ظهر على سطح السياسة الليبية مصطلح "التعطيل" سببا لدعوات بسحب تفويض رئيس
المؤتمر الوطني العام، نوري أبو سهمين، المتعلق بإدارة ملف
الحوار، وأخرى لإقالة رئاسة مجلس النواب المنعقد في مدينة
طبرق شرق
ليبيا، وأخيرا مطالبة 11 عضوا بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع
الدستور بتغيير رئاسة الهيئة.
سحب تفويض أبو سهمين
فقد وقع أكثر من 50 عضوا في المؤتمر الوطني العام الليبي؛ على بيان يطالبون فيه بسحب التفويض الممنوح لرئيس المؤتمر المتعلقة بإدارة ملف الحوار الوطني، وإرجاعها إلى كامل هيئة المؤتمر، بعد عجز المؤتمر عن اتخاذ موقف واضح من مسودة الاتفاق السياسي السابعة وحكومة التوافق الوطني التي أعلن عنها المبعوث الأممي السابق، برناردينو ليون، في الصخيرات المغربية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وكان المؤتمر الوطني العام قد منح في أوقات سابقة رئيسه أب وسهمين تفويضات تتعلق بإدارة ملف الحوار، كتعيين لجنة المؤتمر المشاركة بالحوار، وأخرى متعلقة بالتوقيع على الميزانية العامة للدولة، ومنحه صفة القائد الأعلى للجيش الليبي.
وطالب الموقعون على البيان بضرورة عقد جلسة كان مفترضا أن تلتئم الأسبوع الماضي، إلا أن تسريبات صحيفة الغارديان البريطانية بشأن مراسلات بين المبعوث ليون ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، حالت دون ذلك.
إقالة رئاسة برلمان طبرق
في السياق ذاته، نادى أعضاء بمجلس النواب الليبي في طبرق بإقالة رئاسة هيئة المجلس، ضمن دورة برلمانية جديدة، حيث اتهمت رئاسة المجلس، بحسب منتقديها، بـ"المعطلة" لعقد جلسة يُتخذ فيها قرار بشأن مسودة الاتفاق وحكومة التوافق الوطني.
وانتقد عضو البرلمان عن مدينة ترهونة، أبو بكر سعيد، مشاركة رئيس المجلس عقيلة صالح في القمة العربية اللاتينة في السعودية، في وقت وصفه بـ"الحرج"، مضيفا في لقاء متلفز على قناة محلية؛ أنه كان من الأولى تكليف وزير الخارجية التابع لحكومة البرلمان بحضور تلك القمة. وقال أيضا إنه كان من الأولى عقد جلسة للبرلمان واتخاذ قرار بشأن الحكومة لوقف تفاقم معاناة الشعب الليبي.
ونفى سعيد أن يكون مجلس النواب قد اتخذ قرارا حول الاتفاق السياسي وحكومة التوافق الوطني، فأعضاء المجلس لم "تعط لهم الفرصة أصلا في الجلسات الماضية للتصويت الديمقراطي ليقرروا مع أو ضد الاتفاق، بطريقة صحيحة وليست مخالف للائحة الداخلية"، بحسب قوله.
ورد عضو البرلمان على دعوة المؤتمر الوطني بإجراء حوار ليبي- ليبي، بأنه من الصعب عقده في هذه الظروف التي تمر بها البلاد، خاصة إذا تم البدء من نقطة الصفر، وفي ظل إصرار المؤتمر على مقاسمة السلطات مع مجلس النواب، على حد تعبيره.
هيئة صياغة الدستور:
في شرق ليبيا، وفي مدينة البيضاء تحديدا، طالب 11 عضوا بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، في بيان مشترك، بتصحيح مسار عمل الهيئة، وإقالة رئاستها وتكليف أخرى خلفا لها، بسبب ما وصفوه بعرقلة هيئة الرئاسة إصدار مشروع دستور للبلاد رغم مرور 18 شهرا على انطلاق أعمالها (في نيسان/ أبريل من السنة الماضية).
