ناقشت مجلة "
نيويوركر" الأمريكية مستقبل
إيران عبر أحفاد مؤسس الدولة، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية روح الله
الخميني.
وفي تقرير للكاتبة روبن رايت نشرته المجلة، قالت "نيويوركر"، إن
خامنئي بعد وفاته فجأة عام 1989 ترك وراءه خمسة عشر حفيدا، مشيرة إلى أن مصير أحفاده يعكس عمق التوترات داخل إيران، التي تشهد الذكرى الـ37 لعودة الإمام من المنفى، وتستعد لانتخابات ثنائية في 26 شباط/ فبراير الجاري.
ووصفت المجلة أبناء الخميني جميعا (سبعة ذكور وثماني إناث) بأنهم إصلاحيون ملتزمون يدعون لانفتاح إيران، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتحدى سبعة منهم بمقابلات ورسائل علنية الأحكام السياسية الدينية والقيود الاجتماعية الصارمة، في حين ترشح ثلاثة منهم للرئاسة منذ عام 2004.
من ملاعب الكرة إلى "الخميني الثاني"
أبرز أحفاد الخميني هو حسن الخميني، الذي كان منخرطا بكرة القدم قبل أن يسجل في معهد ديني في قم، في عشرينياته، وما زال يلعب الآن وله من العمر 34 عاما، وقال في لقاء له مع كبار اللاعبين الإيرانيين: "لو أكملت مسيرتي الكروية، لكان يمكن أن أكون شيئا الآن".
الآن، يعد حسن الخميني نفسه حارس إرث جده، في "معهد جمع وإصدار أعمال الإمام الخميني"، كما أنه كتب حول الطوائف المختلفة في الإسلام، ويرتدي عمامة سوداء لتدل على أنه ينحدر من نسل النبي عليه الصلاة والسلام.
ووصفت "نيويوركر" الخميني بأنه يملك العلاقات الصحيحة، فحسابه على "إنستغرام"، لديه ربع مليون متابع، كما أنه مليء بصور له مع كبار علماء إيران وسياسييها. وفي كانون الأول/ ديسمبر، وصفته صحيفة بصورة كبرى بأنه "قائد إيران المستقبلي" و"الخميني الثاني".
ومع مكانه السياسي ورمزيته العائلية، أو ربما بسببها، فإنه لم يكف الخميني مكانه الكارزماتي في السياسة المتشددة في إيران اليوم، فقد تم إقصاؤه الأسبوع الماضي من المشاركة في مجمع الخبراء، الذي يختار المرشد الأعلى لإيران ويحدد التوجهات السياسية والاجتماعية والأمنية للبلاد، إذ إن "مجلس صيانة الدستور" منعه من الترشح لأنه "لا يملك العلم الإسلامي الكافي ليحدد المرشد القادم".
ورد خميني على ذلك بقوله إنه "متفاجئ من ذلك، مثل العديدين، أن رجالات المجلس رأوا أني غير مؤهل"، كما أنه استأنف القرار بعد إصداره الشهر الماضي، إلا أنه رفض مجددا، رغم "دعمي من كبار العلماء ونتاجاتي الدينية"، بحسب قوله.
رفض آخر
ولم يكن الخميني الوحيد الذي تم منعه من العمل السياسي من أحفاد الخميني، إذ إن ابنة عمته زهراء إشراقي، الناشطة الحقوقية النسائية، منعت من المشاركة في البرلمان عام 2004، رغم أنها كانت متزوجة من النائب الناطق باسم البرلمان، وصهرها هو محمد خاتمي، الرئيس الإيراني حينها.
وتم منع زوجها من المشاركة في الانتخابات، وقالت عام 2008 إن "الحكومة تعاني من الوهم، وتظن أنها تستطيع أن تقصي الجميع، عبر الزي الرسمي وتحديد خيارات المرشحين".
تحد للحرس الثوري
وحاول شقيقها الأصغر علي إشراقي، المهندس المدني، الترشح للانتخابات البرلمانية عام 2008، وواجه بصوت عال دور القوى الأمنية الإيرانية النافذة، المتمثلة في الحرس الثوري الإيراني.
وقال إشراقي في مقابلة مع مجلة دولية بوقت سابق، إن "وصية الخميني كانت أن أولئك الذين يرتدون الزي العسكري، والمنتمين للقوات المسلحة، وشرطة الحرس الثوري الإيراني، يجب أن يبتعدوا عن الأحزاب والتنظيمات ويبتعدوا عن السياسية".
