مع الأسف لقد أصبحت الدعاية السوداء التي اتخذها كل من حزبي الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني كأسلوب في الحراك، أداة سياسية يعتمد عليها حزب الشعوب الديمقراطي (وهو الحزب الكردي الممثل في البرلمان).
لقد كان من المتوقع جدا أن يعاني كل من حزبي الشعوب الديمقراطي والعمال الكردستاني مشكلة في التأقلم والتكيف خلال الـ13 سنة الماضية، هذه الفترة التي زالت فيها الشدة شيئا فشيئا، وأصبح تحصيل الحقوق فيها ممكنا بالطرق المدنية، واكتسبت السياسة فيها أهمية مركزية.
بصراحة، فأنا شخصيا وحتى فترة السادس والثامن من تشرين الأول/ أكتوبر تصرفت بحسن نية تجاه حزب الشعوب الديمقراطي، محاولا أن أفهم الصعوبات التي يواجهها هذا الحزب حيث كنت أعلم أن إصلاح وتغيير بعض الأمور يستغرق وقتا، لأن الماضي كان قاسيا فنشوء الثقة سيحتاج وقتا بالتأكيد.
من جهة أخرى فمع بداية عملية التسوية التي تهدف إلى إنهاء النزاع العرقي الداخلي تعرض حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان إلى سلسلة متتالية من الانقلابات.
لكن، في العاشر من آب/ أغسطس بعد انتخابات رئاسة الجمهورية، وبالرغم من حصول صلاح الدين ديميرطاش على حولي 10 بالمئة من الأصوات، أصبح العنف والدعاية السوداء أكثر فعالية من السياسة التي كان من المفروض أن تكون هي الفعالة.
في فترة السادس والثامن من تشرين الأول/ أكتوبر، أصدر كل من حزب الشعوب الديمقراطي واتحاد المجتمعات الكردية نداء يدعو للخروج إلى الشوارع، وبذلك مات العشرات من مواطنينا الأكراد، فقد كنا في مواجهة تمرد حقيقي وحراك يهدف إلى تقسيم البلاد.
هذا الحراك كان يشمل في محتواه أيضا محاولة الإطاحة بالحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية، وبالرئيس الجمهوري رجب طيب أردوغان.
الأمر الذي اتضح من هذا الحراك أن حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي وكذلك حزب الاتحاد الديمقراطي أصبحوا جزءا لا يتجزأ من مشروع يهدف إلى تقسيم تركيا، حتى وأن الشكوك بدأت تتراود حول أن إنشاء هذه الأحزاب منذ البداية كان يهدف إلى ذلك.
ذلك لأن مراد قارايلان أحد قادة حزب العمال الكردستاني صرح بعد انتخابات السابع من حزيران أن الحزب كان على أهبة الاستعداد لشن حرب نهائية ضد الجمهورية التركية في نهاية عام 2012، ولكنهم أجلوا شن هذه الحرب إلى خريف عام 2013 بسبب الظروف الموسمية. وعبر عن ندمه بهذه الكلمات "في ذلك الوقت كان يجب علينا أن نقول لا لعبد الله أوجلان، ولكننا أخطأنا لم نستطع قولها.....".
شكل ظهور تنظيم الدولة في المنطقة ومحاولتها احتلال كوباني والسيطرة عليها، فرصة على طبق من ذهب لكل من حزب الشعوب الديموقراطي وحزب العمال الكردستاني من أجل تعطيل عملية التسوية التي تهدف إلى تحقيق العيش السوي بين الأتراك والأكراد.
فقد بدؤوا بفعاليات كبيرة داخل تركيا وخارجها هي أشبه بمحاولات الانقلاب للإطاحة بالنظام الحاكم.
في الواقع كانوا إخوة...وإلا فكيف يمكننا إقناع الأكراد الذين كانوا قبل حكومة العدالة والتنمية لا يريدون إلا العيش بسلام وسوية ووفاق، وحققوا لأول مرة خلال فترة حكم العدالة والتنمية وفترة عملية التسوية كل ما كانو يتمنوه، كيف يمكننا إقناعهم بالحرب والتفرقة؟
بالطبع عن طريق الدعاية السوداء.....
بالطبع يمكن اعتبار ذلك قضية أخلاقية كبيرة، وبالتأكيد فإن لذلك مقابلا في المنشآت الستالينية.
ففي النظم اللينينية والستالينية الغاية تتبرر الوسيلة، وبناء عليه يمكن تقييم الأخلاق في ضوء النتيجة التي سيتم التوصل إليها من أي فعل، فالوسيلة تصبح مشروعة وإن كانت مخالفة للأخلاق.
فعلى سبيل المثال "إذا كان الهدف إنشاء مجتمع يحافظ على البيئة وخلق محيط لا ترمى فيها مخلفات السجائر على الأرض"فإن العنف والكذب والافتراء يصبح مشروعا في تحقيق ذلك.
نعم وهذا ما حصل بالفعل.
كل ما حصل في الجنوب الشرقي وفي شرق تركيا وكوباني بعد السادس- الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2014 وبعد السابع من حزيران 2015، انقلب على رؤوس الأكراد وعلى الرأي العام بأكمله بفعل دعم الصحافة الداخلية والخارجية للأدوات السياسية الكاذبة التي اتخذها كل من حزبي الشعوب الديمقراطي والعمال الكردستاني كنمط من أجل السيطرة.
هذا الانحطاط الخلقي الأيديولوجي قد يبدو للوهلة الأولى غير منطقي.
فعلى سبيل المثال، اتخاذ الحزب الثالث من حيث نسبة الأصوات، حزب الشعوب الديمقراطي الذي يعتبر امتدادا لحزب العمال الكردستاني، إيران حليفة وصديقة بدلا من تركيا سيساعدنا في فهم هذا الانحطاط الأيديولوجي.
فهذا الحزب يسعى دائما إلى خلق حالة من الفوضى والنزاع الدائمين، مدمرا بذلك حياة الأكراد، أما أمام الرأي العام فلا يقول جملة إلا مستخدما كلمات الأمن والسلام والحرية.
حيث إن حزب العمال الكردستاني بعد الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر في أماكن كثيرة كالجزرة والنصيبين وسيلوبي وغيرها من الأماكن رتب تمردات كثيرة هادفة إلى موت المواطنين هناك.
بالأمس، في مجلس الشعب، قام حزب الشعوب الديموقراطي بالاستعراض وكأن ليس لهم أدنى علاقة بما حصل. ولكنهم نسوا أن المواطنين الأكراد يرون الحقيقة بأكملها. فانتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر هي دليل ذلك.
(عن صحيفة يني شفق)