كتاب عربي 21

ما يصلح لجنرال موتورز لا يصلح بالضرورة لمصر

1300x600
والآن، هل الاقتصاد المصري بخير أم لا؟ هل يرغب المستثمرون في الاستثمار في مصر؟ إذا كان السيسي يفعل كل ما في وسعه من أجل الشركات التجارية، فلماذا يبدو الأداء الاقتصادي بهذه الرداءة وهذا السوء؟ ألسنا نرى أن الشركات الأجنبية تغلق فروعها في مصر؟ ألا يعني إغلاق جنرال موتورز أن مجتمع الأعمال الدولي قد فقد ثقته في النظام؟

نعم، بإمكاني أن أرى كيف أن الأمر يبدوا محيرا ومربكا. 

الحقيقة أنه لا لوم علينا لو فكرنا أن الاقتصاد يجب أن يكون بخير طالما أن الشركات تبلي بلاء حسنا، فمن المنطقي أن يكون هناك علاقة مترابطة بين ربحية الشركات وصحة الاقتصاد بشكل عام، وعندما نرى ونجرب سوء الأحوال الاقتصادية من حولنا، فنرى ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الفقر وإغلاق الأعمال التجارية...الخ، فإنه يبدو من الإنصاف أن نفترض أنه لا أحد يحقق أية مكاسب وأن أصحاب رؤوس الأموال يبدون وكأنهم يقفزون من السفينة.

ولكن هذه الفرضية لا تعترف بحقيقة أن الشركات تعمل بمنطق خاص بها وحدها، وتذكروا هذا جيدا، فنموذج الشركات لم يتم تصميمه بهدف تعزيز الاقتصاد، فهو آلية تهدف لاستخراج أكبر قدر ممكن من الأموال من أكبر عدد ممكن من المصادر، ثم تسليم تلك الأموال صعودا إلى أيدي أصحاب الشركات والمساهمين، فنموذج الشركات ما هو إلا آلية لإيجاد وتوسيع تفاوت الثروات في المجتمع، والعلاقة بين الربحية وصحة الاقتصاد ليست علاقة مترابطة ولكنها علاقة تكافلية من نوع عدائي جدا، مثل علاقة الطفيليات بالكائنات المضيفة. 

ولهذا أقول، نعم الاقتصاد المصري يتدهور، وذلك رغم أن مصر من بين الدول الخمس الكبرى في أفريقيا الأكثر جذبا للاستثمار الأجنبي المباشر، فكلما تدهورت كلما كانت أكثر جاذبية وكلما تدفق المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر إليها وكلما تدهور الاقتصاد أكثر وأكثر، وببساطة دعوني أسأل: ما هو تعريف "الاستثمار الأجنبي المباشر؟". هو مثل الحقنة التي تتوغل في عروق اقتصادكم وأنتم تظنون طوال الوقت أن هذه الحقنة تحتوي على مَصْل، بينما هي في الواقع تمتص دماءكم.

عندما تقوم شركة أجنبية بتوسيع عملياتها في بلدكم، سواء من خلال فتح منشآت لها أم من خلال عقد شراكات مع شركاء محليين ليكونوا تابعين لها، فإنه كلما زادت حصتها في السوق زاد تدفق الأموال خارج اقتصادكم، وأعتقد أن هذه نقطة واضحة بما يكفي.

والسؤال الآن: ما هو الشيء الذي يجعل شركة تحركها الأرباح تختار الاستثمار في بلدكم؟ هل هو الأجور أم تخفيض البطالة أم العملة المحلية القوية أم الصناعة المحلية التنافسية؟ ما هي الشركة التي تحتاج إلى أي مما سبق ذكره؟

أصحاب رؤوس الأموال العالمية يعتمدون على المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على وجه التحديد لخلق ظروف مواتية للاستثمار في دول مثل مصر، والتقرير الصادر بأن شركتي جنرال موتورز وإل جي أغلقتا مصنعيهما بسبب انخفاض احتياطيات مصر من العملات الأجنبية، قد يكون أو لا يكون تقريرا دقيقا (وقد نفت كلتا الشركتين هذا التقرير على أي حال)، ولكن الواضح هو أنه إذا كان هناك إغلاق فقد كان قصيرا ومؤقتا وإن هذه الشركات عادت للعمل مجددا.

لا بد من الإشارة إلى أن نقص العملة الأجنبية حدث في المقام الأول لأن مصر أُجْبِرت على سداد مبالغ ضخمة من ديونها للشركات والمؤسسات الأجنبية على مدى العامين الماضيين (ما يقرب من 700 مليون دولار لدائني "نادي باريس"، و350 مليون دولار إلى مجموعة BG، وكُتَل من المدفوعات الضخمة لشركات الطاقة الأخرى لسداد ما يقرب من 5 مليارات دولار من الديون). وبعبارة أخرى لقد تم فرض هذا النقص، لماذا؟ من أجل إضعاف الاقتصاد وإخضاع قيمة الجنيه المصري لقوى السوق بدلا من السياسة النقدية التي تديرها الحكومة.. 

ونعم، حدث هذا للضغط على الحكومة حتى ترضخ بسرعة وبشكل كامل لمطالب السياسة الاقتصادية لملاك رأس المال العالميين. أما الإغلاق المؤقت لكل من جنرال موتورز وشركة إل جي، فهذا أساسًا كانت مناورة استراتيجية للدفع في اتجاه هذه الأهداف، وهو السبب في أن رئيس الوزراء شريف إسماعيل شدد على "أهمية استكمال الجهود الخاصة بتذليل كل المعوقات التي تواجه الاستثمارات الأجنبية في مصر، والعمل على تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي يتم وفق رؤية استراتيجية للنهوض بقطاعات الاستثمار ...".

وبطبيعة الحال فإن المقصود بــ"برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل" هو الإملاءات السياسة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وأكررها ثانية، نعم، سيظل الاستثمار يتدفق إلى مصر وستظل الشركات الأجنبية تستفيد، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن الأحوال الاقتصادية ستتحسن، ولا يجب عليكم أن تتوقعوا هذا.