نشرت صحيفة "صاندي تلغراف" تقريرا للكاتب ريتشارد سبنسر، عن الأزمة المالية التي يعاني منها
العراق، يقول فيه إنه الوقت الذي بدأ فيه العراق يحقق تقدما على جبهة القتال ضد
تنظيم الدولة، فإنه أصبح يواجه مشكلة نقص المال.
ويضيف الكاتب:"خلف خطوط النار في الصحراء العراقية، حيث يقوم أفراد شرطة نينوى بتلقي تدريبات من أجل استعادة بيوتهم في داخل الموصل وحولها، إلأ انهم يعانون من شيء واحد وهو نقص
السلاح".
وينقل التقرير عن الملازم أيمن، قوله: "أعدنا تجمعنا هنا منذ سقوط الموصل، وننتظر منذ خمسة أشهر، ولكن السلاح لم يأت".
وتعلق الصحيفة بأن "القوات العراقية كانت محلا للنقد الدولي بعد الدخول السريع لتنظيم الدولة إلى مدينة الموصل قبل عامين، لكنها بدأت الآن باستعادة مناطق مثل الرمادي، وضغطت على قوات تنظيم الدولة، بمساعدة من
المليشيات الشيعية والعشائر السنية، وأجبرته على التراجع في الأنبار ومحافظة صلاح الدين، وهناك حديث عن قرب استعادة مدينة الموصل، لكن على الأرض يبدو هذا السيناريو بعيدا".
ويجد سبنسر أن "السبب على ما يبدو متعلق بظهور عدو جديد، ففي الأشهر الماضية أظهر هذا العدو رأسه، والسبب هو انهيار أسعار
النفط العالمي"، حيث يلوم الكاتب السعودية، التي قررت أن تبدأ حرب أسعار مع عدوتها الجيوبوليتيكية إيران وروسيا، مشيرا إلى أن هذا أُثر في ميزانية الحكومة العراقية، التي تعتمد في نسبة 90% منها على النفط، وانهار سعر برميل النفط من 140 دولارا في فترة الذروة إلى 80% العام الماضي، وأصبح اليوم 40 دولارا، تاركا أثرا كبيرا على الأسعار.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، قوله: "طبعا، لقد أثرت أسعار النفط على مناحي الحكومة العراقية كلها، وأول أثر كان على وزارة الدفاع". وكان العبيدي يتحدث أثناء جولة قام بها في بلدة حديثة، حيث وصل إلى كامب سبايكر في محافظة صلاح الدين على متن طائرة عسكرية "سي- 130"، والتقى مع المسؤولين المحليين، الذين اشتكوا من تأخر وصول التمويل، وقالوا إن الشرطة ليس لديها سلاح. وقال العبيدي: "سنتحدث مع وزارة الداخلية ونساعد في توفير السلاح"، وأضاف: "أشار المحافظ إلى أن الأموال أوقفت، لكننا متأكدون من قدرتنا على إرسال الأموال".
وترى الصحيفة أن الذهاب إلى الجبهة ليس الطريقة المناسبة للإعلان عن حالة الاستعداد لدى الجيش، فقد تعطلت سيارتا جيب مصفحة "همفي" على الطريق الصحراوي؛ بسبب نقص البترول، وتحدث رئيس هيئة الفريق الركن عثمان الغانمي عن الإنجازات الأخيرة، حيث طهر الجيش منطقة مساحتها 50 ميلا، أو ما تعرف بجزيرة سامراء من مقاتلي التنظيم، وخفف الحصار المفروض على بلدة حديثة منذ عام ونصف، واستطاع الجيش قطع خط الإمدادات ما بين الموصل والفلوجة، وقال الغانمي: "كانت عملية قام بها الجيش وقوات سلاح الجو العراقيين".
ويستدرك سبنسر بأنه مع ذلك، فإن المليشيات العراقية، التي يصطف أفرادها على الطرقات، والذين كتبوا شعاراتهم على الجدران، موجودة وتظهر أن الجيش لا يزال يعتمد على هذه القوات غير النظامية، التي ترفض الولايات المتحدة التعاون معها، مشيرا إلى أن محمد حسن، وهو أحد عناصر منظمة بدر، الذي كان يقف إلى جانب الغانمي، قال: "نحن قوات الصدمة، ونقوم بنسبة 70% من القتال".
