هناك بالانكليزية كلمة مركبة هي freeloader، أو freerider، وتعني أن يستفيد الإنسان من دون أن يدفع الثمن. الرئيس باراك
أوباما استخدم الكلمة الثانية في وصف حلفاء للولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط، ورد عليه من
العرب الأمير تركي الفيصل ردا مفحما، وقرأت ردا مماثلا للشيخ تامر الصباح، رئيس الأمن القومي في الكويت، واللواء ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي.
إذا كان هناك مَنْ تتفق أفعاله مع رأي الرئيس الأمريكي فهو باراك أوباما قبل أي مسؤول آخر في العالم كله. هو قال إن الولايات المتحدة ليست مضطرة أن تكون دائما في المقدمة، ولاحظ أن حلفاء بلاده في أوروبا والشرق الأوسط يقولون كلاما كبيرا ولا يقومون بأفعال من حجمه.
مرة أخرى، هذا الكلام يتفق تماما مع سياسة الرئيس أوباما منذ دخل البيت الأبيض في الشهر الأول من سنة 2009. على سبيل التذكير هو رسم "خطوطا حمراء" تتدخل الولايات المتحدة عسكريا إذا تجاوزها نظام بشار الأسد. النظام استعمل غاز السارين في الغوطتين في 13//8/2013 وقتل 1400 إنسان بريء. وانتظرت السعودية والإمارات والحلفاء الآخرون أن يتدخل أوباما كما وعد إلا أنه لم يفعل.
ما سبق وكثير غيره موجود في مقابلة مع الرئيس أوباما أجراها جيفري غولدبرغ ونشرتها مجلة "أتلانتك" الأمريكية عبر 18 صفحة في عددها الشهري الذي يحمل تاريخ نيسان (ابريل). هو يقول في المقابلة إنه فخور جدا بعدم تدخله.
إذا كان ما سبق لا يكفي فالرئيس أوباما ينصح في المقابلة: أن "يشارك" السعوديون أعداءهم الإيرانيين في الشرق الأوسط. النظام في إيران شعاره "الموت لأمريكا وإسرائيل" وأوباما اختار أن يعقد اتفاقا نوويا يؤخر ولا يلغي أي برنامج عسكري نووي لإيران، ولم يُغضِب فقط "ما يسمى الحلفاء العرب"، وهذه عبارته لا عبارتي، بل أغضب إسرائيل والكونغرس.
المواقف التي أبداها باراك أوباما في المقابلة ليست جديدة فهو في خطاب له سنة 2002 ضد الحرب في العراق خاطب الرئيس بوش الابن قائلا: تريد أن تقاتل أيها الرئيس بوش، دعنا نقاتل ما يسمى حلفاءنا في الشرق الأوسط... هو بعد ذلك هاجم السعودية ومصر فلن أدخل في التفاصيل، وإنما أقول إنه لم يهاجم إسرائيل على رغم ما ترتكب من احتلال وقتل وتدمير، وأحيانا مجازر ضد الفلسطينيين. وبلاده دائما على استعداد لاستعمال الفيتو لتحمي إسرائيل من الإدانة في مجلس الأمن.
بقيت لباراك أوباما في الحكم تسعة أشهر أو نحوها. وهو دخل واعدا بأن يسحب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق، وفعل جزئيا، ووعد بأن يغلق معتقل غوانتانامو ولم يفعل. كان شعاره في حملته الانتخابية الأولى "نعم نستطيع"، وتحدث عن "تغيير". عندما لم يحقق شيئا مما وعد أصبح شعاره الآن كان يمكن أن يصبح الوضع أسوأ كثيرا. مع ذلك أسجل له أنه أنقذ الاقتصاد الأمريكي.
لا أدري ماذا سيكتب المؤرخون عن سنوات أوباما الثماني في البيت الأبيض. ما هو مبدأ أوباما؟ ربما كان الانسحاب من دور الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم، إلا أنه مبدأ مطاط، فقد تدخل في ليبيا ولم يتدخل في سورية، وهو قال مرة بعد مرة إن إيران دولة تؤيد منظمات إرهابية (أقول له إن حماس حركة تحرر وطني وإسرائيل هي الإرهاب)، وإنها "خطر على إسرائيل وحلفائنا الآخرين في الشرق الأوسط"، وإنه لم يقل يوما إن "على الولايات المتحدة أن تلقي السعوديين من السفينة وتفضل إيران عليهم".
ربما هو لم يقل هذا إلا أن هذا ما يفعل، فهو لا يريد دخول حروب يعرف أن النصر فيها غير ممكن. بل إنه لا يريد أن يساعد حلفاءه على الدفاع عن أنفسهم، وإنما يتهمهم بأنهم يريدون الفائدة، أو ركب الحافلة، من دون أن يدفعوا الثمن أو الأجر. ماذا دفع هو؟ الكلام الكبير الذي يتهم حلفاءه بأنهم يقولونه ولا يفعلون شيئا... هو "بيّاع حكي" بامتياز.
(عن صحيفة الحياة اللندنية ـ 23 آذار/مارس 2016)