قال الرئيس التركي طيب
أردوغان الجمعة إن لجوء
العراق لمجلس الأمن الدولي للشكوى من وجود قوات تركية على أراضيه خطوة غير صادقة.
وأضاف أردوغان في مقابلة مع قناة الجزيرة الفضائية "بإمكانهم (العراق) أن يلجأوا إلى مجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة وهذا حقهم الطبيعي، لكن هذه ليست خطوة صادقة".
وأضاف قوله: "نحن نؤمن بأن خطوات السلطة العراقية تترافق مع آخر التطورات في المنطقة أي مع خطوات
روسيا وإيران، وأنا مؤمن بأن مجلس الأمن في الأمم المتحدة يعرف أن هذه الخطوة غير صادقة، وسيصدر قرار من مجلس الأمن بهذا الاتجاه".
وتريد بغداد من مجلس الأمن أن يأمر
تركيا بسحب قواتها من معسكر بالقرب من مدينة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.
وقال الرئيس التركي إن "محاربة الإرهاب تأخذ عدة أبعاد، بري وجوي وتدريبي، وجنودنا يقومون بعملية تدريب قوات البيشمركة التي تقوم بأعمال قتالية على الأرض، فيما تتولى قوات التحالف الدولي تنفيذ مهام جوية".
وأضاف: "نعارض تماما السياسات المذهبية بكل أشكالها، وأعتقد أن الذين ينتهجون سياسات مذهبية معروفون من الجميع، وللأسف هم إيران والعراق، ونأسف لأننا نشاهد تعاونا بين إيران والعراق بناء على سياسات مذهبية، وإن هذا التعاون نفسه القائم مع سوريا".
وأشار أردوغان إلى "أن إقليم شمال العراق وقسما كبيرا من العرب في المنطقة قد هضمت حقوقهم، ونرى أن العراق لا يوجد فيه نظام عادل، ما يجعل قسما كبيرا من الشعب العراقي يشعر بالقلق".
وقال: "ننظر إلى جميع فئات الشعب العراقي على أنهم إخوة لنا، وهنالك 300 ألف عراقي يعيشون إما على أراضينا أو في المخيمات، ونقوم بتلبية احتياجاتهم من الغذاء والملبس والعلاج، نحن من يسهر على راحة هؤلاء الـ 300 ألف إنسان وليس الآخرون، وإن كانوا لا يرون ذلك فهذا يسمى حجودا".
وأفاد أردوغان: "لا نستطيع إنكار وجود تعاون روسي إيراني عراقي، يتم تنسيقه بمركز في بغداد، والجميع يعلم بأن السنة يتعرضون للتهميش في العراق، والتطورات الأخيرة التي جرت هناك ارتكزت إلى رؤية مذهبية".
وأضاف الرئيس التركي أن "التطورات الجارية في العراق وانتقالها إلى دول أخرى كسوريا، أدى إلى أن تدفع المنطقة والعالم الإسلامي كله ثمن السياسات المذهبية التي تزعج العراقيين والدول المجاورة، بما في ذلك تركيا".
الطائرة الروسية و"التحرش" بالأتراك
وعن الطائرة الحربية الروسية التي أسقطت وفقا لقواعد الاشتباك بعد انتهاكها المجال الجوي التركي، قال أردوغان: "لم يكن هناك تنسيق مع واشنطن فيما يخص مسألة إسقاط المقاتلة الروسية، ولكننا أبلغناها بعد إسقاط الطائرة استنادا إلى قواعد الاشتباك".
وأضاف: "تتخذ روسيا من وجود داعش في سوريا ذريعة للدخول إلى المنطقة، إلا أنها لم تقم بتنفيذ عملية عسكرية جادة ضد داعش في سوريا، بل ركزت على قصف مناطق يعيش فيها التركمان، وتلك المناطق ليس فيها عناصر داعش".
وتابع أردوغان: "أظهرنا للعالم بالوثائق والخرائط قيام روسيا باستهداف المناطق التي لا يوجد فيها عناصر من داعش، ووجدنا بأن تلك الخرائط والمعطيات تتطابق مع الموجودة لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
ونوّه الرئيس التركي أن "الوثائق التي تثبت انتهاك المقاتلة الروسية لمجالنا الجوي موثقة من راداراتنا، وقد أرسلنا عشرة تحذيرات للطائرة خلال 5 دقائق فقط، ورغم كل التحذيرات لم تغادر مجالنا الجوي، فقامت مقاتلاتنا بإسقاطها، وقام الناتو بتزويدنا بوثائق تؤكد المعطيات الموجودة بين أيدينا حول إسقاط المقاتلة".
