كتب إيتيان محجوبيان: سيناريو هذه المسرحية من كتابة وتطبيق كل من إيران والولايات المتحدة وروسيا، هم من أهم الممثلين في لعبة الشرق الأوسط الجديدة، ولا ننسى أيضا أن تركيا تكافح جاهدة لوضع وزنها في تلك اللعبة.
أول مشهد في هذه المسرحية يعكس منطق (تعظيم الربح). بدأ كل من الربيع العربي، والحركات المجتمعية بمحاولة إبراز ديمقراطيته، وأدى ذلك إلى اهتزاز أنظمة الوصاية.
وفي الوقت ذاته، وبشكل عام كان من الضروري وضع نظام أكثر شمولية ووضوح مما هو عليه الآن؛ إذا افترضنا وجود دولة واحدة تستطيع أن توفر ذلك الشيء، فلن نجد أفضل من تركيا؛ لأنها الدولة الوريثة للحكم العثماني؛ ووجود حزب مثل حزب التنمية والعدالة في تركيا من شأنه أن يساهم في إنشاء طبقة متوسطة فردية، هذه الطبقة الفردية الذهنية العلمانية التي تمثل المحافظين الجدد.
سياسة شرق أوسطية جديدة
في الواقع، هناك الكثير من دول الشرق الأوسط تحاول أن تأخذ تركيا نموذجا مثاليا وتسعى إلى تقليدها؛ فمن الواضح جدا أن مجتمعات الشرق الأوسط ترى أن المجتمع التركي هو نموذج جيد؛ ولهذا السبب قرّر حزب العدالة والتنمية الشروع في الخطة الثانية، التي تتمثل في إنتاج سياسة شرق أوسطية..
كما أنه عمل أيضا على تحمل مسؤولية الشعوب الأخرى ووضعها على عاتقه، وهذا ما أتاح له فرصة قيادة المجتمعات لفترة طويلة في هذا المجال.
بغض النظر عن ما يقال، فإن تركيا هي دولة غير ناجحة، فهذا بحد ذاته يثبت قوتها، لكن من الواضح أيضا أنها لم تحقق النجاح المرجو منها، لهذا السبب لا تجد أيا من المجتمعات التي توجد في الشرق الأوسط تذهب إليها بقصد المبادرة بأحلامها، فتركيا تمتلك قدرة كافية للحصول على القوة اللازمة، فعندما تحوّل الربيع العربي إلى شتاء، وبنيت أنظمة حكم جديدة يحكمها العسكر، وأصبحت الأجواء السائدة في بلدان الشرق الأوسط تعبّر عن حالة الحرب، بقيت تركيا، التي وإن حصلت على نصيبها من كل هذا، بقيت تحافظ على ميزتها الرئيسية المتمثّلة بقوتها الناعمة.
كان حزب العمال في سوريا يحاول إيجاد استراتيجية جديدة للتوسّع، وبالرغم من ذلك كانت العلاقات بين حزب العمال و تركيا جيدة، ولكن حينما وجد حزب العمال فرصة لاستغلال تركيا، عمّت الفوضى وانتشرت حالة من العصيان في تركيا، ما أدى بها إلى التخلي لفترة عن الحل الذي توصّلت إليه مع الأكراد وهو ما أدخل تركيا في حالة حرب جديدة مع الحزب..
والمختصر من هذا الكلام أن هذه التطورات جعلت تركيا تنتقل إلى الفصل الثاني المتمثّل (بتخفيض الخطر)، إذ كان من الضروري وضع حد للخطر المتّجه نحو سوريا، الذي من شأنه أن يؤدي إلى القضاء على المعارضين للنظام السوري، وبالتالي هيمنة حكم الأسد من جديد.
كان من الضروري منع تطبيق هذا، لكن في البداية يجب العمل على إيقاف تدفق اللاجئين السوريين وحماية الحدود وهذا يمكن حلّه سلميّا فقط، بالإضافة إلى أنه يجب علينا العمل على قطع الطريق أمام حزب العمال الكردستاني الذي يعمل على إفساد استقرار تركيا والعمل على إبقاء داعش بعيدة عن المناطق التركية.
موقع تركيا في مسرحية الشرق الأوسط
أدى هذا الضغط إلى وضع حزب العدالة والتنمية في وضعية الدفاع، فعدم التهور في مثل هذا الحال قد يمنع البلاد من التعرّض للخطر. لم تنفّذ أي خطة بدون علم قوى التحالف الدولي التي كان ينتظر منها الصبر، ومع ذلك لم تكن تنوي التقدم نحو الاتجاه السليم وإنما كانت تطمح إلى التقدم إلى الأمام أكثر.
عندما تبين أن إيران والأسد لا ينويان القضاء على تنظيم الدولة، قرّرت أمريكا التدخل بما أنها العدو الأول لتنظيم الدولة، ولم يقتصر الأمر على أمريكا فحسب، بل تدخلت روسيا أيضا التي كانت لها أهداف معروفة وغير سرية، وهذا يعني أن لتركيا الفصل الثالث..
في دنيا الخوف والأحلام، الذي يكسب هو القوي دائما، لا يجب أن ننسى أن تركيا في الشرق الأوسط قد لعبت دورا مهما جدا، فهي ذات أهداف ومبادئ، وحدود الشراكة والعمل لديها محددة، وأسس العمل الجديدة لديها تقوم على الدفاع وحماية مناطقها، لكن يجب على تركيا العمل على تقوية قوتها من خلال العمل على بناء علاقات جديدة في المنطقة والعمل على زيادة تواجدها بين بلدان العالم حتى ولو بشكل محدود. إذ تبيّن أن الواقع قد ضمن لتركيا مدخلا أوسط داخل هذه المسرحية.
(عن صحيفة "أكشام" التركية، مترجم خصيصا لـ"عربي21"، 17 كانون الأول/ ديسمبر 2015)