نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا لجيسون باك، حول الدور الذي تؤديه
الأمم المتحدة في
ليبيا.
ويقول الكاتب إن "ليبيا أرض مفردات التفوق، فهي تحتوي على أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، وفيها أعلى درجة حرارة في العالم، وهي الرائدة في تهريب البشر وانتشار الأسلحة الثقيلة، وفيها أكبر نسبة وفاة في حوادث السير في العالم، وهي البلد الوحيد في العالم الذي تقع فيه حرب أهلية متعددة الأطراف، وكلهم يأخذون رواتبهم من المؤسسة ذاتها، وهي البنك المركزي الليبي. وإضافة إلى هذه القائمة البائسة، فقد كسبت ليبيا في الأسابيع الأخيرة مميزة أخرى، وهي أنها مركز للفضائح الدولية. فمن المناسب جدا أن تكون سفارة ليبيا في واشنطن تقع في بناية ووترغيت".
ويضيف باك: "مع أن الجمهور الغربي في الغالب ما يكون مطلعا بشكل أكبر على (بنغازي)، ورسائل
هيلاري كلينتون الإلكترونية، إلا أن هناك فضيحة أقبح تتعلق بليبيا طفت على السطح أخيرا. فقد اختار المبعوث الخاص للأمم المتحدة لليبيا، برناردينو
ليون، وهو سياسي سابق من حزب العمال في إسبانيا، العمل في وظيفة ذات راتب مرتفع في
الإمارات، مديرا لأكاديمية الدبلوماسية الإماراتية، بعد انتهاء عمله كونه مبعوثا خاصا للأمم المتحدة".
ويواصل الكاتب قائلا: "إن سوء التصرف هذا، وهو العمل مع المؤيد الرئيس لأحد الأطراف الرئيسة في الحرب الأهلية الليبية، ليس سوى طرف الفضيحة. فبحسب الرسائل الإلكترونية التي سربتها (الغارديان) و(ميدل إيست آي) تظهر قصة أخرى؛ وهي أن ليون نسق استراتيجية المفاوضات التي تقوم بها الأمم المتحدة مع المسؤولين الإماراتيين وحلفائهم الليبيين. وبحسب ما قاله، فإنه سعى إلى مساعدة الإمارات لتحقيق أهدافها على مستوى المنطقة، وهي هزيمة الإخوان المسلمين وحليفهم في طرابلس، المؤتمر الوطني العام، عن طريق إسقاط شرعية ممثلهم، وعدم منحهم مقعدا مكافئا على طاولة المفاوضات، مثل البرلمان الموالي للإمارات".
ويتهم باك في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، ليون بأنه في عمله هذا قد يكون "قوض جهود كسب الثقة، التي قامت بها كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وآخرين، للتوسط في ليبيا بين الفصائل المختلفة. ويظهر في الرسائل الإلكترونية المسربة كيف نشط في منع محاولات عقد المفاوضات بين أصحاب الشأن الحقيقيين، الذين يضمون المليشيات الدينية والقبلية والمحلية، وذلك بهدف دعم الطرف الأقل تمثيلا والذي تدعمه الإمارات".
ويرى الكاتب أن "فضيحة التحايل التي قام بها ليون أدت بوزير الخارجية الأمريكية جون كيري، إلى المطالبة بعقد مثل هذا المؤتمر في لقاء قريب في تونس. وكذلك فإن استهداف مسؤول كبير يوم الجمعة في تنظيم الدولة في ليبيا كان خطأ، والأفضل بناء تحالف ضد التنظيم. وليس أمامنا إلا ردة فعل سياسية قوية لفشل العملية، التي أشرفت عليها الأمم المتحدة لمعالجة الفوضى التي تعيشها ليبيا. أما عمليات اغتيال الجهاديين فلن تحل الفشل السياسي، الذي يمنح تنظيم الدولة أرضا خصبة وملاذا آمنا في ليبيا".
ويقارن التقرير الفضيحة بغيرها من فضائح القرن الحادي والعشرين، ويقول باك إن "ليون غيت تتضمن رشاوى وإرهابيين ورسائل إلكترونية مسربة، وتجاوزا وقحا لسياسي كان يوما يعد كاريزماتيا، فانزلق بكبره إلى مستنقع العار. فبتفضيله جانبا على الآخر في الصراع الليبي لم يجلب فقدان المصداقية لنفسه وللأمم المتحدة فحسب، بل قال للعالم إنه يمكن رشوة السياسيين، وإن الملايين من الناس قد يعانون؛ لأن حفنة من النخبة في رأس الهرم يتنازعون على الغنائم".
وتحدث الكاتب عن "آثار الفضيحة، التي تضرب ليبيا بشكل كبير، فبدأت تحس بها دعائم الاقتصاد الليبي الرئيسة، وشعر بها البنك الليبي المركزي والشركة الوطنية للنفط، حيث انهار سعر صرف الدينار الليبي، حتى وصل أربعة دنانير ليبية مقابل الدولار، قبل أن تهاجم المليشيات سوق الصرف السوداء في طرابلس، وأغلقوا سوق الذهب والصرافة في المدينة، فكما أفقدت حرب جورج بوش على العراق الثقة في أمريكا على مستوى الشرق الأوسط، فإن ليون غيت ستفقد الثقة في حيادية الأمم المتحدة أكثر من برنامج (النفط مقابل الغذاء) أيام حكم صدام".