وأضاف: "علينا أن نعرف بأن الانتهاك الذي وقع من المقاتلات الروسية لا يعد الأول من نوعه، فقد وقعت انتهاكات مماثلة في منطقة البحر الأسود وأخرى على الحدود مع سوريا، ونقلنا قلقنا للقيادة الروسية في قمة مجموعة العشرين (التي عقدت في أنطاليا التركية)"، مؤكدا أن "تركيا لم تكن أبدا مصدرا للتوترات ولا تريد أن تكون، إلا أن روسيا تصر على التصعيد".
وأردف قائلا: "تحرشت روسيا بسفننا في البحر الأبيض في الفترة التي تم فيها إسقاط الطائرة الروسية، وقمنا بتحذيرهم فأوقفوا التحرش، والجميع رأى قبل يومين حمل جندي روسي قاذفة صواريخ على متن سفينة تعبر مضيق البوسفور، وهذا يعد انتهاكا لاتفاقية مونترو، وإن ردود الأفعال تلك لا تعدو كونها ردود أفعال عاطفية وطفولية".
وقال أردوغان: "نضع جميع الأفعال التي تقوم روسيا بها جانبا، ونتابع مجريات هذه الفترة بصبر، وأعتقد بأن ردود الأفعال الروسية هي عبارة عن ردود أفعال عاطفية صادرة عن بوتين، ومن الأفضل أن يتم التعامل وفق الأعراف الدبلوماسية واحترام القانون الدولي".
وحول الطيار الروسي الذي قتل بعد إسقاط الطائرة، قال: "أحضرنا جثته ونقلناها إلى المستشفى العسكري، وأجرينا الإجراءات اللازمة والمراسم الدينية، واقترحنا على الروس إرسال الجثة بطائرة تركية إلا انهم رفضوا، فسلمناهم الجثة بناء على طلبهم، بعد أن نظمنا وداعا عسكريا لها يتناسب مع ذوقنا وشيمنا".
وأكد أردوغان أن "أي اعتداء يستهدف تركيا هو اعتداء على دول الناتو، لأننا عضو في الحلف، ونقف دائما إلى جانب إيجاد حلول دبلوماسية وهو ما تعمل عليه حكومتنا".
لا علاقة مع "داعش"
ونفى الرئيس التركي أن يكون هناك أي تعاون بين تركيا وتنظيم الدولة، "فتركيا ألحقت بداعش خسائر فادحة، وقامت قوات التحالف بشن عمليات جوية ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش انطلاقا من تركيا، إضافة إلى العمليات البرية التي شنتها قوات الجيش السوري الحر، وكل ذلك حدث نتيجة التعاون التركي".
وكشف أن "تركيا اعتقلت من 1500 إلى 1600 من المشتبهين بعلاقتهم مع داعش، ورحلناهم إلى بلدانهم، كما منعنا دخول 26 ألف شخص إلى بلدنا، وهنا يجب علينا طرح السؤال التالي، هل البلدان التي تعد مصدرا للأشخاص الذين يذهبون للقتال مع داعش في المنطقة قد قامت بفعل أي شيء بهذا الخصوص؟".
وأشار أردوغان إلى أن قوات الأمن التركية " ضبطت خلال عام 2014، 79 مليون ليتر من النفط المهرب، وتم إتلافها من وزارة الجمارك والتجارة التركية ضمن الإجراءات الرسمية". مؤكدا أن "تركيا تحصل على نفطها من روسيا وإيران وأذربيجان ونيجيريا، وتلك المصادر معروفة لدى الجميع، ولم نأخذ أي نفط من داعش".
وأكد الرئيس التركي أن "الذين يقومون بشراء النفط من داعش معروفون، الأول جورج حسواني الذي يحمل الجنسيتين الروسية والسورية، ويقوم ببيع النفط الذي يشتريه من داعش للنظام السوري، ويؤمن بذلك مصادر مالية لداعش، كما يبيع النفط لدول مختلفة حول العالم".
وأضاف: "يعلم الجميع أيضا أن رئيس اتحاد لعبة الشطرنج العالمي الروسي، يشتري النفط من داعش ويسوقه إلى دول مختلفة حول العالم، وعلمنا بأنه استقال مؤخرا من رئاسة الاتحاد، وبعد فشل هذه الألاعيب لجأوا إلى تلفيق تهم ومزاعم بحق أفراد من أسرتي".
