كتب عبد الله السناوي: أجراس الإنذار تدق دون أن نكون على أي درجة تأهب لأيام صعبة مقبلة.. فلا خطاب سياسيا مقنع يشرح الأزمة ويلهم القدرة على التحدي ولا خطة عمل تصوب المسار وتسد الثغرات.
حتى الآن لم يخرج مسؤول رفيع واحد يتحدث عن أزمة "الحصار السياحي" التي يخشى المصريون عواقبها الوخيمة.
الرهان على التعبئة الإعلامية دون إدارة سياسية هو الوهم بعينه.
فكرة التعبئة استهلكت نفسها ووجوهها فلا يقنع في النهاية إلا ما هو مقنع.
لابد أن نعترف بأن الأداء العام شبه متهالك من أزمة البلاعات في المحافظات التي تعرضت لسيول وأمطار إلى أخطار التوظيف السياسي الدولي لحادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء.
بقدر سلامة الأوضاع الداخلية تكتسب الدول هيبتها واحترامها.
هذه قاعدة أكدتها أزمة الطائرة الروسية.
انكشاف الأوضاع الداخلية أفضى إلى شيء من الاستهتار الدولي بأية مصالح مصرية.
الانكشاف يغري بالانقضاض.
القضية السياسية ليست ما إذا كانت الطائرة قد أسقطت بعمل إرهابي أم بخلل فني.
الاحتمالان لا يمكن استبعاد أحدهما.
ترجيح أن تكون هناك عبوة ناسفة أسقطتها لا يعني بذاته مؤامرة على مصر.
فأية دولة بالعالم معرضة لعمليات إرهابية والأمن المطلق خرافة مطلقة.
في الاحتمالين لا يصح إخفاء أوجه القصور في المطارات المصرية والعمل بصرامة على تصحيحها واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لضمان سلامة الركاب من مصريين وأجانب.
جوهر القضية القفز على نتائج التحقيقات والتوظيف السياسي للحادث المروع.
دول كبرى من بينها أمريكا وبريطانيا تعرضت لحوادث إرهابية مماثلة دون أن تفضي إلى مقاطعة مطاراتها وسحب السياح الأجانب من أراضيها.
ودول إقليمية من بينها تونس تعرضت لعمليات إرهابية بشعة اغتالت سياحا لضرب اقتصادها فنهض العالم لدعمها بينما هو في الحالة المصرية ينقض عليها كأنه يدعم الإرهاب ويذكي عملياته.
من حق أية دولة أن تطمئن على سلامة مواطنيها غير أن التوظيف السياسي المبالغ فيه قضية أخرى.
في التوظيف السياسي توجه لفرض "حصار سياحي" على مصر.
بحسب التقديرات شبه الرسمية فإن العوائد السياحية سوف تنخفض للنصف تقريبا في احتفالات أعياد الميلاد.
حجم الخسارة السياحية يمكن تحمله بشكل أو آخر غير أن الخطر الحقيقي هو أثر الحصار السياحي السلبي على الاستثمارات الأجنبية.
إعلان الحصار يعني بالضبط أن مصر بلد ليس آمنا ولا تتوافر فيه أية بيئة جاذبة للاستثمارات الدولية والإقليمية على حد سواء.
ضربة بهذا الحجم تأخذ مداها الخطير بالنظر إلى التراجع المتوقع في الدعم الخليجي.
انخفاض أسعار النفط وتكاليف حرب اليمن والأزمات المكتومة المصرية السعودية في إدارة الأزمة السورية تؤشر على مثل هذا التراجع.
لم يعد أمام مصر غير أن تعتمد على نفسها وتتحمل تكاليف الأيام الصعبة المقبلة.
كيف؟.. لا توجد أية إجابة.
الذين أزعجهم الحصار الاقتصادي المتوقع من أغلبية المصريين الساحقة، بمن فيهم بعض الذين يعارضون نظام الحكم الحالي، مستعدون لربط الأحزمة بشرط ألا تعفى "رأسمالية مبارك" من دفع الفواتير وتسديد المستحقات.
حق الدولة هو حق مواطنيها.
غير أن ذلك يستدعي قواعد قانونية معلنة تستعيد حقوق الدولة في الأراضي التي أهدرت على عهد الرئيس الأسبق "حسنى مبارك" وفي وحدات القطاع العام التي بيعت بتراب الفلوس وصدرت بشأنها أحكام قضائية لم تحترم وتنفذ بكلمة واحدة.. سيف القانون فوق رؤوس الجميع لا رأسا دون آخر.