ويشير باك إلى سجل ليون قائلا: "لو تفحصا بدقة سجل ليون، فإن ذلك يظهر إدانة أكبر. فقد لاحظت ولفترة طويلة أن المجتمع الدولي يميل للتعامل مع مجلس النواب على عكس منافسه في طرابلس. هذا الانحياز صادر عن مجموعة من العوامل، فالدول الغربية تفضل التعامل مع محاورين دارسين في الغرب، وميلهم في التعامل مع جيش بدل التعامل مع مجموعات مسلحة، والتعامل مع من يقول إنه علماني يحارب الجهاديين، وبيروقراطية المؤسسات الأمريكية، مثل وزارة الخارجية، في التعامل مع من يقول إنه حاصل على شرعية الانتخاب أكثر ممن يدعي تمثيل مجتمعه المحلي".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذه العوامل هي التي حكمت لفترة طويلة السياسة الغربية في الشرق الأوسط، وتوضح لماذا دعمت أمريكا وغيرها ديكتاتوريين قمعيين مناوئين للإسلاميين، مثل حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي في مصر، أو علي عبدالله صالح في اليمن، بينما أداروا ظهورهم لأنظمة قابلة للعيش ذات ميول إسلامية في أماكن أخرى. ومع هذا فإن كانت فضيحة ليون غيت لم تفضح سوى أن السياسة الدولية المتبعة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر هي دعم الأنظمة المعادية للإسلاميين، فذلك يعني أنها لم تأت بجديد".
ويستدرك باك بأن "الكشف الحقيقي لهذه الفضيحة هو أن السياسيين الليبيين المعادين للإسلاميين ومؤيديهم (الإمارات والسعودية ومصر) يملكون الإمكانات للضغط وإفساد السياسة الغربية من الداخل".
ويلفت التقرير إلى أنه "في حالة ليبيا، فإن تجمع الإمارات ومصر ومجلس النواب (الليبي) لم يقده أحد المصريين أو الإماراتيين أو حتى وزير الخارجية في مجلس النواب، ولكن قادته عصابة من الليبيين ذوي الصلات الجيدة يعيشون في الإمارات. رئيس وزراء ليبيا السابق محمود جبريل، وهو متعلم في أمريكا ومعاد للإخوان المسلمين، وعارف النايض، وهو عالم صوفي وتاجر وسفير ليبيا في الإمارات، حيث خدعا ليون ومستضيفيهما الإماراتيين والمجتمع الدولي".
ويتهم الكاتب الإمارات، التي قال إنها كانت "أكثر الدول انتهاكا لحظر الأسلحة في ليبيا، وكانت هي ومصر الوحيدتين اللتين تدخلتا عسكريا في دعم حلفائهما دعما مباشرا لجبريل والنايض".
ويقول باك: "باختصار فإن جبريل والنايض تلاعبا بالدعم الإماراتي على مدى أربع سنوات، ليصبحا النسخة الليبية من أحمد الجلبي، الذي توفي من فترة قريبة. ومع أن الجلبي فقد مصداقيته عام 2008، فقد استطاع جبريل والنايض أن يحافظا على مصداقيتهما في العواصم الغربية؛ لأنهما استغلا دورهما في 2011، للوصول إلى سياسيين غربيين فاعلين، وإلى وزير الخارجية الإمارتي عبدالله بن زايد آل نهيان، الذي سلمهما ملف العلاقات مع ليبيا".
ويجد الموقع أنه نتيجة لهذا، فقد أصبحت لديهم اتصالات مع حلفاء ذوي نفوذ وتمويل غير محدود لشراء شركات الضغط السياسي في شارع ماديسون أفينيو في منهاتن، حيث تقع أشهر الشركات المتخصصة في عملية التسويق السياسي لدى صناع القرار.
ويفيد التقرير بأن كون الأمم المتحدة تدعي أنها المؤسسة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وقادرة على تحقيق الاستقرار العالمي، فإنه يتوقع منها أن تقوم بإيقاف هذا النزيف، وإعادة شيء من عدم الانحياز.
ويبين الكاتب أنه "لو كان هناك اعتذار كبير من الأمين العام، بان كي مون، وأبعد نفسه عن ليون، لكانت المشكلة حلت. ولكن الآن فات الوقت، وظهرت الأمم المتحدة على أنها بيروقراطية متورطة لا روح فيها، حيث يقوم العاملون فيها بالحفاظ على مناصبهم وليس أكثر، والتزم بان كي مون خط ليون ذاته في قوله بأن الحكم على العملية التي قامت بها الأمم المتحدة يجب أن يكون من خلال (الإنجازات). وضعفه في القيادة بدا واضحا كضعف كاريزمياته، ومع سمعة الأمم المتحدة في الحضيض، فإن عملية سلام بوساطة من الأمم المتحدة في ليبيا أمر أصبح في حكم المستحيل".
ويخلص باك إلى أنه "جاء الوقت لتقوم أمريكا وأوروبا وحلفاؤهما في الشرق الأوسط بالتصرف خارج نطاق الأمم المتحدة، لفرض عقوبات على كل مجرمي الحرب ومخربي عملية السلام من الجانبين، كما يجب الإعلان بأن مجلس النواب انتهت صلاحيته في 20 تشرين الأول/ أكتوبر، ولذلك فإنه لا توجد في ليبيا حكومة شرعية. وبهذا تصبح ليبيا ليست أرض أحد".