جسد يذبل بعد نضارة وحيوية، هي حال أجساد الذين يخوضون ما بات يعرف "معركة الأمعاء الخاوية"، آخرهم الأسير الصحفي محمد
القيق، الذي يدخل يومه 87 في للمطالبة بإطلاق سراحه وإلغاء قرار
الاعتقال الإداري بحقه من قبل سلطات
الاحتلال الاسرائيلي.
القيق، الذي نمت لحيته وشاربه بكثافة، وتقاربت وجنتاه، وخنق صوته، اتخذ من جسده ساحة حرب، في ظروف مؤلمة جسديا ونفسيا، سبقه إليها مئات الأسرى بدءا من أول تجربة
فلسطينية لخوض الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، في أوائل عام 1968، استمرت حينها مدة ثلاثة أيام؛ احتجاجا على سياسة الضرب والإذلال التي كانوا يتعرضون لها على يد الجنود الإسرائيليين، وللمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية، لتتوالى بعد ذلك الإضرابات عن الطعام.
ومن الأسرى من نجح بنيل حريته أو تحقيق مطالبه، ومنهم من استشهد. وبحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، كان أول شهداء "معركة الأمعاء الخاوية"، عبد القادر أبو الفحم الذي توفي بتاريخ 11تموز/ يوليو 1970، خلال إضراب سجن عسقلان، ومرورا بالشهيد راسم حلاوة وعلي الجعفري اللذين توفيا بتاريخ 24 تموز/ يوليو 1980 خلال إضراب سجن نفحة، والشهيد محمود فريتخ الذي توفي على أثر إضراب سجن جنيد عام 1984، والشهيد حسين نمر عبيدات الذي توفي بتاريخ 14/10/1992 في إضراب سجن عسقلان.
مرحلة أخيرة للأسير
ويعتبر الأسير المحرر حسن الصفدي (38 عاما)، أن الإضراب عن الطعام آخر مرحلة يلجأ إليها الأسير للمطالبة بحقوقه، في ظل ظروف مأساوية.
وأوضح في حديث لـ"عربي21" أن الذي اضطره لخوض "معركة الأمعاء الخاوية" لأكثر من 168 يوما بشكل متقطع؛ هو "تجبر السجان وظلم المحاكم الإسرائيلية التي تحاول فقط أن تبعد الأسير عن أهله وعائلته بتجديد الاعتقال الإداري لعدة مرات متتالية، فلم أجد خيارا آخر أمام كل هذه الألم إلا أن أخوض الإضراب المفتوح عن الطعام".
وأضاف الصفدي أن "احتمالية الاستشهاد في السجون الإسرائيلية كانت واردة لديه ولدى الأسرى الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية، حيث أن التعب الجسدي والنفسي الذي يصاحب الأسير طيلة فترة إضرابه لا يوصف ولا يمكن أن يشعر به إلا من جربه".
وتابع أن الاحتلال يحاول بكل الطرق الانتصار على الأسير الذي يخوض اضربا عن الطعام من خلال إقناعه بالإبعاد أو بتعليق الاعتقال في حال أنهى إضرابه.
ونوه الصفدي إلى أنه خاض إضرابا عن الطعام في عام 2011 استمر لمدة 73 يوما انتهى مقابل عدم التجديد الإداري والإفراج عنه، إلا أن الاحتلال عاد وجدد اعتقاله الإداري ستة أشهر أخرى فدخل في إضرابه الثاني، الذي استمر لمدة 95 يوما وانتهى بعدم التجديد في اتفاق قانوني وتم الإفراج عنه، بعد أن بلغ مجموع اعتقالاته في الحكم الإداري 10 أعوام.
وأشار الصفدي إلى أن الإضراب الذي خاضه لا يختلف كثيرا عن إضراب الأسير الصحفي محمد القيق، لكن الاختلاف فقط في تعامل مصلحة السجون معه ورفضها بالإفراج عنه أو بنقله إلى مستشفى فلسطيني رغم خطورة وضعه الصحي.
