كتاب عربي 21

عليَّ الطلاق... ولو سقطت الحكومة!

1300x600
مرة أخرى يشهر السيد عبد الاله بنكيران ورقة "القسم بالله" للزج بها في أتون الصراع السياسي والمجتمعي الذي تشكل حكومته وحزبه طرفا أصيلا فيه. ورقة القسم بالله أشهرت هذه المرة في اتجاه الأساتذة المتدربين الذين يخوضون منذ بداية السنة الدراسية مقاطعة شاملة لمراكز التكوين ومسيرات متتالية بمختلف مدن المملكة، وفي اتجاه وزير داخليته محمد حصاد الذي أعلن داخل الغرفة الأولى للبرلمان أن قرار تفريق تظاهرات الأساتذة المتدربين بالقوة "قرار حكومي" بما يعني أن رئيس الحكومة كان على علم به عكس ما يدعيه. في مواجهة الأساتذة المتدربين، كان القسم إعلان تحد دون وجل أو خوف، وفي مواجهة وزير الداخلية كان إعلان تبرئة ذمة تلاها إقرار بتحمل المسؤولية مخافة إغضاب من بيدهم القرار الفعلي في تدبير أمور البلاد.

عندما أقسم السيد عبد الإله بنكيران أن حكومته لن تتراجع عن المرسومين الوزاريين اللذين أصدرهما وزير التعليم المغربي، دون الحاجة إلى عرضهما على البرلمان للتصديق، ولو كلف الأمر "إسقاط الحكومة"، فإنه أغلق تماما أية نافذة للوساطة أو الحوار بين الطرفين، في وقت لم تندمل فيه جراح الأساتذة المتدربين بعد ما طالهم من التعنيف البدني خلال مسيراتهم ليوم "الخميس الأسود" حين انهالت عليهم هراوات الأمن بدعوى "عدم الحصول على الترخيص" و"وقوف الجماعة إياها وراء تحركات المحتجين" والمقصود جماعة العدل والإحسان. هكذا لم يعد للسياسة معنى ولا لحسن التدبير العمومي موطأ قدم مما ينذر بتصاعد الصراع بين الحكومة وعشرة آلاف أستاذ متدرب متشبثون بإلغاء المرسومين الوزاريين ولو كلفهم الأمر "سنة دراسية بيضاء"، خصوصا مع دعوتهم لتظاهرة وطنية شاملة بالرباط يوم 24 يناير، وهم المنتشون بالدعم الكبير الذي لقوه من مختلف الهيئات السياسية والنقابية والمجتمعية، وأيضا من التخبط الحكومي في تدبير ملفهم المطلبي.

للأساتذة المتدربين مطلبان رئيسيان هما: العدول عن تخفيض منحة التدريب بنسبة النصف (كانت بحدود 250 دولارا تقريبا)، والأهم استعادة مبدأ ربط التكوين بالتوظيف الذي كان مكسبا أزليا في هذه النوعية من المسالك التعليمية. فولوج مراكز تكوين المعلمين والأساتذة يخضع لامتحان كتابي يتبعه اختبار شفوي، لكن الجديد الذي حمله مرسوم الوزير هو ضرورة الخضوع لمباراة أخرى للولوج إلى الوظيفة بالنظر إلى أن المناصب المالية المتوفرة للقطاع لا تشكل إلا 70 بالمائة من عدد الأساتذة الخاضعين للتكوين. والحل المقترح من السيد عبد الإله بنكيران هو دفع الثلاثين بالمائة المتبقية إلى البحث عن عمل بالقطاع الخاص أو الهجرة خارجا أو مواجهة مصير البطالة بعد سنوات من الدراسة الجامعية وبعدها التكوين الموجه في مجالات التدريس، بما يمثله ذلك من إهدار بيِّن للمال العام.

عبد الإله بنكيران المتحجج بالإرادة الملكية" لتفادي الاستجابة للحملة الشعبية المنادية بإلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء المعروفة باسم "جوج فرنك"، لا يجد غضاضة في الإغارة على منحة تكوين "بئيسة" لشباب سيضطلعون بمهمة تكوين وتدريس المغاربة لعقود. هؤلاء شباب من فئة أخرى غير تلك التي يستميت الساسة في الدفاع عن  من معاشات سيحصل عليها بعضهم قبل بلوغ الثلاثين، في سابقة عالمية فريدة. فمع منطق الريع الانتخابي الذي جعل للشباب "كوطة" بالبرلمان، سيجد بعض النواب أنفسهم "متقاعدين" قبل أن يبدأوا حياتهم العملية أصلا، وكذلك الأمر مع وزراء مثل المامون بوهدود، الوزير المنتدب لدى وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي المكلف بالمقاولات الصغرى وإدماج القطاع غير المنظم، المزداد منتصف ثمانينيات القرن الماضي والموعود، كغيره من الوزراء والرلمانيين، بتقاعد مريح بمجرد مغادرة مقر الوزارة أو البرلمان.