ويرجح التقرير أن يكون مستقبل العراق سباقا بين تحسين الجيش وتدهور السياسية، وهذا مرتبط في جزء منه بالاعتماد المفرط على النفط، لافتا إلى أن ضعف الجيش وقوة الميليشيات يعنيان عدم قدرة أي قوة على جمع الطوائف والمناطق العراقية مع بعضها.
وتلفت الصحيفة إلى أن الحكومة العراقية خفضت من الإنفاق العام لمواجهة الأزمة المالية، الأمر الذي أدى إلى غضب السكان، الذين اعتادوا على الوظيفة الحكومة واعتبروها حقا لهم.
ويذكر الكاتب أنه في محل لبيع المفروشات في منطقة الكرادة في العاصمة بغداد، قال ضابط عراقي كان في إجازة، إن الناس يلومون الحكومة على تخفيض النفقات وليس الاقتصاد العالمي، وأضاف: "الجميع متفق على أن هذا هو خطأ المسؤولين، وفيما يتعلق بانخفاض أسعار النفط كان عليهم أن يفكروا في المستقبل ويوفروا".
ويفيد التقرير بأن الأزمة الاقتصادية، التي ربطت أيضا بالفساد، كانت وراء إحياء حظ الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي يقود الآن الحملة ضد الحكومة، مشيرا إلى أنه حصل على دعم من قطاع متنوع وحلفاء كثيرين، منهم دبلوماسيون واقتصاديون، الذين قالوا إن الحكومة بحاجة إلى الإصلاح.
وتنقل الصحيفة عن اقتصادي مستقل اسمه ماجد الصوري، قوله إن الدولة لم تعد تعمل، و أصبح الاعتماد على توفير الوظائف صعب الاستمرار، مشيرا إلى أنه منذ الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين في عام 2003، زاد عدد موظفي القطاع العام من 650 ألف موظف إلى 4.5 ملايين.
ويعزو الصوري السبب إلى قرار الإدارة الأمريكية بعد عام 2003، بناء نظام سياسي قائم على المحاصصة الطائفية، حيث تتشارك الطوائف في السلطة، لافتا إلى أنه نظام قام على الصيغة المعمول بها في لبنان وشمال أيرلندا، لكنه قام على غالبية شيعية في العراق، أكدت التقسيم الطائفي والرعاية الثقافية والسياسية، بحسب الصحيفة.
وينوه سبنسر إلى أنه خلال هذا النظام، كان القادة السياسيون يوفرون الوظائف لأتباعهم، مقابل غض الطرف عن الفساد، ويقول الصوري: "هؤلاء القادة ليسوا مليونيرات، بل من أصحاب المليارات"، في إشارة للثروة التي بناها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وعدد آخر من المسؤولين.
وبحسب التقرير، فإن الضابط وصاحب محل المفروشات براء عبدالله ينظر للإصلاح بطريقة مختلفة، ويقول: "من لديه شهادة جامعية يجب أن يحصل على وظيفة، هكذا تسير الأمور في العراق".
وتبين الصحيفة أن العراقيين يأملون بالحصول على دعم من دول الخليج في الحرب ضد تنظيم الدولة، إلا أن مسؤولا غربيا علق قائلا: "لم يتلقوا مساعدة من دول المنطقة"، وأضاف: "إنهم يخوضون حربا وجودية بالنيابة عن المنطقة دون أي مقابل" بحسب زعمه، لكنه أشار إلى إنجازات
الجيش العراقي الأخيرة، التي ردت إليه بعض الاحترام، قائلا إن "الطريق طويل قبل أن يعود لما كان عليه قبل 35 عاما، لكنه يتطور بطريقة يمكن فيها للناس الاعتماد عليه".
ويورد الكاتب نقلا عن الفريق الركن الغانمي قوله إنه يمكن أن ينهي حصار الحديثة في عامين، حيث سيتقدم ببطء وينظف حقول الألغام والمفخخات التي زرعها تنظيم الدولة.
وتختم "صاندي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن المتحدث باسم المليشيات الشيعية أحمد الأسدي كان لاذعا في نقده، حيث قال إن الجيش العراقي والعشائر السنية وجدا صعوبة في استعادة المناطق، حتى بدعم من الطيران الأمريكي، وأضاف: "استعادوا الرمادي، وكان الثمن تدمير 80% منها، أما بقية المناطق فلم يكن لديهم القوة الكافية لتحريرها، لو كنا نحن لما واجهنا مشكلة".