نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا حول تفجيرات
بروكسل، التي وصفتها بالوضع "الطبيعي الجديد"، وتقول إن "بروكسل كانت تخشى وقوع
الهجمات وتتوقعها، ومع ذلك، فإن هذا لم يخفف من الألم والصدمة، عندما وقعت في 22 آذار/ مارس في مطار (زافنتيم)، وبعدها بساعة في نظام المترو، وحتى كتابة هذا التقرير، كان عدد القتلى 30 والجرحى 200 على الأقل، جراح بعضهم خطيرة، ووصف رئيس الوزراء البلجيكي تشارلز مايكل الهجمات بأنها (عمياء وعنيفة وجبانة)".
وتضيف المجلة أن "أوروبا ستعيش على مدى الأيام القادمة حالة من الحزن؛ ألما على حياة الأبرياء، وغضبا تجاه من قام بهذا العمل (بعضهم مواطنون) باسم الجهاد، وتساؤلات عن مدى تمكن الشرطة والمخابرات، وأخيرا، وبعد أن تهدأ نشرات الأخبار وعناوين الصحف، استسلام حذر".
ويشير التقرير إلى دروس الهجمات قائلا: "هناك درسان واضحان، الأول هو أن
تنظيم الدولة، وبالرغم من كونه في أعلى قائمة المطلوبين لسنوات، بقي قادرا على القيام بهجمات متزامنة في قلب أوروبا، والدرس الثاني هو أن على المدن الكبرى في أوروبا وأمريكا أن تعتاد على حملة طويلة من الإرهاب، الكل مستهدف فيها".
وترى المجلة أن "صمود تنظيم الدولة سيسبب قلقا، ويجب أن يفعل، حيث أتت التفجيرات بعد أيام من اعتقال صلاح عبد السلام، المشتبه به الرئيسي في هجمات
باريس، التي ذهب ضحيتها 130 شخصا، وقد وجد ملاذا آمنا في بيوت أصدقاء متعاطفين وجيران على بعد شوارع من بيته في حي مولينبيك، وهو أحد أحياء بروكسل، فمن الواضح أن بعض الناس مستعدون لتأييد أسلوب عبد السلام، وإن لم يكونوا هم على استعداد لغمس أيديهم في دماء أبناء بلدهم".
ويلفت التقرير إلى أن "تنظيم الدولة يتمتع، بالإضافة إلى الدعم، بخبرة ومجندين؛ فبالرغم من وجود 18 جهاديا في ستة بلدان أوروبية في السجن؛ بشبهة المشاركة في هجمات باريس، إلا أن التنظيم استطاع توفير ما يكفي من الجهاديين للقيام بعملية منسقة معقدة على مرآى ومسمع من السلطات في بروكسل، وربما خلال فترة إنذار بسيطة، واستنتج المسؤولون الفرنسيون أن تنظيم الدولة تعلم تصنيع المتفجرات من الكيماويات المتوفرة، مثل صبغة الشعر ومزيل صبغة الأظافر، ولا يزالون يحاولون الظفر بأي من صانعي القنابل التابعين للتنظيم، ويحاولون اختراق اتصالات الجهاديين".
وتعتقد المجلة أن "التهديد الإرهابي باق، ولا يبدو أنه على وشك التلاشي، فبعض من سيتحولون إلى إرهابيين سيتم تجنيدهم محليا، وقد غادر أوروبا آلاف الشباب والشابات للالتحاق بما يسمى (الخلافة) في سوريا والعراق، حيث تم تدريبهم وتلقينهم، حيث إن ليبيا في حالة غليان وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة في منافسة شديدة؛ ليثبت كل منهما مؤهلاته الجهادية، فما هو شبه مؤكد أن هناك المزيد من الهجمات في مدن أخرى".
ويتساءل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "كيف يجب على الحكومات أن تتصرف؟ نقطة البداية هي الوعي أن هدف الإرهابيين هو الحصول على رد فعل مبالغ فيه، فهم يفرحون عندما يعد السياسيون، مثل دونالد ترامب، لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وعندما يقول زعماء أوروبا الشرقية إنهم سيقبلون اللاجئين من سوريا فقط إن كانوا مسيحيين، وعندما تقارن رئيسة الجبهة الموطنية في فرنسا مارين لوبان، بين صلاة المسلمين في الشوارع والاحتلال النازي، فإن هذا التعصب يساعد في تحويل الساخطين إلى متطرفين ثم إلى مفجرين، وفي الوقت ذاته يفرح تنظيم الدولة عندما تقف الدول الغربية طويلا عند عشرات من الناس يموتون في الغرب، ولا تعير اهتماما لمئات المسلمين الذين يموتون بالقنابل في بيروت وتركيا، أو الملايين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين، والذين يعانون من الحرب الأهلية السورية، فيجب أن تركز السياسة على تقسيم المتطرفين، بدلا من دفع التيار العام إلى أحضانهم".
