نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حوارا مطولا مع الباحث والخبير الأمريكي ديفيد بولوك، تحدث فيه حول آخر نتائج استطلاع الرأي في الشرق الأوسط، وعن تأثير رؤية الشارع العربي على عدة قضايا أهمها إيران والنظام السوري وحزب الله.
ويعلق بولوك، على نتائج الاستطلاع التي تشير إلى وجود نسبة عالية من "وجهات النظر السلبية" تجاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد بين الشعوب العربية، بقوله إن هذا الأمر "يسهّل هذا الأمر على العديد من الحكومات العربية تقديم بعض الدعم السياسي والعملي للمعارضة السورية والعمل مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول المعادية للأسد في هذا السياق. كما أنه يساعد على عزل نظام الأسد في معظم أنحاء المنطقة".
لكن بولوك يستدرك ويؤكد أنه "لا يعني أن أي حكومة عربية، على الأقل حتى الآن، على استعداد للتدخل المباشر في سوريا ضد هذا النظام. فالرأي العام لا يدعم بشكل عام هذا النوع من التدخل، وعلى أي حال فإن هذه الحكومات ليست عبارة عن ديمقراطيات حقيقية من شأنها أن تواجه ضغوطا كافية من أجل اتباع الرأي العام، حتى ولو أرادت شعوبها هذا النوع من التغيير في السياسة".
وحول تأثير تفجيرات باريس التي حدثت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على الوضع في سوريا ومحاربة تنظيم الدولة، يرى بولوك أن "بعض الناس يعتبرون أن بإمكان الأسد أن يكون هو وقواته جزءا من التحالف المناهض لتنظيم الدولة، أو على الأقل يجب أن تكون محاربة تنظيم داعش أولوية أكثر أهمية من الإطاحة بنظام الأسد"، وهو الرأي الراجح على حد قوله.
إيران
وحول الموقف الشعبي العربي من إيران، يقول بولوك، إن "المواقف العربية الشعبية السلبية بشكل عام تجاه إيران، هي في الواقع ملفتة للغاية في الوقت الحالي. أنا أفسر ذلك بأنه يعكس مزيجا من المنافسة الجيوسياسية، ولكن أيضا الطائفية والعرقية، في سوريا واليمن والبحرين وفي المنطقة كلها".
ويضيف بولوك أن "التوقعات السائدة تعتبر أن هذه العلاقات لن تتحسن في المستقبل المنظور. وبالتالي، فإن المعنى الضمني العملي لذلك هو أن معظم الحكومات العربية يمكنها أن تشعر بالراحة تجاه مقاومة الضغوط أو الوعود الإيرانية والعمل على تعزيز دفاعاتها العسكرية والأمنية الداخلية ضد العدوان أو التخريب الإيراني".
"ولكن الدول العربية لا تزال تفهم أنه يجب عليها أن تتعلم كيف تعيش مع جارها الإيراني القوي. أعتقد أنها ستحاول جاهدة تجنب إثارة مواجهة مباشرة مع طهران"، يقول بولوك.
وقال إنه "عندما يتعلق الأمر بالاتفاق النووي مع إيران، أشرتَ بصورة صحيحة إلى أن وجهات النظر الشعبية العربية أكثر تباينا. وأعتقد أن ذلك يرجع إلى كون عدد قليل من العرب يعتقدون بأنه حتى إذا بقيت إيران عدائية، فإن الاتفاق النووي يؤجل على الأقل تهديدا خطيرا للغاية يمكن أن تطرحه البلاد، أي القنبلة النووية".
وتابع: "لكن ما قد لا يفهموه هو أن رفع الصفقة للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران سيجعلها أغنى وأقوى، وعلى الأرجح أكثر خطورة، حتى من دون السلاح النووي".
روسيا وحزب الله
وحول الآثار المترتبة على آراء الجمهور السلبية جدا تجاه روسيا و"حزب الله"، يقولو بولوك إن روسيا لا تهتم كثيرا بالرأي العام العربي، الذي هو في الغالب سلبي تجاه حزب الله لعدة أسباب.
أول هذه الأسباب، "تنصب أولوية روسيا في الوقت الحالي على دعم نظام الأسد، ومن الضروري أن يكون حزب الله جزءا من ذلك بالمعنى العسكري البحت.
وثاني هذه الأسباب، هو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدرك أنه يُعتبر الآن لاعبا هاما حتى من وجهة نظر الحكومات العربية التي لا تحبذ سياساته، بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي تشكل مثالا رئيسيا على ذلك.
ثالثا، إن بعض الحكومات العربية الرئيسية، خاصة العراق، بل أظن مصر أيضا، تفضل الأسد في الواقع على تنظيم الدولة أو جماعة الإخوان المسلمين، لذا لا تعارض هذه الدول السياسة الروسية في سوريا. لكل هذه الأسباب، أخلص إلى القول إن موسكو على الجانب الرابح أكثر من الخاسر من خلال الانضمام إلى قتال حزب الله لدعم نظام الأسد.
"الإخوان المسلمون"
ويشير بولوك إلى أنه من النتائج الهامة الأكثر إثارة للدهشة في هذه الاستطلاعات هي أن جماعة الإخوان المسلمين لا تزال تتمتع بمستوى كبير جدا من التعاطف الشعبي في عدة دول عربية مهمة، وحتى حيث هي غير قانونية رسميا، كما هو الحال في مصر (أو الإمارات العربية المتحدة في استطلاع للرأي أُجري العام الماضي). ليس هناك شك أنها لا تحظى بدعم الأغلبية، بل بتأييد حوالي 25 إلى 35 في المائة، لكنها نسبة هائلة برأي بولوك. ويضيف إن ذلك يظهر أن جماعة الإخوان المسلمين ستبقى قوة سرية يجب أخذها بعين الاعتبار لفترة طويلة. ولكن بما أنها تشكل الآن "أقلية صامتة" في معظم الأماكن، لا أعتقد أنها ستستعيد دورا سياسيا بارزا أو ستهدد ثانية بقاء أي نظام عربي جديد في أي وقت قريب.
ويعتقد بولوك أن الحكومة السعودية متناقضة بشأن جماعة الإخوان المسلمين اليوم، ومنقسمة بين التزاماتها الإسلامية والداخلية وتلك المعادية لإيران، فضلا عن أولويات السياسة الخارجية، لا سيما دعم الرئيس السيسي في مصر. ويتوقع بولوك أن السعوديين سيحاولون كالمعتاد الحد من خسارتهم، وربما حتى التوسط في تقارب بين جماعة الإخوان المسلمين والسيسي. إلا أن ذلك مستحيل حسب ما أعتقد. لذلك يبقى خيار المملكة العربية السعودية اتباع سياسة تدعم الجماعات الإسلامية مثل "الإخوان" في سوريا، ولكن ربما ليس في أي مكان آخر. وهي تدرك، كما تظهر هذه الاستطلاعات، أن "الإخوان" يتمتعون بدعم حقيقي بين مختلف الجماهير السنية. مع ذلك فإنها تدرك أيضا أن "الجماعة" تشكل في النهاية تهديدا للنظام السياسي القائم، بما في ذلك نظامها الخاص.