أثار خروج زعيم التيار
الصدري مقتدى الصدر في الآونة الأخيرة عن الإجماع الشيعي واستحواذه بشكل لافت على المشهد السياسي
العراقي، تساؤلات عدة حول دوافع ظهوره في هذه المرحلة ودعوته لتظاهرات واعتصامات في بغداد، رغم سعي رئيس الوزراء حيدر
العبادي لمكافحة الفساد والإصلاح.
واحتشد الآلاف من أنصار التيار الصدري، أمس الجمعة، عند مداخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، استجابة لدعوة زعيم التيار، مقتدى الصدر، بالاعتصام احتجاجا على "الفساد".
وبدأ أنصار التيار منذ ساعات الصباح بالتوافد، بعد أن نجحوا في اجتياز جسري "السنك"، و"الجمهورية" المؤديين إلى المنطقة الخضراء التي تضم مقار حكومية، دون تسجيل أية صدامات مع قوات الأمن، وتمكنوا من نصب خيم الاعتصام الخاصة بهم.
انقلاب على العبادي
من جهته فسر ائتلاف دولة القانون تحركات الصدر بأنها غير مرتبطة بالإصلاحات التي نادى بها في وسائل الإعلام إذ إن واقع الحال يثبت عكس ذلك كما أن قطع الطرق والتسبب بشل الحياة في العاصمة بمثابة انقلاب على الحكومة المركزية، حسبما جاء على لسان أحد نواب الائتلاف.
وقال النائب عن ائتلاف دولة القانون جاسم محمد جعفر في حديث لـ"
عربي21"، إن "من يهدد باقتحام المنطقة الخضراء التي تضم مقري الحكومة والبرلمان المنتخبين من الشعب العراقي، لا يريد إصلاح الحكومة وإنما الانقلاب عليها ويجب على الحكومة التصدي له".
وتابع النائب: بأن"أطرافا سياسية وأخرى دينية ممثلة بالمرجعية الدينية تتوسط بين كتلتي دولة القانون، والأحرار التابعة للتيار الصدري، لعقد اجتماع بينهما بغية الخروج من الأزمة التي تسببت بها الاعتصامات أمام المنطقة الخضراء لحياة المواطنين"، لافتا إلى أن "رئيس الجمهورية فؤاد معصوم دعا جميع الكتل السياسية للاجتماع وبحث الأزمة الحالية".
وبخصوص سعي التيار الصدري لاستبدال العبادي، قال النائب جعفر، إن "ائتلاف دولة القانون لا يمانع استبدال العبادي، إذا كان بطريقة دستورية من خلال مجلس النواب، أما إذا كان عبر الاعتصام للانقلاب على الحكومة فهذا مرفوض تماما".
من يقف وراء الصدر
استبعد النائب عن ائتلاف دولة القانون أن تقف دول مثل
إيران و أمريكا خلف تحركات الصدر، قائلا: إن "تصريحات مقتدى الصدر بخصوص السفارات في بغداد أثار انزعاج سفارتي أمريكا وإيران".
وكان الصدر قال في بيان سابق له: "صار لزامًا علينا أن نطمئن البعثات الدبلوماسية أجمع، لا سيما غير المحتل منهم بأننا لا نعتدي على ضيوفنا أبدا.. وإذا أراد الشعب دخول المنطقة الخضراء، فلن يكون هناك تعد عليهم، وإن أي تعد عليهم سيكون تعديا علينا، ونرفضه رفضا باتا وقاطعا".
وأضاف الصدر: "أما سفارات المحتل، أعني السفارة الأمريكية والبريطانية، فقد بعثت لها برسالة في خطابي الأخير بأن عليها السكوت أو الانسحاب من تلك المنطقة، وفي حال تدخلها العسكري أو الاستخباراتي أو الإعلامي فسيكون ذلك، ما يجعلها من الفاسدين، والخيار لها وليس لنا".
من جانبه، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي عدنان التكريتي، عكس ما ذهب إليه النائب عن ائتلاف دولة القانون، قائلا: "عودة الصدر للمشهد لم يكن عفويا، وتحركه بهذا الاتساع مرده شعوره بجماهيريته النابعة من مؤيديه وهم الطبقة الفقيرة التي تتأثر بالخطاب الثورية، بالإضافة إلى وجود دعم خفي من جهة ما".
وأضاف التكريتي في حديث مع "
عربي21": "غالب الظن أن يكون دخول الصدر على الوقائع يصب في صالح سيناريو التغيير المرتقب بالعراق"، لافتا إلى أن "التحرك هذه المرة كان بعيدا عن إيران التي حاولت لملمة الموضوع باجتماع كربلاء الفاشل، وأن اليد الأمريكية هي الأقوى".
ولا زالت الأحداث تعكس صراع الإرادات على الساحة العراقية، وأن العراق بات أمام مشهد إعادة رسم خارطته، بحسب قول التكريتي، لافتا إلى أن هذه الصراعات التي تكشف تصدع البيت الشيعي ليست كلها سلبية للعبادي حتى لو عمل بالضد منها ظاهريا، لكنها تصب في صالح مشروع الإصلاح الذي يرفعه والذي ممكن أن يشمل تفاصيل كثيرة على أن يبقى هو على رأس الحكومة.
وشدد التكريتي على أنه ليس من السهولة الحكم بشكل قاطع حول من المستفيد، لكننا نعتقد أنها تحركات تأتي ضمن سيناريو العراق ما بعد "داعش"، والتي من مضامينها إظهار طبقة سياسية جديدة، بحسب تعبيره.
اعتصامات من أجل العبادي
بدوره، أرجع المتحدث باسم زعيم التيار الصدري صلاح العبيدي الأربعاء، دعوة الأخير للاعتصام إلى أنها "تنويع في أوراق الضغط لرفع العوائق أمام ما طرحه رئيس الوزراء حيدر العبادي من وعود وحزم إصلاحية".
وأضاف العبيدي، في تصريح له، إن "الخطوة التي أقدم عليها السيد مقتدى الصدر بالدعوة إلى الاعتصام كانت غير متوقعة من قبل الآخرين الذين توقعوا اكتفاء السيد الصدر بالتظاهرات"، لافتا إلى أن "رئيس الوزراء لديه نية للإصلاح، لكنه يواجه معوقات من كتل سياسية لا تريد قياداتها التنازل عن مصالحها".
ويرى مراقبون أن دعوة الصدر، قد تتسبب في صدام شيعي- شيعي، وهذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية لإضعاف الدور الإيراني في العراق وإعادة رسم خارطة سياسية للبلاد بعد استعادة السيطرة على الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في غربا وشمالا.