ما زال الخلاف بين جناحي
الرئاسة والمخابرات في
الجزائر، الذي تطور في الأشهر الأخيرة، بعد إقالة رئيس جهاز الاستخبارات محمد مدين، يلقي بظلاله على مسار الأحداث السياسية والإعلامية في البلاد.
ورأى المحلل السياسي الجزائري المختص بالشؤون الأمنية فيصل مطاوي في حديث لـ"قدس برس"، أن الخلاف بين جناحي الرئاسة والمخابرات، يزداد سوءا، لكنه دعا إلى عدم المبالغة في ذلك.
وأضاف: "النظام الجزائري متكتم ومنغلق على خلافاته، ولذلك نجد صعوبة في التأكد من صحة المعلومات بشأن الصراع الدائر بين مكوناته. لكن من المؤكد أن التناقض بين الجناحين التقليديين (
المخابرات والرئاسة) موجود، ودليله الاعتقالات لعدد من الجنرالات وإقالة الجنرال محمد مدين (التوفيق)"، مشيرا إلى أن الخطير في الأمر، هو دخول قيادة الأركان ممثلة في نائب وزير الدفاع قايد صالح ضمن دائرة الصراع، بإيعاز من محيط الرئاسة.
وقال: "من الواضح جدا أن محيط الرئاسة يملك دعما من فرنسا، التي زار رؤساؤها من شيراك إلى هولاند مرورا بساركوزي، الجزائر في عهد بوتفليقة، وللأسف فهذه العلاقات مرتبطة بمقابل اقتصادي لفرنسا".
ورأى مطاوي أن "جناحي الصراع في النظام الجزائري، المخابرات والرئاسة، يعملان على الاستقواء بالخارج واستخدام ورقة الحرب على الإرهاب لتقوية نفوذهما في الجزائر"، كما قال.
وفي لندن أكد الدبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت، العضو المؤسس في حركة "رشاد" الجزائرية المعارضة، أن "الصراع بين جناحي الحكم في الجزائر بلغ أشده، وأنه الآن بلغ مرحلة تنذر بتصادم حساس سيكون له ما بعده في الجزائر".
وأشار زيتوت في تصريحات لـ"قدس برس"، إلى أن جناح الرئاسة والأركان مستمر في تفكيك جهاز الاستخبارات، وقال إن "الرئاسة الجزائرية مدعومة من قيادة الأركان ماضية في تفكيك جهاز الاستخبارات بيد أحد خريجي هذه المدرسة اللواء عثمان طرطاق، الذي خلف اللواء التوفيق في إدارة المخابرات".
وأضاف: "لقد تم تفكيك هذا الجسم إلى ثلاثة أجزاء، واحد تم تحويله إلى قسم الشرطة والدرك، ومهمته متابعة الملفات الاقتصادية ومراقبة المعارضين والنشطاء والصحافة والأحزاب، وجزء تابع لقائد الأركان، تحت اسم مؤسسة المديرية المركزية لوقاية أمن الجيش، وتم إعطاؤه ملف مكافحة الإرهاب، والقسم الثالث خاص بالرئاسة التي تحتفظ بالأمن الداخلي والخارجي".
ورأى زيتوت، أن العلاقة بين جناحي الحكم في الجزائر، بلغت حدا من العداوة غير مسبوق، قائلا: "لقد كانت رسالة القائد السابق لجهاز الاستخبارات الجزائرية الجنرال محمد مدين، التي رفض فيها الاتهامات الموجهة للقائد السابق لقسم مكافحة الإرهاب الجنرال عبد القادر آيت عرابي المدعو (حسان)، ونفي اتهامه بتشكيل جماعات مسلحة واستخدام السلاح خارج إطار القانون، إعلانا صريحا عن حدة هذا الخلاف".
وأضاف أن "حجم هذا الصراع وحدته سيحددها مصير الجنرال حسان وعدد آخر من مسؤولي وكبار ضباط المخابرات الذين تم اعتقالهم وطردهم في الأسابيع الأخيرة بشكل متسارع، كما أنه سيحددها الموقف من الجنرال التوفيق نفسه، الذي تتحدث أنباء عن أنه تحت الإقامة الجبرية، ولا تستبعد أن يتم اعتقاله".
وتابع بأن "رسالة التوفيق الأخيرة كانت موجهة لأنصاره في مختلف المواقع، وهم كثر، من أنه لم يستسلم، وأن هذه ربما بداية لمحاولة تنظيم رد الفعل".
وأشار زيتوت إلى أن جناح المخابرات يتعرض لتصفية تجري بموافقة غربية، وقال إنه "من الواضح أن جناح المخابرات، الذي يشرف على تفكيكه الجنرال طرطاق، يأتي بموافقة غربية، فرنسية أمريكية على وجه الخصوص، غضبت بشدة من طريقة تعامل المخابرات مع رهائن بعين أميناس جنوب الجزائر عام 2013، والتي راح ضحيتها قرابة 40 شخصا أغلبهم غربيون"، على حد تعبيره.
ويتحدث مراقبون للشأن السياسي في الجزائر عن أن أطرافا في السلطة قد تكون بصدد استدراج القائد السابق لجهاز الاستخبارات الجنرال التوفيق، تمهيدا لتقديمه كآخر قربان في معركة كسر العظم في سرايا الحكم في الجزائر.
وكان الرئيس الجزائري
عبد العزيز بوتفليقة قد أحال في 13 من أيلول/ سبتمبر، مدير المخابرات الفريق محمد مدين، إلى التقاعد، بعد ربع قرن من وجوده على رأس الجهاز.