سابقة تعد الأولى من نوعها منذ 2009، حيث سجلت
الاستثمارات الصينية في القارة الأفريقية خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، انخفاضا بنسبة 40 %، انحدار أرجعه المختص
الاقتصادي، السنغالي سيري سي، إلى تغيير وجهة الصين نحو أسواق ومناطق جديدة في العالم، وذلك إثر تحقيق اكتفائها على مستوى استثماراتها في القارة السمراء.
آفاق استثمارية جديدة و"واعدة" بعيدا عن
أفريقيا تحظى الآن باهتمام أكبر من الصين، بحسب الخبير السنغالي، في ضوء
التباطؤ الذي تشهد به معدلات نموها الاقتصادي، ضمن خلاصة تستند إلى الموازنة التي أعلن عنها مؤخرا، الناطق باسم وزارة التجارة الصينية، شين دانيانغ، والتي أظهرت تراجعا للاستثمارات الصينية في أفريقيا يقدر بـ 1.2 مليار دولار، وانخفاضا في قيمة الواردات من القارة نفسها بـ 43 %، بين كانون الأول/ يناير وحزيران/ يونيو الماضيين.
سي، مدير مكتب "أفريكا وورلد وايد" للاستشارات الجيووسياسية، ومقره داكار بالسنغال، خلص إلى أن التباطؤ الذي يشهده نمو العملاق الصيني، والمقدر، خلال الربع الثالث من العام الجاري، بـ 6.9 %، بحسب بيانات صينية رسمية، أدى إلى انخفاض حاد في طلبها على المواد الأولية الأفريقية، ما دفع، بدوره، إلى تراجع الواردات، معطيات تدفع نحو استشراف استمرار هذا التراجع على مدى العامين أو الثلاث سنوات المقبلة، في ظل توجه الصين نحو أسواق ومناطق أخرى في العالم، تجدها "واعدة" بشكل أكبر، للاستثمار في مجالات الطاقة النووية والتكنولوجيا، دون أن تتخلى، بطبيعة الحال، وبشكل نهائي، عن أفريقيا.
تحول يعتبر لافتا بالنسبة لقوة اقتصادية كانت تلقي بثقلها الاستثماري على القارة السمراء، لتجتاح جميع قطاعاتها انطلاقا من النقل والطاقة وصولا إلى المناجم والعقاراتن غزو رفع قيمة استثمارتها في هذه القطاعات، إلى أكثر من 75 مليار دولار بين عامي 2000 و2011، بحسب المجموعة الاقتصادية المغربية "أماديوس".
فالتواجد الصيني في أفريقيا لا يحتاج إلى أكثر من الإمعان في محصلة استثمارتها في القارة السمراء لوقوف على حجم النفوذ الذي تتمتع به هذه القوة الصاعدة. فالصين تمتلك حوالي ألف و46 مشروعا في أفريقيا، ونحو ألفي و500 شركة كبيرة ومتوسطة ناشطة في أكثر من 50 بلدا ومنطقة، إضافة إلى أنها قامت ببناء 2233 كم من الخطوط الحديدية و3 آلاف و530 كم من الطرقات، بينها خط حديدي بصدد الإنجاز في كينيا للربط بين بلدان شرق أفريقيا، وإضافة لكل ذلك، يحسب للصين أنها من ساهم في إدماج القارة السمراء في الاقتصاد العالمي، بحسب الأرقام الصينية الرسمية.
وفي سياق متصل، أشار تقرير صادر عن معهد "بروكينغز"، إلى أن الاستثمارات الصينية في القارة الأفريقية، خلال 2011، تمثل 4.3 % من إجمالي استثماراتها في العالم.
محصلة أثارت ردود أفعال متباينة، ففي الوقت الذي أشاد فيه البعض بالسياسة الصينية المربحة للجانبين، لمحت بعض الشخصيات السياسية إلى الأطماع التي تغلف حقيقة التواجد الاقتصادي الصيني في القارة السمراء، من ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، والتي قالت، خلال زيارة لها إلى السنغال في 2012، في إشارة إلى الصين: "القارة السمراء في حاجة إلى شراكات تمكنها من زيادة القيمة، وليس إلى أولئك الذين يريدون سلبها قيمتها".
مقارنة بسيطة كفيلة بإدراك التغيير التكتيكي الذي يشوب اليوم سياسة الإمبراطورية الحمراء. فعلى الرغم من تباطؤ نموها الاقتصادي، المعترف به حتى من قبل الحكومة الصينية نفسها، فإن هذا التمشي الجديد، والمتوجه نحو الغرب، يفسر، بحسب الخبير السنغالي، من منطلق حرص الصين على تغيير نموذجها في مجال الأعمال، لصالح مجالات أخرى أكثر تقدما من الناحية التكنولوجية، على غرار بناء محطات الطاقة النووية والتكنولوجيات الجديدة، وهي القطاعات نفسها المفقودة في أفريقيا.