القواعد لابد أن تحترم في هذا البلد، فإذا كان هناك توجه لاسترداد حقوق الدولة فإنه لا يصح التوقف في منتصف الطريق أو التمييز بحسب الحب والكره.
إذا لم تكن هناك إجراءات مماثلة في ملف الأراضي لما جرى مع رجل الأعمال مؤسس "المصري اليوم" "صلاح دياب" فهو انتقام.
في كل الأحوال فإن طريقة القبض عليه مهينة لأية قيمة قانونية وإنسانية وضربا في بيئة الاستثمار.
هناك فارق بين الحساب وفق القانون وبين تعمد إهدار كرامته الإنسانية باقتحام غرفة نومه بالسلاح وهو مع زوجته التي روعت والمجيء بمصور صحفي قرب الفجر ليلتقط صورا والكلابشات في يديه كأنه إرهابي.
وإذا كنا ندعو إلى احترام كرامات الناس، فإن الأمر نفسه لابد أن ينصرف إلى كل المواطنين العاديين الذين يتعرضون للإهانات البالغة في أقسام الشرطة.
الدوس على الكرامة الإنسانية مأساة مروعة في بلد قام بثورتين للانتقال إلى مجتمع ديمقراطي حر ودولة مدنية حديثة.
وهناك سؤالان ضروريان.
أولهما، هل فتح ملف الأراضي المستباحة خيار أزمة يستهدف مباشرة وقف أي تدهور اقتصادي محتمل نتيجة النقص المتوقع في الموارد العامة؟
وثانيهما، هل هو مؤقت باعتبارات الأزمة الاقتصادية أم خيار جديد يؤسس لنظام يقطع حبله السرى الممتد مع "رأسمالية مبارك" بالنظر إلى وجود اسم رجل الأعمال "محمود الجمال" صهر "جمال مبارك" في القضية نفسها؟
لا إجابة واحدة على أي سؤال.
عند غياب أية إجابات شبه مقنعة يصعب التعويل على مواجهة أي حصار اقتصادي ممكن.
بوضوح كامل فإن مصر مرشحة للتعرض لهزات داخلية غير محتملة ما لم ترتفع السياسات إلى مستوى الأخطار.
أي أزمة كبيرة تنطوي على فرص بقدر ما تنطوي على مخاطر.
ضيق المجال العام يقلص من فرص تجاوز الأزمة.
هناك بجوار الانسداد الاجتماعي انسداد سياسي وإعلامي.
أسوأ تداعيات ممكنة لطريقة القبض على "دياب" إثارة الذعر في الوسطين المالي والصحفي.
الأول لا يرى أمامه قواعد تشير إلى أصول اللعبة الجديدة، والثاني لا يعرف ما قد يحدث غدا.
الذعر لا يؤسس لدولة حديثة ولا لقدرة على مواجهة التحديات الكبرى التي تدق أجراسها الآن.
فيما تحوم شكوك حول إذا كان ما نشرته "المصري اليوم" من مقالات نقدية لنظام الحكم الحالي وراء تجاوز أية قواعد قانونية في طريقة القبض المهينة على مؤسسها، فإن التليفزيون المصري قدم دليلا لا يدحض على الضيق بالنقد.
فقد جرى التنكيل بالمذيعة "عزة الحناوي" لأنها دعت إلى محاسبة كل من لا يحارب الفساد من رئيس الجمهورية إلى أصغر مسئول.
هناك فارق بين النقد والتشهير، بين التصويب والسباب.
لم ترتكب "الحناوي" أي خطأ، والتنكيل بها إهانة لنظام الحكم نفسه وشهادة سلبية جديدة أمام العالم.
وفي قضية الحقوقي "حسام بهجت" أزمة لا ضرورة لها، إذ يمكن تجاوز ما كتبه عن قضية لم يكن أول من أشار إليها فقد سبقته بشهور الـ"بي بي سي".
التحقيق معه أمام القضاء العسكري أيا كانت أسبابه ينال بقسوة من صورة بلد مثقل باتهامات دولية في ملفات حقوق الإنسان ويتعرض مسئولوه الكبار إلى مساءلات محرجة في أية اجتماعات بالخارج.
أمام الخطر الداهم الذى يلوح بحصار سياحي واقتصادي وبدرجة ما سياسي فلمن تدق الأجراس؟
(عن صحيفة الشروق المصرية- 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)
حتى الآن لم يخرج مسؤول رفيع واحد يتحدث عن أزمة "الحصار السياحي" التي يخشى المصريون عواقبها الوخيمة.