وأضاف: "إنهم يهاجموننا، ويهاجمون حسن الخميني لأنهم فشلوا في تذكر أن كثيرا منهم حاد وابتعد عن وصية جده"، إلا أنه أقصي كذلك لأسباب وصفها شخصيا بأنها "أعذار سخيفة".
منع جماعي
وهذا العام، وصلت حالات المنع إلى أرقام قياسية جديدة، إذ إن 161 مرشحا فقط من أصل ثمانمئة تم اعتمادهم للترشح من قبل مجلس صيانة الدستور، فيما منع علماء بارزون بمواقفهم المعتدلة، بالإضافة إلى الـ16 امرأة، هن المتقدمات جميعهن -بحسب الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران- دون أسباب حقيقية.
ويمثل البرلمان رهانا كبيرا لمجمع صيانة الدستور، إذ إنه طوال فترة الأعوام الـ12 كاملة كان المحافظون يهيمنون عليه وعلى الحكومة، فيما بدأت الموجة تنقلب ضدهم بعد انتخاب الرئيس الوسطي حسن
روحاني، عام 2013، تحت وعود بإتمام اتفاقية نووية ورفع للعقوبات.
ويظل تحويل الإنجازات الحالية، في الدبلوماسية ورفع العقوبات، إلى لغة يفهمها الشارع الإيراني معتمدا على قدرة روحاني على الفوز بالدعم البرلماني للإصلاحات السياسية والاجتماعية، فيما أقصت عملية التحقق من المرشحين غالبية الأصوات المعتدلة، ومن بينهم اثنان من أبناء القيادي الإصلاحي هاشمي رفسنجاني، من أصل آلاف من المرفوضين.
وقال المجلس في بيان الثلاثاء الماضي، إنه "يتعرض لضغوطات غير مسبوقة من أعداء الجمهورية الإسلامية"، ليدافع عن قراراته، متعهدا بـ"الوقوف بحزم لحماية حقوق الناس وقيم إيران".
"رهاب"
ويوافق هذا العام، الذكرى الخامسة لفرض الإقامة الجبرية على الرئيس السابق حسين موسوي، والناطق السابق باسم البرلمان مهدي خروبي، الذي ترشح للرئاسة ضد محمود أحمدي نجاد، عام 2009، والذي كان يتوقع فوزه، أو على الأقل القيام بأداء أفضل مما ادعته الحكومة.
وخرج حينها ملايين المتظاهرين في الثورة الخضراء، في أزمة من أكبر الأزمات التي عصفت بإيران، فيما لا يزال روحاني يحاول إخراجهما.
وتعكس حالة القمع الجارية، بحسب "نيويوركر"، حالة من "الرهاب" التي تسيطر على المتشددين، الذين يقدرون بخمس السكان، من خسارة السيطرة على البلاد.
وتعمقت هذه المخاوف بعد انفتاح إيران المتزايد على الخارج منذ إتمام الصفقة النووية، إذ قالت الحملة الدولية لحقوق الإنسان إن "عملية المعالجة تشير إلى أن قاعدة المتشددين تتناقص بشكل غير مسبوق".
وأوضحت الحملة أن هؤلاء المرفوضين "ليسوا معارضين ولا ناشطين ولا علمانيين، أو أي أشخاص يمكن أن يمثلوا تحديا مباشرا لحكم المرشد"، مضيفة أنهم "من داخل النظام، وقادة قدامى داخل الدولة، وشخصيات دينية عالية".
ولا يزال روحاني يحظى بدعم شعبي، وقد تبيّن أنه مقبول لدى ثمانية من أصل عشرة إيرانيين، بحسب استبيان قام به مركز جامعة ميريلاند للدراسات الأمنية والدولية.
وطالب روحاني، في استعداده للترشح العام القادم، الشعب بالوحدة والمشاركة بالتصويت رغم الاختيارات المحدودة، قائلا إن "الأحزاب السياسية يجب أن تبتعد عن المواجهة"، وذلك في احتفال عام بذكرى الثورة في ميدان الحرية في طهران، الخميس الماضي.
وذكر روحاني المرشحين في وقت سابق: "إذا لم يكن هناك متجر يملك الملابس المناسبة التي تريدها لطفلك، فإنك ستشتري له من متجر آخر، لتقيه من البرد"، بحسب "نيويوركر".