وبرأيه فإن "الاحتلال يرفض الإفراج عن القيق أو حتى نقله لأحد المشافي الفلسطينية كي يجعله عبرة لبقية الأسرى ممن يخوضون إضرابا عن الطعام".
غياب قانون يحمى الأسرى
أما الأسير المحرر خضر عدنان (37 عاما) من بلدة عرابة قرب جنين، فقد خاض إضرابا عن الطعام والذي يعتبر إضرابه الشرارة الأولى لأكبر إضراب يخوضه أكثر من ألفي أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقال عدنان لـ"عربي21" إلى أنه "أنهى إضرابه عن الطعام بعد التوصل إلى اتفاق مع ممثلي الأمن الإسرائيلي ومصلحة السجون يضمن الإفراج عنه قبل عيد الفطر، ما يشكل انتصارا كبيرا على السجان وأدواته".
وحول الأسباب التي تدفع الأسير الفلسطيني إلى خوض الإضراب عن الطعام واتخاذه وسيلة لتحقيق مطالبه، أوضح أن من أهم الأسباب "غياب أي قانون يحمي حق الأسير الفلسطيني داخل سجون الاحتلال، وكذلك تهميش دور المؤسسات الحقوقية التي تعنى بالحفاظ على حقوق الأسير".
وأشار عدنان إلى أن الظروف التي يعيشها الأسير المضرب عن الطعام غاية في القسوة والمعاناة، "فلا يكفيه ما تعانيه من جوع وعطش، بل تقوم إدارة السجون بهجمة شرسة فور إبلاغ الأسير عزمه الإضراب عن الطعام، وتبدأ بعملية قمع للأسير تتمثل في مصادرة كافة مقتنياته وحاجيته اليومية، إضافة إلى نقل متكرر وشبه يومي عبر البوسطة، إلى جانب التفتيش الذاتي الذي يصل إلى حد الاعتداء المباشر على الأسير لثنيه عن الإضراب".
ونوه إلى أن الاحتلال يرفض الإفراج عن القيق "حتى يجعله عبره لكل أسير فلسطيني يحاول أن يخوض إضرابا عن الطعام"، مشيرا إلى أنه قد بدأ منذ عدة أيام إضرابا عن الطعام تضامنا مع القيق.
الاحتلال يخلف بوعوده
بدوره، قال الأسير المحرر المحامي محمد علان، لـ"عربي21"، إنه أفرج عنه ضمن اتفاق تم التوصل إليه عقب اعتقاله مجددا من مستشفى "برزلاي" الذي كان يعالج فيه، حيث تم الاتفاق التوصل مع مدير النيابة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بعد أن أضرب 65 يوما. ولفت إلى أن الاتفاق نص على عدم تجديد الاعتقال الإداري بعد انتهاء مدة التمديد الأصلي. إلا أنه خاض إضرابا ثانيا في نفس الفترة لمدة ثلاثة أيام بعد أن أخل الاحتلال بالاتفاق، وصدر قرار بتجميد اعتقاله وليس إلغاء الاعتقال الإداري.
وأوضح أن إضرابه الثاني لمدة ثلاثة أيام كان أصعب نفسيا وجسديا، خاصة انه جاء مخالفا لاتفاق مبرم سابقا بعد إعادة اعتقاله مجددا.
قلق وخوف على حياة القيق
من جانبها، عبرت زوجة الأسير محمد القيق، الإعلامية فيحاء شلش، عن تخوفها من تعرض زوجها "لنفس السياسة من التسويف والمماطلة".
وقالت لـ"عربي21" إن "الاحتلال يراوغ في التعامل مع ملف الأسرى الإداريين، فهو يُظهر أنه أنهي اعتقاله الإداري، لكن في نفس الوقت يضع زوجي بظروف المعتقل داخل مشفى العفولة، من خلال وضع حارس أمني أمام الغرفة، ويقيد حركة المتضامنين ويعتقل عددا منهم".
وقالت إن الاحتلال لم يعرض مباشرة آلية لإنهاء الاعتقال الإداري لزوجها رغم وضعه الصحي، وتخشى أن يتم إعادة اعتقاله مجددا في حالة تحسن وضعه الصحي.