نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني تقريرا حول معضلة
الفساد في
إيران، عرض فيه العوامل التي أدت لتفشي هذه الظاهرة التي أصبحت ممارسة روتينية في كل مؤسسات الدولة، وسط تحذيرات سياسيين ومراقبين من أنها قد تؤدي في النهاية لانهيار النظام الحاكم.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن الملياردير الإيراني "باباك زنجاني"، حكم عليه مؤخرا بالإعدام؛ بسبب تورطه في الفساد، حيث إنه متهم باختلاس 2,8 مليار دولار، في إطار عمليات وساطة قام بها لفائدة الحكومة الإيرانية لبيع النفط بطريقة سرية؛ للالتفاف على العقوبات المفروضة عليها.
وأضاف التقرير أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال إن "هنالك عدة أسئلة لا تزال عالقة حول شبكة الأشخاص الذين ساعدوا زنجاني وشاركوا معه في هذا الفساد، حيث إن هذا الملياردير لم يقم بكل هذه العمليات بمفرده، وبالتالي فهو يمثل فقط الجزء الظاهر من جبل الجليد".
وبعد الحكم صرح عضو
البرلمان الإيراني، أمير عباس سلطاني، بأن "الأشخاص الذين يقفون وراء زنجاني أوهموه بأنه لن يحكم عليه بالإعدام؛ ولذلك فقد امتنع أثناء المحاكمة عن الكشف عن تفاصيل عمليات الفساد وأسماء شركائه".
وقال التقرير إن الفساد هو ظاهرة لا مفر منها في جميع دول العالم، إلا أن درجاته تختلف من دولة إلى أخرى، وفي إيران أصبح الفساد ممارسة ممنهجة داخل جميع أجهزة الدولة ومرافقها، حتى إن البعض حذروا من أنه قد يؤدي إلى انهيار النظام.
واعتبر التقرير أن سبب تفشي الفساد في إيران هو سيطرة النظام الحاكم على كل شيء في البلاد، من قطاع النفط والغاز إلى الصناعة، وتصنيع السيارات والصحة والغذاء والتجارة والبنوك والطيران، وفي كل هذه المجالات يبدو تدخل الحكومة واضحا.
كما أشار التقرير إلى أن غياب المحاسبة يعد عاملا حاسما في انتشار الفساد في إيران، في ظل غياب التشريعات والقوانين الرادعة التي تحاسب المتورطين، كما أن المنظمات المحلية والدولية التي تعنى بمكافحة هذه الظاهرة تعاني من تضييقات عديدة، شأنها شأن بقية المؤسسات غير الحكومية في إيران، التي يفرض نظامها الحاكم قيودا صارمة على النشاط المدني.
ورأى التقرير أن قضية باباك زنجاني تعد دليلا واضحا على تعقيد ظاهرة الفساد في إيران وعمقها، حيث إن زنجاني طوال أطوار المحاكمة رفض الكشف عن الأشخاص الذين اشتركوا معه في عمليات الاختلاس، وفضل الإشارة إلى أحدهم بأول حرفين من اسمه "م.س"، ورغم أهمية هذه القضية والاهتمام الإعلامي والشعبي الذي حظيت به، فإن رئيس البرلمان علي لاريجاني، أقر مؤخرا بأنه عجز عن تحديد هوية هذا الشخص.
وذكر التقرير أن إيران تم تصنيفها في سنة 2015 في المرتبة 130 على سلم مدركات الفساد، من بين 168 دولة شملتها دراسة منظمة الشفافية الدولية، وقد أكدت هذه المنظمة في تقريرها أن أحد أهم أسباب تفشي الفساد في إيران هو غياب الشفافية، حيث إن موظفي الدولة لديهم القدرة على الاستفادة من مواقعهم وقبول الرشاوي، دون أن تكون هنالك آليات لكشف تجاوزاتهم وإخضاعهم للمحاسبة.
وقال التقرير إن الأثرياء والماسكين بالسلطة هم أكبر المستفيدين من تفشي الفساد، حيث إن إحدى أخطر نتائج هذه الظاهرة هي تركز الثروات في يد أقلية من الإيرانيين؛ بسبب غياب العدالة في توزيع الأرباح، ما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء، وهذه الفئة الأخيرة هي التي تتحمل تبعات هذه الظاهرة.
وأشار التقرير إلى أن التجارة الموازية والصفقات غير الرسمية أدت أيضا إلى تفشي الفساد في البلاد، حيث إن جزء كبيرا من النشاط
الاقتصادي الإيراني يتم في الظل، والإحصاءات والأرقام الرسمية لا تعكس أبدا الحجم الحقيقي للمبادلات التجارية والسلع التي تدخل وتخرج من إيران. وفي غياب هذه المعلومات الهامة يصبح التخطيط الاقتصادي والإصلاح الهيكلي أمرا مستحيلا، كما أن هذه الإصلاحات -التي تعد ضرورية- تواجه عائقا آخر وهو أن الأثرياء الماسكين بالسلطة، الذين هم أكبر المستفيدين من نظام الفساد، يعارضون هذه الإصلاحات بكل الطرق.
وقال التقرير إن الإيرانيين يدفعون الرشاوي بشكل روتيني؛ للتهرب من دفع الضرائب، والرسوم، والديون، والمعاليم الجمركية، وقد أدى تفشي هذه الظاهرة في إيران إلى تفضيل عدد كبير من كفاءات البلاد من المتعلمين البحث عن عمل في الوظائف الحكومية، من أجل الحصول على حصتهم من هذا النظام.
واستبعد التقرير أن تنجح إيران في المستقبل المنظور في محاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها، حيث إن علي لاريجاني أقر مؤخرا بأنه "ليس لديه أي أمل في النجاح في مكافحة الفساد".
وختاما، أشار التقرير إلى أنه عندما تصبح هذه الظاهرة ممنهجة داخل جميع مفاصل الدولة، تتأقلم المؤسسات والمواطنون معها، ويتعاملون حسب قوانينها، وبذلك يصبح الفساد أسلوب حياة، ويكتفي المواطنون بالسعي لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من هذا الواقع. إلا أن بعض السياسيين تجرؤوا على دق ناقوس الخطر، وحذروا من أن تواصل هذه الظاهرة سيؤدي في النهاية لاندلاع احتجاجات اجتماعية وانهيار النظام الحاكم.
تقرير: شهير شهيد ساليس
موقع ميدل إيست آي
الرابط: https://www.middleeasteye.net/columns/corruption-has-become-way-life-iran-1127296548