في إطار النقاش الفكري والبحث السياسي حول ضرورة تدشين تحالف إسلامي سني (رسمي وشعبي) حول تركيا والسعودية تكون قاعدته الجماهيرية الجماعات والأحزاب القومية والوطنية والإسلامية الوسطية لـ"الإخوان المسلمون والسلفيون" لمواجهة ما يفرضه تحالف (الغرب– إيران– روسيا) ينتقد البعض منهج الإخوان في التعامل مع الخلافات ورؤيتَهم للخصوم وتعاملَهم مع أحكام الشريعة الإسلامية، ويتهم إسقاطاتِهم على الواقع بما هو أقرب إلى ذمهم منه إلى الموضوعية والإنصاف.
في مقالة لأحدهم -وفي سياق ذم الإخوان- اعتبرهم جزءا من صورة الجمود والتخلف والانفصال عن الواقع، وراح يخلط الأمور بشكل عدواني انطباعي ليستخرج حكما شائها هو أقرب للشائعة والحملة الإعلامية منه للموضوعية والعلمية، ووجدته قد سقط مرتين ؛ مرة إذ جعل الإخوان قرينا للتخلف والجمود والتزمت، ومرة إذ تجاهل سلّم الأولويات ورعاية الحالة الطارئة والاضطرارية الحاثّة على هذا التحالف ليذكر بشائعات ويفتري افتراءات.. وأقول:
بداية لا بد من تقرير أن رأس الإسلام هو الذي صار مطلوبا وأن المنطقة والأمة صارت مقبلة على استعمار جديد -غير تقليدي- يغطي مساحة هذا القرن الذي يفترض أنه قرن الإسلام والانتصارات كما وصفه عضو الكونغريس الأمريكي جون مروان في كتابه "الإسلام المعجزة المتجددة".. ولم يعد خافيا أن إيران وروسيا وداعش والميليشيات الطائفية كلها صارت أدوات تُقدّم أو تؤخر حسب الهدف والمستهدف والحال بالصراحة والمباشرة أو بالإنابة، وأن أول المستهدفين هو تركيا والسعودية و"جماعة الإخوان المسلمون"..
وأما رمي "الإخوان المسلمون" بالجمود وعدم الواقعية.. فإن كان المقصود أن لديهم نصوصا حاكمة! فلا إشكال في ذلك إن كانت نصوصهم وفهومهم منضبطة بقواعد اللغة الفصيحة والمقاصد الصريحة؟ إلا أن يكون المطلوب منهم أن يتنازلوا عن إسلاميتهم ووسطيتهم وعن غايات العودة للحياة الإسلامية.. وفي هذه الحالة فإن من يدعو لذلك لا يتنبه للحالة الطارئة والملجئة ولا لخطورة الأعداء ولا لمواجهة هذه الأخطار بتعزيز الموضوعية وتوسيع قاعدة الانطلاق ولا يؤسس لتحالف وإنما لمزيد من أسباب الشك والتباعد والاستبداد.
ومما يجدر أن يوضع في الميزان ونحن نناقش فكرة ضم الإخوان لتحالف استراتيجي تاريخي سني، ومدى واقعيتهم والمساحات المشتركة بينهم وبين غيرهم من المستهدفين هو أن لدى " الإخوان" اجتهادات في تنزيل النصوص على حال الأمة وتوصيف سلم أولوياتها وقد صارت بالتجربة وممارسة التدافع والخبرات المكتسبة مميزات لهم، فلا يجوز إغفالها أو مسخها كشرط للتحالف معهم، بقدر ما أنه لا يجوز تجاهل إمكان الالتقاء بينهم وبين النظم القائمة على تعزيز معاني المواطنة الاستقلال والسلمية في التغيير والتدرج في الإصلاح، والالتقاء مع التيار السلفي في السعي لأسلمة المجتمع وفق التحقيق العلمي بعيدا عن الخرافة والجهل والبدعة، والالتقاء مع حزب التحرير الإسلامي في أهمية الخلافة ثم أستاذية العالم، كما يلتقون مع جماعة الدعوة والتبليغ في ضرورية استعادة قيم العبودية وتزكية النفس..
قد يقال هذه أشتات تلتقي مع الإخوان ولكنها لا تلتقي مع النظم.. فأقول: البحث هنا عن الفوارق المشتتة ولا عن هيمنة طرف مستعل على حلفائه، وإن ميزان المصالح والمفاسد يقضي التنازل عن شيء لما هو أعلى منه.
أو يقال هذا فهم نظري فأين الإخوان من التطبيق العملي للسلمية والوسطية والرضى بالجوامع المشتركة؟ أقول.. لقد رأيناهم يتنازلون لأجل المصلحة في فلسطين عن الحكم الذي وصلوه عبر انتخابات مشهودة، ورأيناهم في تونس يتنازلون عن الحكم لئلا ينفرط العقد، وفي تركيا وبعد ثلاث عشرة سنة من النجاحات الباهرة لم نرهم يقصفون قلما أو يجرّفوا مؤسسات العلمانية التي ناصبتهم العداء المطلق ولا تزال، وفي مصر رأيناهم يحرصون على التفاهم والتقاسم مع الخصوم حتى أطلق عليهم البعض (علمانيون لوصمهم بالعلمانية) ثم ها هم بعدما وقع الانقلاب وعسف بهم لم يتخذوا حتى الآن قرارا بالمواجهة التي يستطيعونها بل يجيدونها لو أرادوا!!
آخر القول: على من يكتب للرأي العام ويتناول حال الأمة وتحدياتها وإمكاناتها أن يعمق نظرته إلى ما تحت السطح وأن ينظر في الزوايا الأربع لتقديراته واستنتاجاته وألا ينطلق من مشكلة شخصية أو فئوية وأن يستحضر المسؤولية الدينية والوطنية والضميرية وهو يصف ويصنف تيارا أو حزبا بحجم الإخوان والتحالف معهم.
(عن صحيفة الشرق القطرية ـ 21 كانون الثاني/ يناير 2016)