أين ترعرعت ودرست
تاشفين مالك، التي نفذت مع زوجها سيد رضوان فاروق هجوما في سان برنانيدنو في
كاليفورنيا الأسبوع الماضي، وقتلا 14 شخصا؟ وكيف تغيرت طالبة الصيدلة في جامعة
باكستانية؟
أسئلة لا تزال تحير المحققين الأمريكيين، الذين كشفوا يوم أمس عن أنها وزوجها قاما بالتدرب على الرماية قبل الهجوم بأيام. ولكن أصدقاء مالك يقولون إن علامات التدين بدأت بالظهور عليها عندما كانت طالبة في الجامعة، حيث كانت تتردد على حلقات الدرس أكثر من اهتمامها بدراسة الصيدلة. وكانت تاشفين قد ترددت على
مدارس الهدى في عام 2013.
وتقول صحيفة "لوس أنجليس تايمز" في تقرير أعده شانشك بنغالي وعون صاحي، إن سلسلة مدارس الهدى أنشأتها سيدة اسمها فرحات هاشمي، وهي في الخمسينات من عمرها، وهي عالمة تجمع، كما يقول الكاتبان، ما بين النصائح حول أساليب التغذية وتربية الأطفال، وبين التذكير بالسلوك الحسن واتباع التعاليم الدينية.
ويشير التقرير إلى أن هاشمي أسست لهذا الغرض سلسلة من المدارس الدينية التي ترددت على دروسها بنات الحواضر والمنتميات للطبقة المتوسطة العليا من المجتمع الباكستاني المحافظ. وتظهر هاشمي، التي انتشرت على "يوتيوب" و"آي تيون"، وهي تلقي محاضرات في قاعات دراسة تحتشد بالطالبات المنتبهات لما تقول، ويسجلن ملاحظات حول موضوع المحاضرة. وتنتشر مدارس الهدى في 70 محافظة باكستانية، بما فيها ولاية ملتان، التي درست فيها ولعدة شهور من عام 2013 تاشفين مالك.
ويذكر الكاتبان أن المحققين، الذين بحثوا في شقة سيد رضوان فاروق، زوج تاشفين، كشفوا في الأسبوع الماضي عن طبيعة المواد الدينية التي تلقتها. فمدارس الهدى الخاصة، التي تعمل خارج الرقابة الحكومية، عبارة عن مدارس قرآنية تهتم بالتعليم الديني، وفي الغالب قد تم توجيه اتهامات لها بزرع بذور التشدد بين الشابات.
وتستدرك الصحيفة بأن المسؤولين الباكستانيين والخبراء يقولون إنه ولأول مرة يتم ربط المدارس بهجوم
إرهابي. وتقول مسؤولة في المدارس إنها "لا تدعم الإرهاب".
وينقل التقرير عن خبراء قولهم إن المدارس تدعم الوجهة المعادية للغرب والممارسات المتشددة، بما فيها الفصل بين الجنسين، وفرض الحجاب، وهو ما قد يدفع البعض للهجوم على غير المسلمين.
وينقل الكاتبان عن الباحثة فايرة مشتاق، التي أعدت رسالتها للدكتوراه عن مدارس الهدى، قولها: "ما يجري في فصول مدرسة الهدى هو تدريس بنات المدن المتعلمات اللاتي ينتمين للطبقة المتوسطة العليا تفسيرا محافظا للإسلام، وهو ما يدفعهن للحكم على من هم حولهن، أي أن من واجبهن الخروج وإصلاح الناس، وإعادتهم إلى الإسلام الصحيح".
وتضيف مشتاق: "لم يحدث شيء في فصول الدراسة يمكن أن يفسر أفعال هذه المرأة (مالك)، ولكنها قد تدفع الأشخاص للعنف". وقتلت مالك وزوجها في عملية تبادل إطلاق النار مع الشرطة بعد الهجوم على المؤسسة غير الربحية "إنلاند ريجونال سينتر" في سان برناندينو.
وكانت "لوس أنجلوس تايمز" قد ذكرت يوم الأحد أن مالك، التي ولدت لعائلة ميسورة في البنجاب، قد ترددت على مدارس الهدى عندما كانت طالبة جامعية في ولاية ملتان. وأكدت يوم الاثنين سيدة، قدمت نفسها على أنها مسؤولة في مدارس الهدى، أن مالك تسجلت في دبلوما مدتها عامان للدراسات الإسلامية، ولكنها تركت الدراسة بعد أشهر، ولم تحصل على الشهادة.
ويورد التقرير نقلا عن المسؤولة قولها: "لم تعد لنا صلة بها بعد ذلك". ونقلت "أسوشيتد برس" عن المتحدثة باسم المدارس فروخ تشاودري، قولها إن مالك قضت وقتا أطول كونها طالبة، في الفترة ما بين 17 نيسان/ أبريل – 3 أيار/ مايو 2014، حيث قدمت آخر بحث لها.
ويذكر الكاتبان أن بيانا على موقع مديرة المدرسة هاشمي، أكد أن مالك تركت مدرسة الهدى قبل إكمالها الدراسة. وجاء في البيان: "يبدو أنها لم تكن قادرة على فهم الرسالة الجميلة للقرآن". وأضاف البيان أن المدرسة تشجب "التطرف وأفعال الإرهاب كلها"، وقال البيان إن المسلمين الذين يفهمون دينهم بشكل صحيح لا يرتكبون أبدا هذه الأفعال؛ لأنهم "سينالون غضب الله، ويعيثون في الأرض الفساد". وأكد البيان أنه "لا يمكننا تحمل مسؤولية أفعال شخصية لأي من طالباتنا".
