إذا صحت الأخبار المنشورة في
بريطانيا قبل أيام، فإن
الحرب "الدولية" الرابعة على
الإرهاب ستكون في
ليبيا، ويجري الاستعداد لها لكي تنطلق مع بدايات العام الحالي. فوفقًا لما نشرته صحيفة "الديلي ميرور" البريطانية هذا الأسبوع، فإن طلائع من القوات الخاصة البريطانية موجودة في ليبيا للتجهيز لوصول ألف جندي بريطاني ضمن قوة مقترحة قوامها 6 آلاف عسكري من دول أوروبية، وبشكل خاص من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، إضافة إلى أميركا، لمحاربة "
داعش" قبل أن يتمدد ويصبح خطرًا جديًا على مقربة من سواحل أوروبا الجنوبية.
المشاورات بشأن هذه العملية العسكرية تجري منذ فترة وما تزال مستمرة على ما يبدو، في الوقت الذي يتزايد فيه نشاط "داعش" في مناطق الساحل الليبي بعد سيطرته على سرت ومحاولاته السيطرة على "المثلث النفطي". فتنظيم "الدولة الإسلامية" المزعومة يريد استنساخ تجربته في العراق، حيث سيطر على مناطق نفطية درت عليه ملايين الدولارات التي استخدمها لتمويل عملياته وجذب المقاتلين إلى صفوفه. لذلك صعد التنظيم هجماته على المواقع النفطية، التي كان آخرها قبل أيام، حيث هاجم مقاتلوه ميناء السدرة، أحد أكبر الموانئ النفطية الليبية، كما سيطروا لبعض الوقت على رأس لانوف، قبل أن ينسحبوا بعد معارك عنيفة مع حرس المنشآت النفطية تدخل فيها طيران الجيش الليبي.
في كل حروب الإرهاب السابقة جاء التدخل الدولي متأخرًا وبعد أن نما الخطر الإرهابي إلى أن وصل تهديده إلى الغرب. حدث هذا مع حرب الإرهاب الأولى في أفغانستان، ثم في العراق، وأخيرًا في سوريا، فهل يتكرر في ليبيا أم أن هناك محاولات لتلافي الأمر قبل أن يستفحل الخطر ويكبر بحيث تصعب السيطرة عليه وتصبح مكلفة ومعقدة؟
الواضح أن الوضع الليبي وإن بقي بعيدًا عن الأضواء بسبب الانشغال بالعراق وسوريا، إلا أنه ظل يتفاقم في ظل الفوضى الضاربة منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وغياب حكومة مركزية قوية بسبب الصراع المحتدم على السلطة الذي جعل البلد موحدًا بالاسم فقط، بينما يعيش في الواقع مفككًا بين مناطق سيطرة الميليشيات أو القبائل أو المجموعات المتطرفة، وفي ظل صراع المصالح الخارجية. هذه هي البيئة المثالية لتنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة" تبحث عن ملاذات، وعن أراض ترفع عليها راياتها، وتستقطب إليها مقاتليها. الإغراء الليبي لتنظيمات التطرف يكبر إذا وضعنا في الاعتبار توفر السلاح المتطور الذي نهب بكميات كبيرة من مخازن كتائب القذافي بعد سقوط النظام ومقتل العقيد، ووجود النفط بكميات وفيرة في بلد مترامي الأطراف، ذي طبيعة صعبة، وحدود برية وبحرية واسعة يسهل التهريب عبرها. الدول والاستخبارات الغربية سعت لسحب ونقل بعض الأسلحة المتطورة بعد سقوط نظام القذافي لمنع وقوعها في أيدي التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، لكن هذا لم يمنع وقوع كميات منها في أيدي الميليشيات والمهربين وتنظيمات التطرف والإرهاب. وإذا صدقت بعض التقارير المتداولة فإن الإرهابيين والمتطرفين حصلوا بالفعل على كمية من غاز السارين، ومن الصواريخ المتطورة التي قد يكون من بينها صواريخ أرض - جو.
من هذا المنظور فإن الوضع الليبي أخطر على أوروبا والغرب حتى وإنْ بقيت الحرب على "داعش" متركزة الآن في العراق وسوريا. الخطر تعاظم أيضًا بسبب تدفق المهاجرين على أوروبا بأعداد هائلة انطلاقًا من السواحل الليبية، وبوتيرة هزت دول الاتحاد الأوروبي وجعلتها تتخذ بعض الإجراءات الاستثنائية، ومن بينها زيادة الدوريات البحرية لمراقبة مياه البحر الأبيض المتوسط، واتخاذ قرار بملاحقة المهربين وتدمير قواربهم. فالخطر لم يكن اقتصاديًا واجتماعيا فحسب، وإن كان لهذه الاعتبارات أهميتها للحكومات الأوروبية، بل كان أمنيًا أيضًا في ظل تقارير أجهزة الاستخبارات الغربية التي حذرت من استغلال تنظيمات الإرهاب لموجات الهجرة غير الشرعية لإدخال عناصر تقوم بعمليات إرهابية. الهجمات الإرهابية على فرنسا وما رافقها من استنفار أمني شمل أوروبا كلها، ثم الإعلان عن إحباط مخططات إرهابية أخرى كانت تستهدف دولاً أخرى، ربما كانت من أسباب تسارع التخطيط للحرب "الرابعة" على الإرهاب.
هل الخطر على أوروبا وحدها؟
بالتأكيد لا. مصر مهددة بشكل كبير من خطر "داعش" و"القاعدة" في ليبيا، لأن تمددهما فيها سيعني وضعها بين فكي كماشة إرهابية طرفها الغربي في ليبيا والشرقي في سيناء، حيث أعلن الإرهابيون هناك مبايعتهم لأبي بكر البغدادي وانضمامهم لدولته الإسلامية المزعومة. تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا عانت كلها بدرجات متفاوتة من الإرهاب وستكون مهددة أيضًا، لأن في "داعش" وفي "القاعدة" قيادات وعناصر مغاربية تريد نقل المعركة إلى هناك. بعض التقارير تحدثت عن أن "داعش" بعد تكثيف الهجمات والضربات على مواقعه وقياداته في سوريا والعراق، بدأ ينشط بالفعل لنقل قيادته ومقاتليه إلى ليبيا التي تدل كل الشواهد على أنها ستصبح عما قريب مسرحًا لحرب الإرهاب الرابعة.
(عن صحيفة الشرق الأوسط ـ 7 كانون الثاني/ يناير 2016)