مقالات مختارة

الأزمة بلا دبلوماسيين ولا وسطاء

1300x600
هذه أسوأ مرحلة مواجهة بين السعودية وإيران في ثلاثين عاما، ولهذا جاءت مواقف دول متضامنة مثل الإمارات والبحرين والسودان بإغلاق وخفض بعثاتها الدبلوماسية مع إيران، تحمل معاني مهمة للرياض. فطهران تلجأ لاستخدام العنف والبلطجة ضد الحكومات التي تختلف معها والرياض ترد بثقلها السياسي وعلاقاتها الدولية.

وفي الوقت الذي كان فيه دخان السفارة السعودية المحروقة في طهران لا يزال يتصاعد، فإن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عبر عن استغرابه من السعوديين سحب بعثتهم وإغلاق المبنى المحروق! وقال كأنه متحدث لدولة إسكندنافية مسالمة، لا يوجد ما يبرر التصرف السعودي، مع أن إحراق السفارة السعودية جرى أمام أعين الشرطة الإيرانية التي اكتفت بالتفرج.

حسنا فعلت السعودية بإغلاق سفارتها، وإعادة دبلوماسييها، لأن السلطات الإيرانية في كل أزمة اعتادت على استهداف أولا السفراء والبعثات الدبلوماسية، وتاريخها الأسوأ بين دول العالم. وللسعوديين ذكرى سيئة معها، فقبل أربع سنوات اغتال أحد رجال إيران دبلوماسيا سعوديا في كراتشي، ولا تزال باكستان تطالب بتسليمه. ودبرت تفجيرا بقنبلة في السفارة السعودية في بيروت. وسبق أن ضبط الأمن الأميركي مؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي حينها في واشنطن، وزير الخارجية الحالي عادل الجبير، وقد أدين المتهم وأرسل للسجن. كما تعرض السفير السعودي السابق لدى لبنان عبد العزيز خوجة لتهديدات اضطرت إلى عودته. وسبق أن قتل «المتظاهرون» موظفا سعوديا في السفارة في إيران برميه من الدور الثالث، وجرى الاعتداء على دبلوماسي سعودي آخر وفقأوا عينه.

في الأزمات الخطيرة ليس هناك أهم من الدبلوماسيين، لكن السلطات الإيرانية لم تترك فرصة للسفراء للعمل. فإحراق السفارة السعودية في طهران قام به في الحقيقة موظفون يتبعون لإحدى الأجهزة الأمنية، مدعين أنهم متظاهرون. ودعوى أنهم متظاهرون لا يصدقها أحد، لأنها تكررت مرات. ففي كل مرة تختلف إيران مع دولة تقوم بمحاصرة سفارتها بالمظاهرات ورميها بالحجارة وكذلك اقتحامها والاعتداء على الموظفين ونهب الممتلكات.

مع هذا، هناك تخمينات متعددة حول سبب إحراق السفارة، فهل كان هذه المرة عملا انتقاميا ضد السعودية، بعد إعدام الداعية المتطرف نمر النمر، أم أنه موجه ضد الرئيس الإيراني حسن روحاني، ضمن صراع مراكز السلطة القديم، أو لإفساد مساعي التواصل بين الرياض وطهران حول سوريا؟ في إيران سلطة الرئيس دائما محكومة بالتنازع، مما يجعل الحكومات دائما متشككة من أي وعود رسمية تأتي من هناك. وقد سبق أن قيل للسعوديين، في أزمات ماضية، إن عليهم أن يتفهموا ظروف صناعة القرار لديهم، لكن إلى متى؟

اليوم، بسبب حرق السفارة، وسحب أعضاء بعثتي البلدين، سُدت سبل الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وغابت الدول الوسيطة، مثل تركيا التي انحدرت علاقتها هي الأخرى مع إيران إلى أردأ أيامها. في هذا الفراغ سيكبر الخلاف السعودي الإيراني، الكبير أصلا، وستتوتر المنطقة الملتهبة أكثر.

إيران تحول الخلاف والصراع الجيوسياسي وكذلك الإنتاج البترولي إلى قضية بعنوان الدفاع عن الشيعة. في الحقيقة لم يعد لإيران علاقات جيدة في العالم الإسلامي، بعد أن كانت لديها تكتلات تساندها. فمعظم الدول الإسلامية أصبحت مقاطعة لها، أو منزعجة منها، وآخرها إندونيسيا والسودان. كما فقدت حلفاءها من الدول العربية الأخرى التي استثمرت فيهم لسنوات، منذ تدخلها العسكري في سوريا وتورطها في الحرب القذرة، وهي شريكة في قتل مئات الآلاف من السوريين.

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية