كان عفيف نزيلا في أحد السجون مشددة الحراسة في إندونيسيا، عندما تحول من أصولي إسلامي طموح إلى جندي في صفوف
تنظيم الدولة، وهو مستعد للتضحية بحياته من أجل جماعة ترابط على بعد آلاف الأميال في الشرق الأوسط.
وانتهت رحلته بمقتله الأسبوع الماضي عند تقاطع مزدحم في وسط جاكرتا بعد هجوم بالأسلحة النارية وعبوة ناسفة استخدمها في عملية انتحارية نفذها مع ثلاثة مسلحين آخرين، وأدخل بها عنف تنظيم الدولة إلى جنوب شرق آسيا للمرة الأولى.
ويسلط تحول عفيف من نزيل في السجن إلى "جهادي"، الضوء على نظام السجون الذي سمح فيه نقص العاملين وازدحام الزنازين والفساد للمتطرفين، بالاختلاط والخروج من السجن بإرادة القتل باسم الإسلام.
ويقول مسؤولون أمنيون إن "عفيف"، المعروف أيضا باسم "سوناكيم"، حكم عليه بالسجن سبع سنوات لمشاركته في معسكر لتدريب المتطرفين في إقليم آتشيه، حيث يشيع مذهب من مذاهب الإسلام أكثر تشددا منه في مناطق أخرى من إندونيسيا.
وقال المسؤولون إنه بمجرد دخوله السجن، فقد رفض اتباع برامج التوعية التي تهدف لإبعاده عن الفكر المتطرف.
وامتنع أكبر هادي، المتحدث باسم وزارة القانون وحقوق الإنسان، عن التعليق على ما إذا كانت أنشطة عفيف خضعت للمراقبة بعد الإفراج عنه في آب/ أغسطس الماضي.
وقالت الشرطة إنه خطط لعملية جاكرتا مع الثلاثة الآخرين وكان أحدهم مسجونا سابقا أيضا، وتوفي أربعة مدنيين في الهجوم إلى جانب المهاجمين الأربعة.
وفي العام الماضي قال تقرير أعده "معهد تحليل سياسات الصراع"، إن 26 سجنا في مختلف أنحاء إندونيسيا تضم بين جدرانها 270 "إرهابيا مدانا"، لكن أنصار تنظيم الدولة لا يمثلون إلا أقلية صغيرة من هذا العدد.
وقال بدر الدين هايتي، رئيس الشرطة الإندونيسية، إن من المعتقد أن خمسة على الأقل من المتطرفين المسجونين كانوا على اتصال بالمتآمرين خلال الإعداد للهجوم.
رسل ورسائل
وقال خبراء إن عفيف كان في الفترة التي قضاها في سجن "سيبينانغ" واحدا من بين نحو 20 مدانا تأثروا بشدة بزميلهم الداعية أمان عبد الرحمن الذي تلهب خطبه مشاعر أتباعه.
ومن وراء القضبان، يتزعم عبد الرحمن شبكة منظمة جامعة تشكلت في العام الماضي، من خلال تحالف جماعات صغيرة تؤيد تنظيم الدولة.
وقال توفيق آندري، المدير التنفيذي لمعهد بناء السلام الدولي، في جاكرتا إن عبد الرحمن وعفيف "أقاموا في الزنازين نفسها، وصلوا معا وطهوا طعامهم معا".
واعتاد عبد الرحمن أن ينشر مذهبه الذي يبرر العنف باعتبار الآخرين من الكفار، من خلال الخطب والمحاضرات.
ونقل عبد الرحمن إلى سجن مشدد الحراسة في نوساكامبانجان بوسط جاوة في عام 2013، لكنه ظل على اتصال بعفيف ومجموعة متنامية يبلغ عدد أفرادها نحو 200 من الأتباع، يستخدمون أشخاصا وهواتف محمولة من أجل التواصل.
وقال محام، يمثل أبا بكر باعشير، وهو سجين آخر من المتشددين في سجن نوساكامبانجان، إن من السهل نقل الرسائل من داخل السجن إلى العالم الخارجي.
وقال المحامي أحمد مشدان، إن "أي زائر يسمح بدخوله، وحتى إذا لم يكن هناك تبادل للهواتف المحمولة فهناك تبادل للمعلومات".
"فيسبوك" و"تويتر"
وقال الخبراء إن النزلاء من أمثال عبد الرحمن ما زالوا ينجحون في توزيع خطب عن طريق البريد الإلكتروني والـ"فيسبوك"، بل والنسخ الورقية، ورغم أن عبد الرحمن يقبع وراء القضبان فقد تمكن من إعلان ولائه عبر الإنترنت لتنظيم الدولة عام 2014.
وقال فرحين، المتشدد السابق الذي شارك في برنامج أدارته الحكومة لإبعاد الإندونيسيين عن الفكر المتطرف خلال الفترة التي أمضاها في السجن في بالو على جزيرة سولاويزي، إن "أصحاب الفكر الأكثر تشددا يمكنهم أيضا إلقاء خطب دينية على أساس منتظم ومن السهل نقل الأفكار المتشددة للآخرين".
وقال سعود عثمان رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في إندونيسيا لـ"رويترز" في تشرين الثاني/ نوفمبر، إن مسؤولي السجن عجزوا عن وقف مثل هذه الاتصالات بسبب مشكلة الازدحام.
وقال المتحدث باسم وزارة القانون وحقوق الإنسان: "نحن على علم بوجود مشكلة بسبب السماح للمدانين بالتواصل باستخدام الإنترنت والهواتف المحمولة. ومن المؤكد أن هناك مجالا لتحقيق تحسن"، مضيفا أنه لا يمكن إرغام النزلاء على الانضمام لبرامج التوعية.
ويقول الخبراء إن سهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل مثل "تليغرام" تمثل جانبا كبيرا من المشكلة.
وتعتقد الشرطة بأن العقل المدبر لهجوم جاكرتا هو إندونيسي يقاتل في صفوف تنظيم الدولة في سوريا، يدعى بحرون نعيم، وأنه استخدم وسائل التواصل الاجتماعي في نقل الأفكار إلى أنصاره في إندونيسيا.
وأضافت الشرطة أنه ربما حول آلاف الدولارات إلى حسابات هنا في إندونيسيا.
ومنذ الهجوم، فقد حجبت إندونيسيا مواقع وأرسلت رسائل إلى شبكات التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"تليغرام"، تطلب فيها منها رفع المحتوى الذي يتضمن أفكارا متطرفة.