كشف عدد من الكتاب والمحللين
المصريين أسرارا مثيرة تتعلق بالزيارة المفاجئة والصادمة التي قام بها بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا
تواضروس الثاني، إلى
القدس المحتلة على رأس وفد مكون من 8 من كبار الأساقفة، لحضور وترؤس قداس
الجنازة ليوم السبت، على مطاران القدس والشرق الأوسط، الأنبا إبراهام، الذي توفي صباح الأربعاء، عن عمر يناهز 73 عاما.
وقال هؤلاء الكتاب والمحللون إن هذه الزيارة ما كان لها أن تتم إلا بموافقة رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي شخصيا، يؤيدهم في ذلك أن البابا، والوفد المرافق له، أتموا إجراءات سفرهم من صالة كبار الزوار بمطار القاهرة، علي رحلة طيران "إير سينا" المصرية رقم (054)، المتجهة إلي تل أبيب مباشرة، وذلك بتأشيرة إسرائيلية.
ورجحوا أن البابا تواضروس قرر السفر بنفسه إلى القدس، ليس لشهود مراسم الجنازة فقط، وإنما ليطلع ويتأكد من وثائق الأوقاف والممتلكات القبطية في القدس، ويعاينها بنفسه، خاصة أن إبراشية القدس تعد من أكبر وأغنى إبراشيات الكنيسة المصرية في الخارج.
زيارة بموافقة السيسي
في البداية نقل معتمر أمين، في جريدة "المقال"، عن الصحافة الإسرائيلية أنها احتفت بالزيارة، وقالت إنها لم تكن لتحدث إلا بموافقة السيسي، وأنها أشادت بروح التعاون الأمني ضد الإرهاب بين القاهرة وتل أبيب، وفق قوله.
وأضاف أمين أن الزيارة أيقظت حلم الحج إلى أورشليم مرة أخرى لدى أي شخص مسيحي عادي، وأن الصحافة الإسرائيلية تراهن على هذا الشعور، مشيرا إلى أن أحد سفراء إسرائيل قال إن مسألة منع المسيحيين من زيارة القدس ستكون أصعب بكثير الآن حتى مع استمرار الموقف الرسمي الكنسي الذي يقضي بزيارة القدس يدا بيد مع المسلمين.
ويذكر أن الإحصائيات الأخيرة أشارت إلي سفر ما يقرب من سفر 8 آلاف قبطي للقدس المحتلة في العام الماضي فقط، معارضين بذلك قرار المجمع المقدس بالكنيسة.
للتأكد من وثائق الممتلكات القبطية
من جهته ذهب أحمد السرساوي، في تحليل نشره بصحيفة "أخبار اليوم"، إلى أن بعض المسيحيين المعارضين لسفر البابا يقولون إنه كان من الممكن "تفويت" هذه الفرصة على إسرائيل التي تلقفت الزيارة بسعادة بالغة، بأن يتصرف البابا تواضروس كما فعل البابا شنودة عند وفاة مطران القدس الأسبق عام 1991، وهو الأنبا باسيليوس الذي تم نقله إلى القاهرة في اليوم الثاني مباشرة، وتمت الصلاة عليه برئاسة البابا شنودة، وهو ما كان متوقعا من البابا تواضروس، وكان سيعطي الفرصة لمحبي الأنبا إبراهام لوداعه في القاهرة، وهم بالآلاف.
وأضاف، المثير أن السفير الإسرائيلي بالقاهرة حاييم كورين كان على نفس الطائرة التي سافر عليها البابا متوجها إلى القدس في رحلة "إير سيناء"، الخميس الماضي.
وأكد السرساوي أن استعراض الأسماء الكبيرة التي اصطحبها البابا معه يؤكد أن اختيارهم لم يأت عفويا، فكلها شخصيات كبيرة وتحظي باحترام داخل الكنيسة.
وكشف أنه تم الحجز للوفد في طائرة "إير سيناء" فور علم الكنيسة بوفاة مطران القدس، وكان من المثير أن يتم حجز ثمانية مقاعد على الطائرة برغم أن الكنيسة قد أعلنت عن سفر سبعة من كبار المطارنة والأساقفة والشخصيات العامة، ولم يتم الإعلان عن اسم المسافر "الثامن" إلا في اللحظات الأخيرة لأنه كان البابا شخصيا!.
وأضاف السرساوي أن الموقف نفسه تكرر عند الحجز بالفندق الذي نزل فيه البابا والوفد المرافق، وهو فندق نوتردام ذي الموقع الفريد في وسط مدينة القدس المحتلة، إذ يطل على كل المواقع المقدسة بالمدينة، وأهمها قبة الصخرة والمسجد الأقصي وكنيسة القيامة وكنيسة المهد، مشيرا إلى أن البعض اعترض على الفندق لأنه كان ثكنة عسكرية إسرائيلية في أثناء حرب النكبة عام 1948.