وتنوه المجلة إلى أن هناك "أولوية مهمة أخرى تساعد كثيرا على منع حصول رد فعل مبالغ فيه، وهي طمأنة الناس العاديين بأن الحكومة تعمل على حمايتهم، وقد يعتقد بعض السياسيين أن التخوف العام من الموت في هجوم إرهابي ليس منطقيا، وقد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة مع مجلة (ذي أتلانتك) كيف يحب تذكير موظفيه بأن عددا أكبر من الأمريكين يموتون جراء السقوط داخل حماماتهم، لكن الإرهاب يختلف عن وفاة الحوادث أو حتى القتل العشوائي، حيث إن قوة رد الفعل الشعبية للإرهاب ناتجة عن شعور بأن الحكومة غير قادرة على الوفاء بمسؤوليتها في حمايتهم من العدو، فالخوف الذي يولده الإرهاب ليس وهما إحصائيا، لكنه شعور بأن أناسا لا يتوقفون عند حد ينظمون موامرة ضد الدولة".
ويعلق التقرير بالقول: "عندما يطلب من الحكومات تقديم التطمينات دون رد فعل مبالغ فيه، فإن تلك الحكومات تعاني، ففرنسا، التي عانت بشدة من هجومين، لا تزال تعيش حالة طوارئ، وتسمح للشرطة بأن تفتش البيوت دون أمر من المحكمة، وتفرض الإقامة الجبرية على المشتبه بهم، ولا يزال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس وزرائه يصرحان بأن فرنسا في حالة حرب، وقد يكون الكلام القوي وتعليق الحقوق العادية مفهوما مباشرة بعد الهجمات في تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن الآن أصبح مفعول ذلك عكسيا".
وتجد المجلة أن "تحقيق السلام في الشرق الأوسط هو الحماية الأفضل، لكنه، وللأسف، حلم بعيد المنال، لقد حقق التحالف تقدما ضد تنظيم الدولة وخلافته، الذي يتضاءل ويخسر من قوته البشرية، لكن القضاء عليه يحتاج إلى قوات عراقية برية (ليست جاهزة بعد)، وقوات برية في سوريا (لا تزال غير موجودة)، وقدرة تنظيم الدولة على إلهام الإرهابيين ستستمر، وعلى أي حال، فإن لدى الغرب جهادييه الذين يتوجهون ذاتيا نحو التطرف، وهناك حاجة لمعرفة كيفية التعامل معهم".
ويستنتج التقرير بأنه "لذلك فإن على الشرطة والمخابرات العمل في المجالات كلها، من المراقبة إلى عملية مكافحة التشدد، وإحدى القضايا التي يمكن علاجها مباشرة هي قلة الاستثمار، فأنظمة الحاسوب القديمة تعرقل التعاون، ويحتاج الأمن أيضا إلى اختراق الشبكات الجهادية ومؤيديهم، معتمدا في ذلك على تجنيد مخبرين ومعلومات محسنة عن الاتصالات".
وتستدرك المجلة بأنه "بالرغم من تحسن انتقال المعلومات بين الأجهزة المختلفة، إلا أن قوانين الخصوصية تعرقل مشاركة المعطيات، ويعمل الجهاديون عبر الحدود بشكل أسهل من المخابرات (ويشكل الاستفتاء حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه عقبة أخرى)، كما يجب تحسين أساليب الشرطة والسجون لمنع تحول المجرمين العاديين إلى متطرفين، ويجب إنهاء العزلة الاقتصادية والثقافية للأحياء مثل مولينبيك".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول: "سيستاء الكثير من الناس من الصراع المستمر بين الأمن والحرية، لكن ما دام الجهاديون يهددون الغرب، فإنه لا مفر من التصرف، فمرحبا بكم في الواقع العادي الجديد".