كتبت هبة صالح في صحيفة "فايننشال تايمز" عن حالة عدم الارتياح في الشارع
الجزائري؛ لاستمرار غياب الرئيس الجزائري عبد العزيز
بوتفليقة المريض عن الأنظار.
وتقول الصحيفة إن الجزائر تواجه أزمة محلية غير معروفة الآثار، وانهيارا في موارد النفط، وتوترا في المنطقة، ما يهدد بالاستقرار الذي قاتل من أجله الجزائريون بقوة. وأضيف إلى هذه الحزمة من الهموم، استمرار غياب الرئيس بوتفليقة، والقلق حول قدرته على الحكم، وإن كان لا يزال الرجل الذي يصدر الأوامر أم لا.
ويشير التقرير إلى أن الرئيس، البالغ من العمر 78 عاما، لم يظهر في العلن إلا نادرا، بعد إصابته بجلطتين دماغيتين في السنوات الأخيرة.
وتنقل الكاتبة عن محرر موقع "تي أس إي" (كل شيء عن الجزائر) لونيس غموش قوله: "لا أحد يدخل على الرئيس الآن غير شقيقه سعيد ومدير مكتبه أحمد أويحيى، ولا يعرف الجزائريون إن كان يعرف ما يجري في البلد، وإن كانت الأخبار تصله".
وتلفت الصحيفة إلى أن غياب الرئيس الجزائري يأتي في وقت تواجه فيه البلد أزمة
اقتصادية عميقة، فقد نقصت موارد الدولة من تصدير
الطاقة، التي تعد المصدر الرئيسي للموارد، إلى النصف في عام 2015، لحوالي 34 مليار دولار، وتتوقع الحكومة تراجعا جديدا إلى 26.4 مليار دولار في عام 2016.
ويذكر التقرير أن الجزائر تجنبت الفوضى التي أصابت بقية الدول العربية منذ
الربيع العربي عام 2011، من خلال شراء ولاء سكانها البالغ عددهم 39 مليون نسمة، حيث زادت من النفقات على القطاع العام، وزادت الدعم للمواد الأساسية، ورواتب الموظفين والسكن. وأجبرت الحكومة هذا العام على تخفيض النفقات العامة بنسبة 9%؛ بسبب تراجع أسعار النفط، وزادت من أسعار الطاقة.
وتستدرك صالح بأن الجزائريين ليست لديهم رغبة بالتغيير الاجتماعي، بعدما مروا به من فترة حرب أهلية، استمرت عشرة أعوام في نهاية القرن الماضي، مشيرة إلى أن حركة احتجاج صغيرة في عام 2011، لم تنجح؛ بسبب الذكريات المحزنة التي خلفتها الحرب، ولا يزال السكان قلقين من الانزلاق في دوامة عنف جديدة.
ويقول غموش للصحيفة: "هنا يحتج الناس حول موضوعات محلية، ولكن لا أحد يعرف إن كانت ستتوسع أم لا"، ويضيف: "ما هو مؤكد أننا نعيش مرحلة خطيرة".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن ما زاد القلق هو المحاولة الفاشلة التي قامت بها مجموعة من حلفاء الرئيس بوتفليقة، بينهم وزراء سابقون وقادة في حرب التحرير، لزيارة الرئيس، وهو ما زاد القلق حول صحة الرئيس، ومن يقود البلد.
وتورد الكاتبة أن المجموعة نشرت رسالة في الصحافة، واشتكت مما رأته "استبدال شكل مواز وغامض وغير قانوني وغير شرعي" للحكم الحالي، في إشارة إلى الشكوك التي تحوم حول قيام حاشية الرئيس بالحكم باسمه.
وتنقل الصحيفة عن المحلل السياسي ياسين تملالي، قوله: "ليست النخبة وحدها هي القلقة، فالرأي العام قلق أيضا، فهو يرى تغيرا في الميزانية، لكن الرئيس غائب، وهناك شعور بالقلق بسبب الاضطرابات في كل من ليبيا وتونس".
وبحسب التقرير، فإن بعض المعلقين يخشون من وجود نوع من "الصراع على السلطة" داخل المؤسسة الأمنية ورجال الجيش، الذين يقومون تقليديا بتحريك خيوط السياسة الجزائرية، ويمكنهم التأثير على الدولة. مشيرا إلى أن الرئيس بوتفليقة قد عزل في أيلول/ سبتمبر توفيق مدين، وهو أحد المسؤولين المؤثرين ومدير المخابرات الجزائرية لفترة طويلة. ورأى مراقبون في القرار ذروة الصراع الداخلي من أجل إعادة تشكيل وكالة الاستخبارات الجزائرية، ووضعها تحت سيطرة الموالين للرئيس.
وتجد صالح أن هذا التنازع حول الخلافة سيؤدي إلى صراعات بين الأجنحة داخل المؤسسة الجزائرية، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى العمل بشكل منسجم لمعالجة مشكلات البلد الاقتصادية.
وتورد الصحيفة نقلا عن مديرة وحدة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي دانييلا غريساني، قولها إن الاقتصاد الجزائري يواجه "صدمة خارجية، وقد تستمر لسنوات عدة"، وهذا يحتاج إلى خفض مستمر في النفقات، وإصلاحات واسعة.
وتضيف غريساني أن خطة رفع أسعار الطاقة هي خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح "ولكن البلد بحاجة لخطة شاملة لرفع الدعم، تقتضي زيادة في الأسعار مع مرور الوقت للمستهلكين والتجار".
ويعلق التقرير بأن الجزائر بحاجة إلى تنويع مصادر دخلها، والتوقف عن الاعتماد على الطاقة، كونها مصدرا وحيدا للدخل؛ حتى تتمكن من خلق وظائف جديدة، وتحسين ظروف التجارة، وإحداث نقلات في القطاع الخاص، وتحويله إلى "آلة نمو". مستدركا بأن الكثيرين يشكون فيما إن كانت الدولة تعترف بحجم المشكلة وضخامتها.
وتنقل الكاتبة عن أستاذ العلاقات الدولية رائف موركريترار خروبي، قوله: "لا يزالون يعتقدون أن هبوط الأسعار هو مسألة آنية، وستتم العودة إلى الأسعار العادية كما في السابق"، ويضيف: "تحول النفط إلى مخدرات تقوم بقتل الأعراض كلها، ولكن المرض لا يزال قائما، والمشكلة الحقيقية هي المناخ السيئ المتوفر للمستثمرين المحليين والدوليين".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه يمكن أن ينتهي احتياطي العملة الصعبة لدى الجزائر، الذي وصلت قيمته في نهاية أيلول/ سبتمبر إلى 152 مليار دولار، في عامين أو ثلاثة. ويقول غموش: "المشكلة ليست في اتخاذ قرارات، لكنها في عدم اتخاذ أي قرار".