كتاب عربي 21

ماذا تريد إدارة أوباما من جنيف-3؟

1300x600
تعرّضت المعارضة السورية ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات ومنسقها رياض حجاب إلى ضغوط هائلة للذهاب إلى جنيف خلال الأسبوع الماضي، وقد تفاجأ الجميع من صلابة المعارضة وقرارها في عدم التفاوض ما لم يتم تنفيذ ما نص عليه قرار مجلس الأمن 2254 في البنود 12 و13؛ باعتبارها حقا من حقوق الشعب السوري وليست شروطا مسبقة، ناهيك عن ضرورة أن يكون برنامج التفاوض وأهدافه واضحة؛ كي لا يتم تمييع القضية لصالح نظام الأسد كما جرى سابقا.

وللمفارقة، فإن أكبر الضغوط التي مورست على الوفد ورئيسه، إنما جاءت من الولايات المتّحدة الأمريكية. في اللقاء الشهير الذي جمع كيري برياض حجاب يوم السبت 23 يناير، لم يكتف كيري بتهديد المعارضة وفرض الأجندة الروسية-الإيرانية عليها، ولكنّه رفض إعطاء ضمانات أيضا بمضاعفة الدعم العسكري للمعارضة حال أفشل الأسد المفاوضات، وعندما تمّ تسريب فحوى ما جاء في الاجتماع في الإعلام، جنّ جنون الجانب الأمريكي واتصل المبعوث الأمريكي إلى سوريا مايكل راتني بالجانب السعودي ليشكوهم، ثمّ سارع إلى إصدار بيان ينفي فيه ما تم تداوله في الإعلام.

لكن لم نضطر إلى الانتظار كثيرا لندرك أن نفيه لم يكن في حقيقة الأمر سوى تأكيدا لما جرى؛ إذ قام هو نفسه لاحقا بالاتصال بممثلي الدول الصديقة للمعارضة السورية لحثهم على الضغط على المعارضة، وعندما فشل في مسعاه هذا، انتقل الضغط الأمريكي إلى مستوى أعلى وبدأت الاتصالات تأتي إلى المنسق العام للهيئة من كل حدب وصوب؛ للضغط على الهيئة للمشاركة في المفاوضات دون مناقشة مسبقة لأي موضوع، بما في ذلك الموضوع الإنساني الذي من المفترض أنه حق واجب التنفيذ قبل الاجتماعات، وعندما بقيت الهيئة صامدة، مارست إدارة أوباما ضغطا هائلا على المملكة العربية السعودية، وقد كان الضغط قاب قوسين أو أدنى من النجاح، لولا أنّه قد تمّ تدارك الأمر في اللحظات الأخيرة، وقد تمّ الاتفاق حينها على ما يقال إنها ضمانات من جانب كيري نفسه إلى الجهات الداعمة للمعارضة وإلى المعارضة نفسها.

الجانب الأمريكي ليس لديه النيّة أو الإرادة لإنهاء الأزمة السورية، ولا يريد بالتأكيد تقديم دعم حقيقي للمعارضة لتنفيذ ما اقترحه هو بنفسه، لقد أثبتت السنوات الأربع الماضية أيضا بشكل قاطع لا يقبل الشك، بأنّه لا يمكن الوثوق بهذه الإدارة بتاتا وبأي كلام عن ضمانات، وليس من الدقيق أيضا في هذه المرحلة الحديث عن أن أولوية هذه الإدارة مقاتلة داعش في سوريا، إذ إن أولويتها حاليا إنهاء الأشهر القليلة المتبقيّة من عمرها بأقل الخسائر الممكنة، عبر تلزيم الملف السوري لروسيا وإيران وإيقاف إطلاق النار (الذي يخدم النظام في ظل المعطيات الحالية)، وأسهل طريقة لفعل ذلك هي بالضغط على المعارضة وعلى من يفترض أنهم حلفاء أو أصدقاء واشنطن في المنطقة، لاسيما المملكة العربية السعودية وتركيا.

المعارضة بقيادة رياض حجاب وبدعم شعبي واسع قدّمت أداء مبهرا بشهادة الخصوم والأعداء قبل الأصدقاء، لكن المفارقة أن أصدقاء المعارضة من الدول الإقليمية لم يكونوا على قلب رجل واحد، وقد كاد هذا الأمر أن يؤثّر بشكل سلبي على أداء المعارضة وفعاليتها، خاصّة أنّه يشير أيضا إلى أنّه لا يوجد لدى هذه الدول تقييم مستقبلي لإيجابيات وسلبيات المشاركة من عدمها، وإلى أين من الممكن أن تتجه الأمور في كل سيناريو، وماذا يجب أن يفعلوا حينها وكيف. وهذا برأيي قصور خطير وكبير يجب معالجته قبل فوات الأوان؛ لأنّ هذه المعركة التفاوضية طويلة سياسيا وعسكريا، وهي ليست معركة المعارضة وحدها، ونتائجها لن تعني السوريين فقط، بل إن دولا كتركيا والمملكة العربية السعودية ستكون المعنيّة الأولى بنتائجها وما قد ينجم عنها، لاسيما وأنّ الطريقة التي ستنتهي بها ستغيّر بالتأكيد وجه المنطقة بأكملها لعقود قادمة.