الرهان على التعبئة الإعلامية دون إدارة سياسية هو الوهم بعينه.
فكرة التعبئة استهلكت نفسها ووجوهها فلا يقنع في النهاية إلا ما هو مقنع.
لابد أن نعترف بأن الأداء العام شبه متهالك من أزمة البلاعات في المحافظات التي تعرضت لسيول وأمطار إلى أخطار التوظيف السياسي الدولي لحادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء.
بقدر سلامة الأوضاع الداخلية تكتسب الدول هيبتها واحترامها.
هذه قاعدة أكدتها أزمة الطائرة الروسية.
انكشاف الأوضاع الداخلية أفضى إلى شيء من الاستهتار الدولي بأية مصالح مصرية.
الانكشاف يغري بالانقضاض.
القضية السياسية ليست ما إذا كانت الطائرة قد أسقطت بعمل إرهابي أم بخلل فني.
الاحتمالان لا يمكن استبعاد أحدهما.
ترجيح أن تكون هناك عبوة ناسفة أسقطتها لا يعني بذاته مؤامرة على مصر.
فأية دولة بالعالم معرضة لعمليات إرهابية والأمن المطلق خرافة مطلقة.
في الاحتمالين لا يصح إخفاء أوجه القصور في المطارات المصرية والعمل بصرامة على تصحيحها واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لضمان سلامة الركاب من مصريين وأجانب.
جوهر القضية القفز على نتائج التحقيقات والتوظيف السياسي للحادث المروع.
دول كبرى من بينها أمريكا وبريطانيا تعرضت لحوادث إرهابية مماثلة دون أن تفضي إلى مقاطعة مطاراتها وسحب السياح الأجانب من أراضيها.
ودول إقليمية من بينها تونس تعرضت لعمليات إرهابية بشعة اغتالت سياحا لضرب اقتصادها فنهض العالم لدعمها بينما هو في الحالة المصرية ينقض عليها كأنه يدعم الإرهاب ويذكي عملياته.
من حق أية دولة أن تطمئن على سلامة مواطنيها غير أن التوظيف السياسي المبالغ فيه قضية أخرى.
في التوظيف السياسي توجه لفرض "حصار سياحي" على مصر.
بحسب التقديرات شبه الرسمية فإن العوائد السياحية سوف تنخفض للنصف تقريبا في احتفالات أعياد الميلاد.
حجم الخسارة السياحية يمكن تحمله بشكل أو آخر غير أن الخطر الحقيقي هو أثر الحصار السياحي السلبي على الاستثمارات الأجنبية.
إعلان الحصار يعني بالضبط أن مصر بلد ليس آمنا ولا تتوافر فيه أية بيئة جاذبة للاستثمارات الدولية والإقليمية على حد سواء.
ضربة بهذا الحجم تأخذ مداها الخطير بالنظر إلى التراجع المتوقع في الدعم الخليجي.
انخفاض أسعار النفط وتكاليف حرب اليمن والأزمات المكتومة المصرية السعودية في إدارة الأزمة السورية تؤشر على مثل هذا التراجع.
لم يعد أمام مصر غير أن تعتمد على نفسها وتتحمل تكاليف الأيام الصعبة المقبلة.
كيف؟.. لا توجد أية إجابة.
الذين أزعجهم الحصار الاقتصادي المتوقع من أغلبية المصريين الساحقة، بمن فيهم بعض الذين يعارضون نظام الحكم الحالي، مستعدون لربط الأحزمة بشرط ألا تعفى "رأسمالية مبارك" من دفع الفواتير وتسديد المستحقات.
حق الدولة هو حق مواطنيها.
غير أن ذلك يستدعي قواعد قانونية معلنة تستعيد حقوق الدولة في الأراضي التي أهدرت على عهد الرئيس الأسبق "حسنى مبارك" وفي وحدات القطاع العام التي بيعت بتراب الفلوس وصدرت بشأنها أحكام قضائية لم تحترم وتنفذ بكلمة واحدة.. سيف القانون فوق رؤوس الجميع لا رأسا دون آخر.
القواعد لابد أن تحترم في هذا البلد، فإذا كان هناك توجه لاسترداد حقوق الدولة فإنه لا يصح التوقف في منتصف الطريق أو التمييز بحسب الحب والكره.
