لم يعد خافيا على أي مُراقب، أن هناك رغبة رسمية لإزاحة الكتلة الصلبة، التي شكلت القلعة الحصينة، لحراسة منجزات حراك المعلمين، والتي كانت وراء ميلاد النقابة، أو لنقل انتزاعها -إن تحرَّينا الدقّة في التعبير- بعد أن كانت مِن المُحرمات، طيلة السنوات الفائتة.
الإخوان المسلمون جزء بسيط من هذا التكتل، وإن كان الأكثر تأثيرا، بحكم الخبرة والتنظيم، والجُرأة التي كانت سببا في إلهاب المشهد الحراكي وتعظيمه، باتجاه تحقيق هذا المنجز التاريخي، للمعلم بالدرجة الأولى، وما تبعه من انعكاسات إيجابية على العملية التعليمية بِرُمَّتها، وتَصويبٍ للنظرة المُزرية لهذه المهنة، مما أعاد لها شيئا من بريقها الخابي.
كان الإخوان أوفياء لزملائهم في المهنة، وشركائهم في النضال، وعبروا عن ذلك بتقديم زميلهم مصطفى الرواشدة - ذي الخلفية البعثية - لموقع النقيب، مؤكدين على أن ساحة العمل في النقابة، ينبغي أن تظل في إطارها المهني الخالص من أي شائبة.
ورغم محاولات التأثير على سير الانتخابات في الدورة الثانية للنقابة، فقد تمكن هذا الائتلاف من حصد الأغلبية في مقاعد الهيئة التأسيسية، وظل ثابتا على مَبدأ التَّشاركية، وإن كان قدّم الدكتور حسام مشّة - المحسوب فكريا على جماعة الإخوان - لموقع النقيب، فأدى أداء مرنا متوازنا، حافظ فيه على مُنجزات المعلمين، ونفي سيل التشويه الذي تعرض له الحراك النقابي، وشكل المجلس صخرة انكسرت عليها سلسلة من المضايقات الهادفة لعزل النقابة، أو تعطيلِ دورها في خدمة المعلم، والدفاع عن حقوقه الأخلاقية والقانونية والمدنية، بعد أن تعدى دور النقابة الإيجابي حدودَها، ليخدم القطاع العام كله، بما فيه القطاع النقابي، في مسألة عدم تمرير قانون الخدمة المدنية، المجحف بحق موظفي الدولة، وكسر عديد من القرارات التعسفية لوزير التربية، بحق بعض الكوادر التعليمية في النقابة، بناء على أدائها المعاند لسياساته التعسفية، بحق العاملين في المستويين الإداري والمهني.
المُخجل في المسألة، أن الذريعة التي يتكئ عليها الأمني، ومَن يخدمون توجهاته، في مُحاولة السيطرة على زمام النقابة، هي أنّ الفريق المسيطر الآن، فريق إسلامي أيديولوجي، ويجب إزاحته، لأن له أجندات سياسية خارجية، ويشكل خطرا على الدولة، علما أن الدولة هذه تتبنى الديمقراطية -كما يقولون- ولديها وزارةٌ ووزيرٌ للتنمية السياسية، وفيها ما يزيد على (45) حزبا مرخّصا، من بينها حزب جبهة العمل الإسلامي، و (30) حزبا تحت التأسيس.
والأكثر غرابة أن الذين يتصدرون الواجهة، ويتمُّ العمل لصالحهم، ليكونوا بُدلاء لمجلس النقابة السابق، هم أيضا تكتل له مرجعيّاته الفكرية والحزبية من: قوميين وبعثيّين وشيوعيين يساريين، وبعضهم موظفون إداريُّون في مديريات التربية، والتي أصبحت مقارا انتخابية لهم، يمارسون من خلالها ضغوطا، ويرسلون إيحاءات مباشرة لمديري المدارس، باتجاه دعم هذا التوجّه، والتأثير على كوادرهم لخدمته.
وفي المقابل فإن ضغوطا كبيرة تمارس، وعلى المستقلين تحديدا -وهم الأغلبية- للانسحاب من الإتلاف الذي يضم الإسلاميين، أو للانضمام للتجمُّع الذي تمّ مُباركته لمواجهتهم، وفي هذا خرقٌ كبير للقوانين المرعية، وضوابط النزاهة، ومؤشرٌ كبير على سلبية الحكومة، وغياب الشفافية، وانهدام الثقة، حتى في ما يتعلق بالانتخابات البلدية والنيابة القادمة، لأنها محكومة –قطعا- بذات العقلية العُرفية المفتقرة لأدنى درجات المصداقية والحياد، والتي تُشكل عامل توتر في المشهد العام، وربما تصبح عامل تهديد للحياة المدنية، والسلم المجتمعي في الدولة، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه اليوم.
والأغرب من ذلك، أن العدد الأكبر من هؤلاء كانوا ضد حراك المعلمين، وكانوا يتعاملون معه بسلبية شديدة، ويبذلون جهدهم لإفشاله، ومنعه من وصوله إلى أهدافه وطموحاته، وهم اليوم يتصدّرون مشهد الانتخابات ويطلبون ثقة الكوادر التعليمية، ويُعلقون على شمّاعة الإخوان افتراءات وأكاذيب لا سند لها، وتؤازرهم الصحافة والإعلام في تشويه منافسيهم، واتهامهم بتسييس النقابة، مع أنهم لا يستطيعون أن يقدموا قرارا واحدا برقمه وتاريخه من مجموع (2000) قرار، اتخذت في المجلسين السابقين للنقابة، تُثبت صدق مزاعمهم بهذا الاتجاه.
إن الخلفية الفكرية لأي منتسب للنقابة لا ينبغي، ولا يجوز، أن تكون حائلا أو مانعا له من ممارسة حقّه المهني، باعتباره معلما، أو منتسبا لمهنة التعليم، بحكم الوظيفة والعمل، لأنه في النهاية مواطن أردني، يعمل في إطار الدستور، وتحت مظلة القانون الناظم للحياة المدنية، ولأن هذا الفعل ينقض فكرة مدنية الدولة، التي ترتكز عليها السلطة من الأساس، ويضعُها في سياق المزاعم والادعاءات، التي يدركها المواطن، ولا يجد عليها دليلا على أرض الواقع، مما يجعله يبني على أساسها موقفَه من المؤسسة، ونظرته للدولة برمتها، وما قد يتبع ذلك من تداعياتها خطيرة على الحياة العامة، إذا لم يتم التدارك والتصويب، لهذه الاختلالات، التي شكلت القاعدة الأولى لانفجار الواقع المجتمعي في دول الجوار.
إن المصداقية لا تتجزأ، والثقة لا تُبنى على أساس من المزاعم يفتقر إليها الواقع، وتنفيها السياسات، وتتعارض معها الإجراءات، والنزاهة ليست مجرد تصريح صحفي عابر أو مقالة في جريدة يومية.
من هنا فإننا نرى أن تصويب الأداء الرسمي، ليكون ترجمة حقيقية لنصوص الدستور، وتعبيرا صادقا عن القوانين، ودليلا عمليا على احترامها، يشكل الضامن الحقيقي، لإقناع الرأي العام، وتجميعه على حراسة الوطن، وخطوة مبدئية باتجاه إجراء التحول نحو الديمقراطية، ابتداء من النقابات، وانتهاء بالبرلمان ومجلس الأمة، بعد مسيرة طويلة من التخبّط والالتواء والعرج، منذ عام 1993م وحتى الآن.