات.

بعزل الرئيس محمد مرسي، انقلبت "جيهان السادات" لتتقرب للعهد الجديد، بالتطاول على مرسي الذي حرق قلبها بدعوة عبود الزمر، ولم تقل لنا وما هي مشاعرها وعدو زوجها الفريق الشاذلي يكرمه الرئيس أيضاً.

لقد بدا واضحاً أن "جيهان السادات" تحولت من "سيدة مصر الأولى"، إلى "وصيفة" لحرم عبد الفتاح السيسي، فتظهر بجانبها في الاحتفال الذي عقد بمناسبة تنصيبه رئيساً، كما تظهر بجانبها في احتفالات تفريعة "قناة السويس" وبعض الاحتفالات الأخرى. و"الوصيفة" هي التي ترافق الملكة وتتقيد برفقتها وتجالسها وتؤنسها. ويبدو أن هذه هي "الوظيفة" هى التي كانت تطمح فيها، وعلى قاعدة الحكمة المصرية الخالدة التي تحتفي بالوظيفة الحكومية ونصها: "إذا فاتك الميري تمرغ في ترابه".

"جيهان السادات"، وقد انتهي عهدها أميرة في القصر، لا مانع لديها من أن تكون "وصيفة" فيه، وعندما جرى تعيينها في هذه الوظيفة، خرجت تدافع بالباع والذراع عن العهد الجديد، ولأنه لا يوجد انجاز واحد يستحق الدفاع عنه، فقد انقلبت تسيء لنظام الرئيس مرسي، وتصف الإخوان أمام نواب بريطانيين بأنهم "النازية الجديدة" لتبرير استئصالهم، وإبعادهم عن المشهد السياسي.

هناك قصة من التراث الصعيدي تقول: إن راعي غنم جاء بذئب ولد في التو وانتزعه من محيطه ورباه وسط أغنامه، وخصص له شاة ترضعه، فلما كبر استيقظ الرجل على فاجعة أن الذئب أكل هذه الشاة فأنشد متأثراً:

من أنبأك بأن أباك ذئب .. إذا كانت الطباع طباع سوء فلا أدب ينفع ولا أديب!

ويا سيدة مصر الأولى سابقاً: مبروك عليك الوظيفة الجديدة "وصيفة الملكة" لكن قبل هذا وبعده لنا أن نسألك اذا كان قلبك قد حرق برؤية عبود الزمر لماذا لم تغضبي وتغادري في وقتها؟.. أم كنت تطمحين في شغل هذه الوظيفة لدى مرسي فسكتي؟!.

ربما من سوء حظ الرئيس محمد مرسي أن زوجته لم تكن بحاجة إلى "جيهان السادات".