إذا لم تكن هناك إجراءات مماثلة في ملف الأراضي لما جرى مع رجل الأعمال مؤسس "المصري اليوم" "صلاح دياب" فهو انتقام.
في كل الأحوال فإن طريقة القبض عليه مهينة لأية قيمة قانونية وإنسانية وضربا في بيئة الاستثمار.
هناك فارق بين الحساب وفق القانون وبين تعمد إهدار كرامته الإنسانية باقتحام غرفة نومه بالسلاح وهو مع زوجته التي روعت والمجيء بمصور صحفي قرب الفجر ليلتقط صورا والكلابشات في يديه كأنه إرهابي.
وإذا كنا ندعو إلى احترام كرامات الناس، فإن الأمر نفسه لابد أن ينصرف إلى كل المواطنين العاديين الذين يتعرضون للإهانات البالغة في أقسام الشرطة.
الدوس على الكرامة الإنسانية مأساة مروعة في بلد قام بثورتين للانتقال إلى مجتمع ديمقراطي حر ودولة مدنية حديثة.
وهناك سؤالان ضروريان.
أولهما، هل فتح ملف الأراضي المستباحة خيار أزمة يستهدف مباشرة وقف أي تدهور اقتصادي محتمل نتيجة النقص المتوقع في الموارد العامة؟
وثانيهما، هل هو مؤقت باعتبارات الأزمة الاقتصادية أم خيار جديد يؤسس لنظام يقطع حبله السرى الممتد مع "رأسمالية مبارك" بالنظر إلى وجود اسم رجل الأعمال "محمود الجمال" صهر "جمال مبارك" في القضية نفسها؟
لا إجابة واحدة على أي سؤال.
عند غياب أية إجابات شبه مقنعة يصعب التعويل على مواجهة أي حصار اقتصادي ممكن.
بوضوح كامل فإن مصر مرشحة للتعرض لهزات داخلية غير محتملة ما لم ترتفع السياسات إلى مستوى الأخطار.
أي أزمة كبيرة تنطوي على فرص بقدر ما تنطوي على مخاطر.
ضيق المجال العام يقلص من فرص تجاوز الأزمة.
هناك بجوار الانسداد الاجتماعي انسداد سياسي وإعلامي.
أسوأ تداعيات ممكنة لطريقة القبض على "دياب" إثارة الذعر في الوسطين المالي والصحفي.
الأول لا يرى أمامه قواعد تشير إلى أصول اللعبة الجديدة، والثاني لا يعرف ما قد يحدث غدا.
الذعر لا يؤسس لدولة حديثة ولا لقدرة على مواجهة التحديات الكبرى التي تدق أجراسها الآن.
فيما تحوم شكوك حول إذا كان ما نشرته "المصري اليوم" من مقالات نقدية لنظام الحكم الحالي وراء تجاوز أية قواعد قانونية في طريقة القبض المهينة على مؤسسها، فإن التليفزيون المصري قدم دليلا لا يدحض على الضيق بالنقد.
فقد جرى التنكيل بالمذيعة "عزة الحناوي" لأنها دعت إلى محاسبة كل من لا يحارب الفساد من رئيس الجمهورية إلى أصغر مسئول.
هناك فارق بين النقد والتشهير، بين التصويب والسباب.
لم ترتكب "الحناوي" أي خطأ، والتنكيل بها إهانة لنظام الحكم نفسه وشهادة سلبية جديدة أمام العالم.
وفي قضية الحقوقي "حسام بهجت" أزمة لا ضرورة لها، إذ يمكن تجاوز ما كتبه عن قضية لم يكن أول من أشار إليها فقد سبقته بشهور الـ"بي بي سي".
التحقيق معه أمام القضاء العسكري أيا كانت أسبابه ينال بقسوة من صورة بلد مثقل باتهامات دولية في ملفات حقوق الإنسان ويتعرض مسئولوه الكبار إلى مساءلات محرجة في أية اجتماعات بالخارج.
أمام الخطر الداهم الذى يلوح بحصار سياحي واقتصادي وبدرجة ما سياسي فلمن تدق الأجراس؟
(عن صحيفة الشروق المصرية- 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)
شارك
المزيد حول هذا الموضوع
هل بقي طاغية يداه ملطختان بالدماء لم نفرش له السجادة الحمراء؟
01-Nov-15 11:26 PM
كيف يتلقى السيسي نصائح من توني بلير؟
26-Oct-15 09:26 AM
المصريون يقولون "لا" لبروباغندا السيسي
22-Oct-15 11:55 PM
المزيد من هذا الكاتب
