كتب محمد بارلاس: من الطبيعي أنكم لا تستطيعون أن تعتبروا من الحقائق السلبية والإيجابية من التاريخ. من الطبيعي أن الجغرافيا التي تعيشون فيها ترسل إليكم انعكاسات سلبية وإيجابية. عند تقييم هذه اللافتة، ألا يجب التفكير لماذا قدرنا مختلف عن جيراننا الأغنياء بالنفط؟
من الجيد أننا لسنا أغنياء بالبترول
بأسلوب آخر، إنه من الجيد في
تركيا أن البترول لم يخرج من أراضيها مثلما في
العراق وإيران.. لهذا السبب بنينا قدراتنا الذاتية بدلا من الاعتماد على الثروات الطبيعية في باطن الأرض. وأنشأنا مؤسساتنا الصناعية. منافسة العالم ليست بالبترول والغاز الطبيعي، شعرنا بضرورة الانفتاح على الخط الذي نعتمد فيه على المعرفة والعمل.
في الوقت الراهن، أليست تركيا في وضع مغاير عن الجيران أغنياء الطاقة، الذين يرتعشون وهم يقولون "ماذا لو سقط سعر برميل
النفط دون العشرين دولارا؟"، هذا الوضع المغاير أحد عناصره أيضا "التعددية
الديموقراطية" التي اخترناها لأنفسنا، أسلوب حياة لن نتخلى عنه.
تركيا التي حكم عليها التاريخ والجغرافيا بالبقاء في الشرق الأوسط، اختارت لنفسها هدفا لتتخذ مكانا في عالم الحريات والحقوق، التي حدّدها الاتحاد الأوروبي للحاضر والمستقبل.
انظروا إلى جيراننا الذين يتفجر النفط من أراضيهم. الأنظمة الديكتاتورية والثيوقراطية تدعم مصنعي وتجار الأسلحة في الشرق والغرب بأموال النفط. يتنازعون فيما بينهم بشكل مستمر، ويتحاربون بين الفينة والأخرى.
في حين أنه من المفترض أن تزدهر هذه الشعوب بأموال النفط، نراها وكأنها معامل لإنتاج الظلم الاجتماعي.
دول لا تعرف الانتقاد
لا يستطيعون البحث عن الأسباب التي تنتج عن أخطائهم في مكنون هذه الصورة المشوهة. لا يستطيعون نقد الذات. مستمرون في تعليق كل هذه الأخطاء والمسؤولية إما على الاشتراكية أو على الإمبريالية.
على سبيل المثال في العراق، لم يسأل أحد
صدام: "لماذا تتقاتل مع إيران؟ لقد تسببت في قتل مئات الآلاف من الناس". حتى الذين فكّروا أن يسألوا لم يجدوا لهم حقا في الحياة.
لم يُعطَ الإذن لتجربة "مصدَّق" الديمقراطية في إيران. في هذه الدول يمكن مراجعة أخطاء الماضي فقط بعد الثورة على الأنظمة أو بعد استعمار هذه الدول.
في
السعودية، لا يستطع أحد أن يسأل حتى هذا السؤال: "لماذا قيادة السيارة ممنوعة على أمهاتنا وأخواتنا، أليست المرأة إنسانا مثلنا؟".
لا فرق في أن يحمل النظام اسم جمهورية أو ملكية. في النهاية، ألم ينتقل الحكم في سوريا من الأب إلى الابن، مع أنها بلد ديموقراطي؟ ألم يكن عدي أو قصي من كان سيخلف أباه في نظام العراق القديم؟
لندرك أهميتها
اختصارا، يجب أن ندرك قيمة الديموقراطية. يجب أن نتمسّك بمبدأ "سلطة القانون"، كما يتمسك المؤمنون بحبل الله. لنحمِ جميعا الحريات والحقوق الأساسية. يمكن أن ننتقد أنفسنا دون إنصاف.
النقد ليس وسيلة ذات مهمة واحدة لمواجهة الحزب الحاكم فحسب، النقد هو ألا يُهمل ما يحدث أثناء النظر إلى المرايا.
ما يميز تركيا عن غيرها من دول الشرق الأوسط: أليس هو إمكانية النقد لما يحدث، والقيام بذلك هنا؟
(عن صحيفة الصباح التركية، مترجم خصيصا لـ"عربي21"، 24 كانون الثاني/ يناير 2016)