وقال الموقعون على البيان إن رئاسة الهيئة "رسخت تناقضات لا نهاية لها بين الأعضاء، وأبعدت كل قدرات الأعضاء القادرين على تقديم الأفضل في العملية الدستورية، وانتهجت سياسة الهبات والمزايا للبعض دون الآخرين. كل ذلك بدون تقديم تقارير مالية دورية مفصلة، أو الاعتماد على الخبراء من أعضاء الهيئة في رسم جدول زمني يمكن الالتزام به"، وفق نص البيان.
لماذا المطالبة بسحب الصلاحيات؟
جاءت هذه المطالبات والنداءات بشأن سحب صلاحيات في العاصمة طرابلس، أو إقالة رئاسة مجلس النواب في طبرق، وهيئة صياغة مشروع الدستور في البيضاء، في ظرف سياسي وأمني واقتصادي حرج، حسبما يرى مراقبين.
فمن الجانب السياسي، تعثرت مسيرة توقيع الاتفاق السياسي وإقرار حكومة التوافق الوطني، بسبب اتهام المبعوث الأممي ليون بالانحياز إلى برلمان طبرق، على خلفية مراسلات بينه وبين وزير الخارجية الإماراتي، وعدم إمكانية إدارة ليون للحوار، بعد رفض أغلب الأطراف المشاركة في الحوار ذلك، خاصة وأن مجلس الأمن الدولي نوه إلى ذلك عندما أشار إلى أن إحاطة ليون أمامه هي الأخيرة.
اقتصاديا، تعاني ليبيا ارتفاعا حادا في أسعار السلع الأساسية، بسبب قفز سعر الدولار إلى أكثر من ثلاثة دنانير ليبية، إضافة إلى إغلاق مستشفيات ومراكز طبية بعدة مدن ليبية، منها العاصمة طرابلس، لعدم توفر الإمكانيات الطبية والأدوية اللازمة للعلاج، فيما تعاني مدينة بنغازي نقصا حادا في دواء الأنسولين الخاص بمرضى السكري.
أمنيا وعسكريا، ما زالت الاشتباكات دائرة بأقصى الشرق الليبي، بين ائتلاف مجلس شورى مجاهدي درنة وثوار وعسكريين من مدينتي البيضاء وطبرق من جانب، وتنظيم الدولة من جانب آخر، وذلك منذ شهر حزيران/ يونيو الماضي، ولم تحسم بسبب ما يحصل عليه عناصر تنظيم الدولة من إمدادات في الذخيرة والأسلحة قادمة عن طريق البحر من مدينة سرت، أو عبر شرائها من تجار أسلحة.
وفي الوقت ذاته، تستمر الاشتباكات في مدينة بنغازي، شرق ليبيا، بين مجلس شورى ثوار بنغازي وتنظيم الدولة وأنصار الشريعة من جهة، وقوات عملية الكرامة الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، ما أسفر عن تدمير أغلب أحياء المدينة الشرقية، بسبب الاشتباكات وقصفها بالبراميل المتفجرة من قبل طائرات تابعة لحفتر.
ويسيطر تنظيم الدولة سيطرة تامة على مدينة سرت وضواحيها، مع احتمال إعلان سرت عاصمة ثالثة لـ"الخلافة"، وتوقعات بقيام التنظيم مطلع العام القادم بعدة عمليات في درنة وبنغازي وتمدده في محاولة منه لإحكام سيطرته على مناطق نفوذه وتوسيعها.
كل هذه الظروف دعت أعضاء بالمؤتمر الوطني العام ومجلس النواب وهيئة صياغة مشروع الدستور إلى تحريك الجمود الذي يلف عمل هذه المؤسسات، في ظل عدم قدرتها على اتخاذ قرار يحسن من ظروف البلاد الأمنية والسياسية والاقتصادية.