لم تكن تلك المرة الأولى التي جنح فيها السيد عبد الإله بنكيران إلى "القسم" مبررا على الاستمرار في "حماية المفسدين"، بل فعل الشيء ذاته بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الجزئية بدائرة مولاي يعقوب التي أعيدت فيها الانتخابات خمس مرات بسبب الطعون. في المرة الأخيرة فاز مرشح حزب الاستقلال في مواجهة مرشح العدالة والتنمية، أيام كانت الحرب الكلامية مستعرة  بين الغريمين حميد شباط وبنكيران. وردا على النتيجة قال بنكيران في نشاط حزبي: "أتحدى الفائز بالمقعد أن يقسم بالله أنه لم يقدم رشوة، وإن فعل فسأبارك له علانية، ولن نرشح مستقبلاً أي أحد من حزبنا في تلك الدائرة الانتخابية"، وهو ما رد عليه البرلماني الفائز، و من داخل البرلمان، بالقول: "أقسم بالله العلي العظيم ونبيه الكريم، إنني لم أدفع درهما واحدا من أجل شراء أي صوت من الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات". وبالرغم من أن السيد عبد الله بوانو، رئيس الفريق البرلماني للعدالة والتنمية، أعلن توفره على حجج تثبت ما ذهب إليه أمينه العام في اتهامه لحزب الاستقلال باستعمال المال والبلطجة للفوز بالمقعد البرلماني فقد انتهى إلى القول: "برًّا بالقسم الذي عقده الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، والمتعلق بعدم ترشح الحزب من جديد في دائرة مولاي يعقوب، أو الطعن في نتائج الاقتراع..... ولكي لا نجعل الله عرضة لأيماننا، فإننا لن نطعن وبيننا الله عز وجل". 

بهذا التصريح دق رئيس فريق العدالة والتنمية بالبرلمان المغربي مسمارا، قد لا يكون الأخير، في نعش المؤسسات الدستورية للبلاد.  لقد أصبحت الأيْمان دليل "بكارة" سياسية و"نزاهة" انتخابية، ولتذهب مؤسسات من قيمة المجلس الدستوري إلى الجحيم. هكذا سٌنِّت بدعة ديمقراطية تعتمد قَسَم المرشح "الفائز" دليل براءة من الفساد الانتخابي في استعمال بئيس لخطاب ديني حَقٍّ أريد به باطل.

وعندما أقسم السيد عبد الإله بنكيران داخل الغرفة الثانية للبرلمان وهو يوجه الكلام لوزير داخليته أنه "لم يكن على علم بما وقع للأساتذة المتدربين" في تكذيب واضح وصريح لتصريحات الوزير، فإنه أطلق رصاصة الرحمة على السياسة وعلى العملية الانتخابية وكل حديث عن مقتضيات دستور جديد أو فصل سلطات أو ربط للمسؤولية بالمحاسبة وغيرها من شعارات المرحلة الرنانة. رئيس الحكومة، على المستوى النظري، هو المشرف الأول على التدبير الحكومي، ووزير الداخلية محمد حصاد وزير تقنوقراطي غير منتم لأية هيئة سياسية. والمنطق يقول إن رئيس الحكومة أهل لاتخاذ القرارات لا تبرير تلك التي  يقول أنها اتخذت دون علم منه ، بل الدفاع عنها من منطق "المسؤولية السياسية" بدل البحث في هوية الواقفين ورائها، وهم في الغالب رموز التحكم الحقيقي إن وُجِد. أما القسم بالله في مواجهة الوزراء والنواب أمام كاميرات التلفزيون فما هو إلا دليل عجز واضح، لم يتم تصريفه إلا بالصراخ في وجه نائبة سألت عن حقيقة من أصدر الأمر بتعنيف المتظاهرين، فووجهت بالقول أن : استحي قليلا!

أينك أيها القائل بالبرلمان الأردني: هاتي بوسة يا بت...
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع