يسعى
البنك المركزي المصري إلى دعم الجنيه من خلال رفع أسعار الفائدة بشكل غير مباشر، وضخ دولارات في القطاع المصرفي، في خطوة يقول مصرفيون وخبراء اقتصاديون إنها تهدف إلى تخفيف الضغوط لخفض قيمة العملة المحلية الذي يرونه أمرا حتميا.
وتواجه مصر التي تعتمد بشدة على استيراد الأغذية وغيرها من السلع الاستراتيجية أزمة عملة يعزوها كثير من الخبراء الاقتصاديين إلى أن الجنيه مقوم بأعلى من قيمته الحقيقية، وسمح البنك المركزي للجنيه بالهبوط تدريجيا إلى 7.9301 جنيه مقابل الدولار في تشرين الأول/ أكتوبر، لكن ذلك لا يزال أقل كثيرا من سعر صرفه في السوق الموازية البالغ 8.6 جنيه للدولار.
وتراكمت الواردات في الموانئ في الأسابيع الأخيرة مع عجز الشركات عن فتح خطابات ائتمان للإفراج عن المنتجات، لكن مصرفين كبيرين هما "بنك مصر" و"البنك الأهلي المصري" قالا الأسبوع الماضي إنهما سيوفران دولارات لتغطية طلبات الاستيراد للشركات.
ويرى كثير من المصرفيين العاملين في القطاع الخاص أن هذه الخطوة جاءت بإيعاز من البنك المركزي بهدف تخفيف الضغوط على الجنيه.
وفي خطوة مفاجئة السبت، قام بنك مصر والبنك الأهلي المصري أيضا برفع الفائدة على شهادات ادخار بالجنيه المصري إلى 12.5 في المئة من عشرة في المئة، وهو ما دفع بنوك أخرى لاتخاذ الخطوة ذاتها الثلاثاء.
وأثار ذلك تكهنات بأن البنك المركزي ربما يرفع قريبا أسعار الفائدة الرسمية لدعم الجنيه.
ولم يفصح مسؤولو المركزي عن نواياهم، ليزيد الغموض في الأسواق، ويهبط المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية 9.5 في المئة على مدى ثلاث جلسات السابقة، وربما لن يتضح الموقف حتى يتولي طارق عامر المحافظ الجديد للبنك المركزي مهام منصبه في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر.
تخفيف الضغوط
ويتكهن بعض المصرفيين بأن المركزي يخفف الضغط على الجنيه، حتى لا يكون الخفض كبيرا، عندما يقدم على خفض قيمة العملة في نهاية المطاف.
وقال خبير اقتصادي ببنك محلي إن "البنك المركزي يهيئ الأجواء لتحرك بشأن الجنيه، فهو يحاول تقليص حجم الخفض في قيمة العملة بدعم الجنيه لتحفيز المستثمرين على الاستثمار فيه".
ونقلت وسائل إعلام محلية عن محمد السويدي، رئيس اتحاد الصناعات المصرية، قوله الثلاثاء إنه من المتوقع أن يضخ البنك المركزي أربعة مليارات دولار في القطاع المصرفي في الأسابيع القادمة؛ لتلبية الطلب على العملة الأجنبية؛ لسداد ثمن الواردات.
وقال زياد وليد، الخبير الاقتصادي لدى بلتون المالية، "إنهم من ناحية (يخططون) لإمداد السوق بالدولارات، ومن ناحية أخرى يخفضون سيولة الجنيه المصري من خلال رفع أسعار الفائدة في البنوك، يفعلون ذلك لتخفيف الضغوط لخفض قيمة العملة".
وبينما قد تخفف تلك الأدوات ضغوط خفض قيمة العملة على الأمد القصير، قال وليد إن مفعولها لن يدوم طويلا في ظل تعرض موارد البلاد الدولارية لضغوط، متابع بالقول: "ربما تنجح تلك السياسات، لكنها لن تدوم لفترة طويلة، وسيكون هناك مزيد من الطلب على الدولارات بعد عدة أشهر؛ نظرا للعجز التجاري لمصر؛ ولذا فإن المركزي قد يضطر إلى تكرار الخطوات ذاتها مجددا أو خفض قيمة الجنيه".
ويواجه اقتصاد مصر صعوبات منذ ثورة يناير 2011 التي أدت إلى عزوف المستثمرين الأجانب والسياح واستنزاف الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، وربما تؤدي دلالات متزايدة على أن تحطم طائرة ركاب روسية فوق سيناء الأسبوع الماضي كان بسبب قنبلة إلى تزايد الضغوط على الجنيه مع تراجع إيرادات السياحة.
وهبطت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي من 36 مليار دولار في 2011 إلى 16.4 مليار دولار في تشرين الأول/ أكتوبر، وهو ما يكفي بالكاد لتغطية فاتورة الواردات لثلاثة أشهر.
لا تغير يذكر في العوائد
وكان مصرفيون يتوقعون ارتفاع العائد على سندات حكومية بعدما رفع "بنك مصر" و"البنك الأهلي" الفائدة على شهادات الادخار إلى 12.5 في المئة، لكن العائدات لم تشهد تغيرا يذكر في مزادي الأحد والاثنين.
وفي مزادي أذون وسندات الخزانة الأحد والاثنين، قال مصرفيون من بنوك خاصة إنه "بينما عرضت تلك البنوك سعرا أعلى في العطاءات، عرضت البنوك الحكومية سعرا أقل بكثير؛ للحفاظ على استقرار العائد، والحيلولة دون ارتفاع تكلفة الإقراض الحكومي".
ويرى بعض المصرفيين أن البنك المركزي أصدر تعليماته للبنوك الحكومية برفع الفائدة وإبقاء عروضهم منخفضة في مزادات السندات الحكومية؛ لامتصاص سيولة الجنيه المصري من السوق دون تأثر الإقراض الحكومي.
وقال هاني فرحات، الخبير الاقتصادي لدى سي.آي كابيتال، إن "الخطوة تهدف إلى امتصاص فائض السيولة دون الإضرار بأسعار فائدة الإقراض، وهذا أمر إيجابي؛ لأنه يعطي بعض الدعم للعملة المحلية أمام الدولار دون التأثير سلبا على نمو القروض".
وأضاف قائلا: "إنه إجراء مؤقت، لا يستبعد معه خفض قيمة العملة، بل يكمله"، مشيرا إلى أن "الخفض حتمي، وارتفاع العائد على العملة المحلية سيعوض جزئيا تأثير الخفض، ويزيد أسعار فائدة الإيداع".