وتقول الصحيفة إن مدارس الهدى ظهرت قبل عقد، وجذبت حصص الصلاة والقرآن فيها آلاف الطالبات في كبرى المدن الباكستانية. مشيرة إلى أنه على خلاف المدارس الدينية، التي كانت تدرس أبناء العائلات ذات الدخل المحدود، ومعظمهم من الأولاد، فقد أصبحت مدارس الهدى تقدم خدماتها التعليمية لزوجات رجال الأعمال والضباط العسكريين المتعلمات تعليما جيدا. وهي مدارس تدار بشكل كامل من النساء.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هاشمي كانت ناشطة في الفرع النسائي للجماعة الإسلامية الباكستانية، قبل أن تغادر إلى بريطانيا لإتمام دراستها العليا، وحصولها على شهادة الدكتوراة من جامعة غلاسكو. وأنشأت أول فرع من مدارس الهدى عام 1994، وبعدها افتتحت فروعا في كراتشي ولاهور.
ويبين الكاتبان أن هاشمي قدمت نفسها على أنها ناشطة نسوية، ولكنها دعت المرأة إلى طاعة زوجها، وتقول إن الرجل يمكنه الزواج من أكثر من امرأة. موضحين أن ما ساعدها على نشر رسالتها وانتشار مدارسها تبرع الطالبات الثريات والداعمين لمشروعها، وهو ما ساعد المدرسة على تقديم خدماتها التعليمية بأسعار رخيصة، إن لم تكن مجانية. وفي الوقت ذاته، فقد فتحت فروعا في الأحياء الغنية، واستخدمت التكنولوجيا الحديثة في التعليم، التي ضمت التطبيقات المتوفرة على الإنترنت كلها.
ويورد التقرير نقلا عن خبراء قولهم إن المدارس أسهمت في التخفيف من رتابة الحياة لربات البيوت، فيما جعلت المدارس الخاصة بالنساء وذات الرسالة الدينية الخالصة المرأة مقبولة اجتماعيا.
وتقدر مشتاق أن عدد النساء اللاتي تخرجن من مدارس الهدى بحلول عام 2010، تجاوز الـ 15 ألف طالبة، فيما تابعت بعض النساء الحصص الدراسية عبر الإنترنت، أو عن طريق المحاضرات دون التسجيل رسميا في المدارس.
وتنوه الصحيفة إلى أن لدى مدارس الهدى عددا آخر من حلقات الدراسة النسوية في باكستان، ولديها تأثير واضح على الحياة الحضرية. وهناك الكثير من النساء في إسلام أباد وغيرها من المدن الباكستانية ممن أصبحن يرتدين الحجاب. وعبرت عن هذه الموجة باتجاه التدين مالك، التي تقول عائلتها إنها كانت "فتاة متحضرة" ونشأت في السعودية، وأصبحت أكثر محافظة عندما عادت إلى باكستان عام 2007؛ لإكمال دراستها الجامعية هناك.
وينقل الكاتبان عن الباحثة المقيمة في لاهور روبينا سايغول، التي أجرت أبحاثا حول مدارس الهدى وتلك التي تشبهها، قولها إن هذه المدارس "منحت المرأة حسا بالانتماء"، رغم أن المواد التي درست فيها ليست تقدمية. وتضيف: "مهمة هذه المدارس تلقين رسالة أبوية ومحافظة جدا؛ كيف تكونين زوجة مطيعة، وكيف تتصرف المرأة المسلمة الجيدة". وتتابع سايغول: "لم تكن تلك (الرسالة) تقوي المرأة، باستثناء أنها منحتها مخرجا شرعيا للخروج من البيت، والشعور بأنها جزء من المجتمع الأوسع، وعبر النشاط الديني، وليس عبر حفلات الشاي والقهوة".
ويجد التقرير أن مقرر المدرسة التعليمي يبدو أنه يروج لنظريات المؤامرة ضد أمريكا والغرب. وتقول سايغول إن الطالبات اللاتي قابلتهن قبل سنوات رفضن تصديق قيام حركة طالبان بقصف مدارس البنات أو الأهداف المدنية الأخرى، وتحدثن عن قوة ظل أخرى، مثل المخابرات الأمريكية أو الهندية أو الروسية.
وتضيف: "مع أنه لم يكن هناك تعليم يدعو إلى العنف المباشر، فقد كان هناك شعور بأن الإسلام يتعرض لحالة حصار عالمي، فالعراق يهاجم، وأفغانستان تهاجم، والكراهية للإسلام تتزايد". وتتابع قائلة: "ببساطة كانت الرسالة أن أمريكا هي مصدر المشكلات".
وبحسب الصحيفة، فقد غادرت هاشمي باكستان قبل عقد من الزمان، وتعيش بعيدا عن الأضواء في كندا، حيث تدير مكتب مدارس الهدى من بلدة ميساسوغا القريبة من مدينة تورنتو. ولدى المدرسة مكاتب في الهند وبريطانيا وهيرست وتكساس.
ويفيد الكاتبان بأنه رغم أن هاشمي لم تدع إلى العنف مباشرة، إلا أنها تبنت تفسيرا للدين لا يتسامح مع الآخر، بحسب البروفيسورة صدف أحمد في جامعة لاهور للعلوم الإدارية، التي قالت إنه "ومن خلال هذا السياق، يتحول الاعتقاد إلى ملمح خطير ومضر للآخرين".
وتختم "لوس أنجلوس تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المدرسة تؤكد أنه ليس لديها ما تخفيه، وأنها مستعدة للتعاون مع الشرطة وغيرها من مؤسسات الأمن في البلاد، مع أنه لم يتم الاتصال بها.