بعض الخبثاء - بحسب السرساوي - أشاعوا أن البابا تواضروس قرر السفر بنفسه في تلك المهمة ليطلع ويتأكد من وثائق الأوقاف والممتلكات القبطية في القدس ويعاينها بنفسه، خاصة أن إبراشية القدس تعد من أكبر وأغنى إبراشيات الكنيسة المصرية في الخارج، وأن بعض المحيطين بالبابا أقنعوه بأهمية قيامه بنفسه بالزيارة على غرار زيارة علي جمعة، مفتي مصر الأسبق، للقدس عام 2012.
ووفق الكاتب سيواجه البابا تواضروس تحديات صعبة عدة عقب عودته من القدس.. أولا كيفية إقناع الأقباط في مصر بعدم زيارة المدينة التي توجه إليها البابا، وهو القرار الذي كان سابقه البابا شنودة مستمسكا به بصلابة شديدة، والتحدي الآخر اختيار المطران الجديد الذي سيحل مكان الأنبا إبراهام نظرا لأهمية وخطورة المهمة التي يقوم بها هناك، أما التحدي الأكبر فهو توقيت الزيارة الذي يأتي في ظروف ملتهبة تمر بها المنطقة، وتتعرض فيه القدس لمخطط صهيوني عنيف لمحاولة تهويد المدينة المقدسة، وطرد أهلها المقدسيين من مسلمين ومسيحيين على السواء، إضافة لما تمثله الزيارة من دعم معنوي كبير لدولة الكيان، حسب قوله.
البابا في القدس.. عملية تصنيع جديدة لـ"البطريرك"
وتحت هذا العنوان كتب رئيس تحرير جريدة "البوابة" محمد الباز قائلا إنه كان يمكن لرأس الكنيسة المصرية أن يريح نفسه، ويكتفي بإرسال وفد من معاونيه للصلاة على أسقف القدس، لكن "يبدو أن هذه كانت الفكرة الأولى التي اعتمدها بعد معرفته بوفاته، ثم بعد ساعات قليلة عادت الكنيسة لتعلن رسميا أن البابا سوف يسافر بنفسه".
وملمحا إلى وقوف السيسي وراء مضي البابا في زيارته، تابع الباز أن الساعات القليلة التي فصلت بين القرارين جرت فيها مياه كثيرة، وأنه من المهم أن تعلن الكنيسة ما جرى فيها، متسائلا: "هل تراجَع البابا عن فكرته الأولى من تلقاء نفسه، أم أن اتصالات سياسية سيادية حسمت الموقف، وجعلته يشد الرحال إلى القدس بنفسه، وإذا كانت هذه الاتصالات جرت بالفعل - وهو أمر ليس مستبعدا بالمرة - فما طبيعتها؟ وهل كانت نصيحة أم أمرا؟ أم مجرد نقاش تبادلت فيه وجهات النظر، وتم الاستقرار في النهاية على أن يسافر؟!.
وكشف الباز أن البابا حصل على تأشيرة إسرائيلية استثنائية للزيارة، هي الأغلى سياسيا في تاريخ العلاقات بين مصر وإسرائيل، مؤكدا أنه كان هناك التزام شبه كامل بقرار عدم زيارة القدس تحت الاحتلال، من قبل البابا شنودة، وأنه لم تغلبه أبدا أشواقه الدينية أو تجبره اتصالات سيادية أو ابتزازات عاطفية على أن يتزحزح عن قراره ذلك خطوة واحدة، بحسب قوله.
وأورد الباز ملاحظات عدة "لابد أن يشتبك البابا معها بعد أن يعود من زيارته، أولها أن أقباطا كثيرين يرون أن البطريرك بحكم منصبه غير ملزم بالصلاة على كل أسقف يتنيح، بدليل أن الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط وشيخ المطارنة، عندما تنَيَّحَ لم يذهب الأنبا تواضروس إلى أسيوط للصلاة عليه، مع أن أسيوط أقرب، وعليه فكان يمكن للبابا أن يرسل مندوبا عنه للصلاة على الأنبا إبراهام".
وأشار الباز إلى أن أقباطا كثيرين يشككون في ما ذهب إليه البابا من أن ما جرى منه فى القدس لم يكن زيارة على الإطلاق، لأن المهمة لو كانت للصلاة، وتقديم واجب العزاء، لسافر البابا يوم السبت، وهو يوم المراسيم الجنائزية للأنبا إبراهام، إذن ما الداعي لأن يسافر قبلها بيومين؟ وماذا فعل البابا في اليومين؟.