وأشار أردوغان أنه طالب "بوتين بضرورة إثبات الادعاءات التي تم توجيهها لشخصي فيما يتعلق بداعش، وقلت لبوتين إني سأترك منصبي في حال ثبتت تلك الادعاءات، فهل ستقوم أنت أيضا بالأمر نفسه في حال ثبت العكس". مردفا: "لدينا وثائق صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية ونعلم جيدا كل شخص بماذا يتاجر".
وقال أردوغان "نشتري سنويا 29 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا، و10 مليارات متر مكعب من إيران، وكل ذلك رسمي ومعلن، وأعجب كيف يقوم بوتين بتوجيه تلك الافتراءات إلينا مع أنه كان يتحدث بلغة مختلفة تماما عندما كنا نجلس ونتبادل أطراف الحديث"، مضيفا أن "روسيا تعمل كما كان يعمل الشيوعيون قديما، والطينة التي لا تعلق على الحائط تترك أثرا".
ولفت إلى أن تركيا "الدولة الوحيدة التي رفضت فرض عقوبات على روسيا، وخاصة المتعلقة بالمنتجات الغذائية، وكنا نقول لاصدقائنا الغربيين إن روسيا شريك استراتيجي لنا، ولا نستطيع أن نفرض عقوبات من هذا النوع على شريكنا الاستراتيجي، وواصلنا تقديم جميع المواد الغذائية لهم"، مردفا "لا يظن أحد أننا لا نستطيع فتح أسواق جديدة، خاصة أننا تمكنا من الوصول إلى أسواق كان يصعب الوصول إليها، حتى في فترة الأزمة الاقتصادية عام 2007، إلى جانب تلقينا طلبات عديدة من الدول العربية".
المنطقة الآمنة ومشكلة اللاجئين
وبخصوص المنطقة الآمنة التي تدعو تركيا لإنشائها شمالي سوريا، قال الرئيس التركي إن تلك المنطقة "ليست مسألة خاصة بتركيا وحدها، فهناك خطوات مشتركة يجب اتخاذها خاصة مع قوات التحالف، في حال كنا ضد الإرهاب، فإن المنظمات الإرهابية ليست داعش والنصرة فقط، وإنما "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وبي كا كا، منظمات إرهابية أيضا، ولابد من استهدافها جميعا، وفي حال حدوث ذلك سيكون من الضروري تحديد منطقة في شمال سوريا، لتكون خالية من الإرهاب، ويمكن عندها بناء مساكن في تلك المنطقة ليقطن بها السوريون النازحون من مناطق أخرى داخل سوريا، أو أولئك الموجودون حاليا في تركيا، ويتم توفير جميع احتياجاتهم بها، كما تُعلن منطقة حظر جوي فيها، بحيث يتم ضمان أمن هؤلاء السوريين، وتسكينهم في بلادهم".
وأضاف أردوغان: "لايمكن لأي من أصدقائنا الأوروبيين، الذين التقيناهم قبل أو بعد قمة العشرين، أن يرفض هذا المشروع، لأن الحل لا يأتي بالكلام وإنما لابد من حل واقعي".
وردا على سؤال حول موقف واشنطن من المنطقة الآمنة، قال أردوغان: "في لقائنا الأخير بباريس وصلنا لنقطة إيجابية، وستنظم لقاءات بين وحداتنا العسكرية والمسؤولين العسكريين الأمريكان، كما تستمر اللقاءات بين تركيا والسعودية وقطر، لتقييم الخطوات التي سيتم اتخاذها".
وردًا على سؤال حول ما إذا كانت النقطة التي وصلت إليها تركيا مع الاتحاد الأوروبي بخصوص اللاجئين مطمئنة، قال أردوغان: "إلى متى سنقوم برعاية 2.5 مليون أو 3 ملايين لاجئ، لقد قمنا برعايتهم وفقا لسياسة الباب المفتوح حتى الآن، إلا أنه في الوقت الراهن، الذي يحمل فيه الغرب هم 100 أو 200 ألف لاجئ سيأتون إليه، لم نتلق أي عرض واقعي سوى من كندا، حيث قال لنا رئيس الوزراء الكندي إن بإمكاننا إرسال 25 ألف لاجئ من هنا إليهم".
