هل هي صدفة أن حصلت ضربات إرهابية في
لبنان ضد مربع
حزب الله وفي الوقت الذي ما زال
العالم يتكهن حول سقوط الطائرة الروسية في سيناء؟ في الوقت ذاته يقوم ضابط أردني بقتل مدربين أمريكيين في الأردن، ومع تفاعل أحداث
الإرهاب، تشهد
باريس ضربات إرهابية غير مسبوقة أوقعت المئات بين قتيل وجريح.
هذا يحدث في الوقت الذي يعيش العالم حالة من الحذر والاستنفار تحسبا لما يمكن أن يقع من أعمال إرهابية. هناك تأهب عالمي لمواجهة الإرهاب وكل الدول تتحدث عن خطر الإرهاب وتمدد الإرهابيين، وانتشارهم في مناطق عدة على المستوى العالمي، وبالرغم من ذلك تحصل اختراقات متزامنة تقريبا وتنجح عمليات الإرهاب في إزهاق النفوس وإشاعة الرعب في صفوف المدنيين.
لماذا ينجح الإرهابيون بكل هذه السهولة في الوصول إلى أهدافهم؟ طبعا أنا لا أملك إجابة، لكنني أستطيع أن ألقي أضواء أو أفتح مسارات للتفكير بالأمر.
تم ضرب الأمريكيين في الأردن، وضرب الروس في مصر وفرنسا في باريس. ثلاث دول عظمى وأعضاء دائمين في مجلس الأمن يطالها الإرهاب، فهل هناك معلم واحد يوجه الضربات الإرهابية وربما يكون على صلة بأجهزة أمنية محترفة لها معرفة بظروف متنوعة يمكن أن تكون خصبة للإرهابيين؟ بل هل من الممكن أن الدول العظمى تتعامل مع الإرهابيين وبالتالي يمكن أن تتنافس فيما بينها على إدارة الإرهاب والإرهابيين؟ ربما تريد الدول العظمى أن توصل رسائل قوية لمنافسيها بأنها تمسك بزمام الإرهاب، ويمكن أن تسلطه على من ينافسها.
وربما لهذه الدول أو بعضها صلات مع داعش وتحرك الخيوط وقت ما تشاء. على الأقل، واضح أن الولايات المتحدة وقفت مع داعش، ولم يكن تحالفها ناجحا في ضرباته الجوية على داعش، وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج ما زالوا يزودون داعش بالمال والسلاح، وقد اعترف اليابانيون أن سياراتهم وصلت لداعش بتمويل من دولة خليجية.
فهل من الممكن أن تجرؤ دولة خليجية على إمداد داعش دون إذن أمريكي بخاصة أن أمريكا تدعي أنها تقوم بحرب جوية على التنظيم. أما فرنسا فكانت دولة داعمة للإرهاب في سوريا، وكانت متشددة جدا حيال الحوار السياسي بين السوريين، وتفاءل رؤساء فرنسا بسقوط النظام السوري خلال فترة قصيرة. وبالرغم من ذلك تقوم داعش بضرب باريس التي يمكن استمالتها دائما للوقوف ضد الأسد.
فهل لداعش ثأر مع فرنسا، أم من الممكن أن أحدا أو جهة ما قد حركت داعش باتجاه فرنسا لخلط الأوراق على الساحة الدولة فيما يتعلق بالأزمة السورية؟ وهل من الممكن أن تكون المخابرات السورية قد تمكنت من تجنيد داعشيين ووجهتهم بالطريقة التي رأتها مناسبة؟ بل من الممكن أيضا أن تكون دولة عظمى قد دبرت الأمر بطريقة حرفية واستطاعت أن توجه الضربات التي يمكن أن تفيد سياستها الخارجية ودون أن تكون داعش على دراية من أمرها؟
من الناحية السياسية، المفروض أن تحاول داعش تخفيض عدد الأعداء على الأقل في المرحلة الراهنة، والعمل على كسب مؤيدين، لكنها بهذه الأعمال التي تتبناها إنما تعمل على مواجهة العالم بأسره. فهل من المفترض أن يكون الإرهاب غبيا إلى هذه الدرجة؟ علما أن كل ما جرى من أعمال إرهابية يصب في النهاية في مصلحة النظام السوري والمتحالفين معه. وإذا كان الأمر كذلك، هل تمكن حلفاء النظام من إدارة بعض تفكير وممارسات داعش وتم توجيه التنظيم نحو أعمال تقنع العالم أن الوقوف ضد النظام السوري يشكل وقوفا مع الإرهابيين.
روسيا معنية بإقناع العالم بضرورة البحث عن حل سلمي للأزمة السورية عبر الحوار، والهجمات الإرهابية تشكل أفضل وسيلة لإقناع العالم بضرورة تأييد هذا الحوار.
الأوراق مختلطة تماما ومن الصعب الوصول إلى استنتاج قاطع ومانع لأن ما يجري يتم في غرف المخابرات المغلقة وفي سرية تامة.
لكننا نستطيع القول بأن ما يجري لا يمكن تفسيره عبر التقارير الإعلامية ولا التحليل السياسي، وسيتطلب فهم ما يجري فترة طويلة من الزمن وبعد ما تتكشف بعض الخيوط. ومن الصعب جدا أن نأخذ إعلانات داعش عن تبني العمليات مأخذ الجد القاطع لأن داعش نفسه يمكن ألا يكون على دراية في كيفية توجيه بعض عناصره أو قياداته بصورة غير مباشرة للقيام بأعمال تخدم جهات مؤثرة على الساحة الدولية. إنها لعبة أجهزة مخابرات محترفة ولا تتقلص إلى مستوى أداء داعش الاستخباري المليء بالخروقات والثغرات.