ألقت الأزمة التي تعصف بحزب نداء
تونس بظلالها على مؤسّسات الدولة، حيث وجّه سياسيون ومراقبون أصابع الاتهام إلى مؤسسة رئاسة الجمهورية بالتدخل غير المبرر في الشأن الحزبي، والانحياز لأحد جناحي الخلاف داخل "
النداء".
والأربعاء، أصدرت رئاسة الجمهورية بلاغا في ختام لقاء جمع قايد
السبسي بممثلين عن النواب المستقيلين من كتلة النداء داخل البرلمان، شددت فيه على أن مؤسسة
الرئاسة "تقف على المسافة نفسها من مختلف الأطراف الحزبية داخل نداء تونس".
وكشفت تصريحات عدد من السياسيين، على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، المتعلّقة بخلافات نداء تونس، عن علاقة مؤسسة الرئاسة بالحزب، حيث حامت نقاط استفهام حول تصرفات بعض القياديين بالحزب، الذين اختلطت مسؤولياتهم الحزبية بصفاتهم الرسمية داخل القصر الرئاسي، على غرار مدير ديوان الرئاسة وعدد من المستشارين.
ضغوط على النواب
وفي هذا السياق، اتهم عبادة الكافي، النائب المستقيل من كتلة النداء البرلمانية، مدير ديوان الرئاسة رضا بلحاج بـ"التأثير في عدد من النواب المستقيلين (32 نائبا)، مستغلا وسائل رئاسة الجمهورية وصفته فيها"، وفق تعبيره.
وتابع المحامي الكافي في حوار له نُشر في صحيفة "المغرب"، الأربعاء، بقوله إن "محاولات رضا بلحاج هي استمرار لممارسة انطلقت منذ فترة"، مشيرا إلى أنه مارس ضغوطا على النواب من أجل دعم الطرف الذي ينتمي إليه، في إشارة إلى شق حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس، "كما مارس عليهم الضغط من اجل إثنائهم عن تقديم الاستقالة".
هجوم ضدّ رئيس الحزب
ورضا بلحاج، الذي شغل منصب المدير التنفيذي لنداء تونس، قبل أن يلتحق بمؤسسة الرئاسة، هو اليوم أيضا عضو الهيئة التأسيسية للحزب.
وسبق أن هاجم بلحاج الشهر الماضي، في تصريح إذاعي، زميله في الهيئة التأسيسية، محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحزب في الوقت نفسه، والمحسوب على شق الأمين العام محسن مرزوق، وذلك رد فعل على تغيبه (الناصر) عن اجتماع دعا إليه شق حافظ قايد السبسي بجزيرة جربة في الجنوب.
بلحاج يتنصّت على قيادات النداء
ولم تمرّ تصريحات مدير ديوان الرئاسة دون رد من خصومه، حيث اعتبر لزهر العكرمي، الوزير المستقيل من حكومة الحبيب الصيد، والمحسوب على شق مرزوق، أن مؤسسة الرئاسة طرف في الخلاف القائم داخل شقي نداء تونس، متهما رضا بلحاج بالتحرك من مؤسسة الرئاسة وبصفة رئيس الجمهورية لتفتيت الحزب".
وقال العكرمي في تصريح إعلامي، إن بلحاج يتصل بأعضاء الحزب وإطاراته في المحافظات، مستخدما اسم رئاسة الجمهورية، من خلال عبارات "الرئيس يريد" و"الرئيس قال"، متابعا بأن "مدير الديوان الرئاسي يستعمل الدولة والنفوذ للتأثير على المنخرطين".
واتهم العكرمي مدير الديوان الرئاسي رضا بلحاج بالتنصّت عليه وعلى بعض قيادات نداء تونس دون إذن قضائي، مضيفا أن "بلحاج يستغل منصبه في الدولة ويهدد العديد من نواب الحزب"، وفق تعبيره.
لا معنى للحياد
وصرح بلحاج لصحيفة "الصحافة"، الأربعاء، بأنه "لا معنى للحياد بالنسبة إليه كقيادي مؤسس في نداء تونس"، لافتا إلى أنه "يُميّز جيدا بين مسؤوليته في مؤسسة الرئاسة والتزاماته الحزبية".
وكان النائب عبد العزيز القطي قد قال في تصريح لإذاعة "شمس إف إم"، قبل أيام، عقب لقاء جمع قايد السبسي بشق نجله حافظ، إن الرئيس "يعتبر استقالة عدد من النواب من كتلة النداء بالبرلمان خيانة مؤتمن".
الحزب أو الدولة
وقال مصطفى بن أحمد، الناطق الرسمي باسم النواب المستقيلين، في مؤتمر صحفي عقده بمقر مجلس نواب الشعب؛ إن قايد السبسي، الذي التقى ممثّلين عنهم، الأربعاء، "سيدعو كل المسؤولين المحيطين به إما لتحمل المسؤوليات داخل الدولة أو المسؤوليات الحزبية".
وأضاف بن أحمد أن "السبسي يرغب في أن تتوصل قيادات الحزب إلى حل الخلاف بمفردهم دون تدخلات"، مشيرا إلى أن الرئيس أكد لهم "وقوفه على المسافة ذاتها من كل الأطراف، وأنه لا ينحاز لأي شق"، بحسب قوله.
مهندس الصراع
وكان المتحدّث باسم رئاسة الجمهورية، معزّ السيناوي، قد عبر في تصريحات إذاعية سابقة عن "استنكار مؤسسة الرئاسة الزج برئيس الدولة وبمدير الديوان الرئاسي في الصراع الحزبي الداخلي في حركة نداء تونس".
لكنّ أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك استبعد، في تصريح إعلامي، فرضية الزج بقايد السبسي في خلافات حزب النداء، معتبرا أنه (السبسي) "مهندس ومدير هذا الصراع، أسوة بسياسية الرئيس الأسبق بورقيبة"، وذكر بتصرفات "الزعيم الذي كان يترك المجال للصراعات في الحزب الحر الدستوري، بل ويغذي بعضها، ليتدخل فيما بعد لحسم المسألة وتنصيب نفسه حكما"، وفق تعبيره.
مخالف للدستور
وأكد أمين عام حزب "حركة الشعب"، زهير المغزاوى، في تصريح إعلامي، الأربعاء، وجود حالة ارتباك حقيقي في الدولة، "خصوصا في ظل اهتمام رئيس الجمهورية بمشاغل حزبه وعدم اهتمامه بمشاغل التونسيين"، لافتا إلى أن هذا الأمر "مناف للدستور وضد صورته التي قدّمها للشعب".
وفي المقابل، ينفي القيادي بـ"النداء" خالد شوكات (مجموعة نجل الرئيس) حصول أي تأثير سلبي للصراع العلني للحزب على مؤسسات الدولة، مضيفا في تصريح لصحيفة "الصباح" بأن ذلك "أمر طبيعي يعود إلى مخاض التأسيس".
يشار إلى أن قايد السبسي استقال من رئاسة الحزب بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في نهاية العام الماضي، حسب أحكام الدستور التونسي الذي يمنع رئيس الجمهورية من الجمع بين مسؤولياته وأي مسؤولية حزبية.