وأوضح أن "الغرب يقول فلنتقاسم التكلفة، لكن كيف؟ إما أن تشاركونا فيما نقوم بإنفاقه، لا أريد إضافة أموال إلى ميزانيتي، وإنما أريد دعما لإخوتنا السوريين هناك، هؤلاء بشر قبل أي شيء. فلنقم ببناء مساكن في المنطقة الخالية من الإرهاب، لتسكين إخوتنا فيها، وبهذا تتخلصون من مشكلة تدفق اللاجئين".
وأردف: "عندما يستمعون لهذا يقولون جميعا "ما تقوله صحيح، لابد من فعل هذا"، ولكن لا يتم اتخاذ الخطوات المطلوبة. إلا أنه عند النظر إلى التطورات الأخيرة، نجد بعض الأمور الإيجابية. أشعر بالقلق من أنه في حال لم يكن هناك تفاعل مع الخطوات التي نتخذها، ستستمر مشكلة اللاجئين".
ولدى سؤاله عن حدوث تغير في الموقف الأوروبي، حيث بدأ البعض وعلى رأسهم باريس في القول بإمكانية بقاء الأسد، قال أردوغان: "هذه أخبار جرائد، لم أسمع حتى اليوم كلاما بهذا الخصوص من أي من القادة الذين التقيت بهم. لا يمكن أبدا حل الأزمة السورية مع وجود الأسد. نحن نعمل على إيجاد حل دونه. واجتماع فيينا يعمل في هذا الإطار".
وعند استدراك المذيعة بالقول إن هناك تصريحات من بعض المسؤولين الفرنسيين بخصوص ذلك، ومنهم وزير الخارجية الذي قال إن الأولوية الآن لمحاربة تنظيم الدولة وليس لرحيل الأسد، وبالتالي فإن العواصم الغربية الآن تركز على داعش، قال أردوغان: "هذا خطأ كبير، الأسد هو أهم داعم لداعش، وبقاء الأسد مرتبط بداعش، فطالما بقيت داعش بقي الأسد، لا يمكن التفكير في أحدهما دون الآخر، وبالتالي فأنا أعتقد أن هذه أخبار جرائد لا تستند على مصادر جادة".
وعن علاقات تركيا مع الدول العربية، قال الرئيس التركي إن "علاقاتنا مع الدول العربية بشكل عام في وضع جيد جدا، ونتمنى أن تتطور على ذلك النحو. وفيما يتعلق بالعلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، تستمر بعض اللقاءات على مستوى منخفض، ولا توجد أي مشكلة مع شعب الإمارات، إلا أنه لابد أن نكون حساسين للغاية بخصوص الجمل التي نستخدمها بعضنا مع بعض. ومن الضروري البحث عن أسباب التباعد الذي حدث فجأة (بين تركيا والإمارات)".
وأضاف: "كانت علاقاتنا، حتى الأمس القريب، قوية جدا مع السلطات الإماراتية. وبصفتي رئيسا لتركيا أقول إنه لابد من إزالة هذه الأسباب في أسرع وقت ممكن. هناك سبب واحد (للتباعد)، وهو الأحداث في مصر، إلا أنه يجب حل ذلك بالطرق الدبلوماسية، وليس بحديث بعضنا ضد بعض".
صلاحيات الرئيس الدستورية
وحول نظام الحكم في تركيا قال أردوغان: "صلاحيات رئيس الجمهورية محددة في الدستور التركي. ليس بإمكاني أن أتجاوز الصلاحيات التي يخولها لي الدستور. إلا أن البعض يشعر بالإنزعاج لأنني أستخدم صلاحياتي الدستورية. أنا لست رئيسا يجلس إلى مكتبه ويكتفي بتوقيع الأوراق التي ترده، أنا أستخدم جميع صلاحياتي وهذا ما فعلته إلى الآن".
وتابع: "لست رئيسا تم اختياره من البرلمان، وإنما رئيس انتخب بأصوات الشعب، وبالتالي (يلتزم أمام الشعب) باستخدام صلاحياته. والشعب راض جدا وسعيد بذلك. ليس هناك أبدا أي تدخل في أعمال الحكومة، على العكس أبذل جهدي للعمل بانسجام مع الحكومة".
ولدى سؤال المذيعة عما إذا كان الانسجام بين رئيس الجمهورية والحكومة كان سيتحقق لو كانت الحكومة من حزب آخر، قال أردوغان: "بالطبع أنا لم أمر بشيء كهذا، ولكن في حال حدوث ذلك لم أكن لأصعّب من عمل الحكومة وإنما كنت سأعمل على تسهيل أعمالها، وكنت سأمنحها كل الدعم الذي تطلبه مني، لأن هذا البلد بلدي، وهذا الشعب شعبي".