كتب أسامة عجاج: السذج فقط، هم من يظنون أن المستشار
هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في
مصر، الذي تمت إزاحته من منصبه بقرار جمهوري، يدفع ثمن تصريحه الشهير بأن فاتورة الفساد في مصر وصلت إلى 600 مليار جنيه مصري، فهي ليست جديدة، وقد سبق له أن صرح هو وآخرون بها في مناسبات مختلفة، والدولة بتعدد أجهزتها الرقابية تعرف تماماً أن الفاتورة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، ويكفي بند واحد يتعلق بمجموعة من رجال الأعمال الذين استولوا على أراضي الدولة، بالتدليس وبالأساليب الملتوية.
وحسنو النية، من يعتقد أن سبب الإقالة أنه ينتمي إلى الإخوان المسلمين، على اعتبار أنه تم تعيينه في منصبه من قِبل الدكتور محمد مرسي، أو أنه متعاطف مع الإخوان، فالأجهزة الرسمية أو من تدرك عدم صحة ذلك، والرجل له تصريحات قاسية في نقد عام من حكم الإخوان، وملاحظات حتى على موازنة رئاسة الجمهورية في عهد الدكتور محمد مرسي، كما أن فكرة أنه تولى منصبه في زمن الإخوان تبدو ساذجة، على اعتبار أن الفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع في ذلك الوقت، الذي أصبح رئيساً للجمهورية هو من اختيار الدكتور محمد مرسي أيضا، أما الدعاية السوداء فمن عينة الحديث عن ارتباطات عائلية للرجل بعائلات فلسطينية من قطاع غزة فلو في الأمر ملاحظة أو مخالفة، لما ترك في عمله لسنوات في أرفع المناصب القضائية.
الإقالة لم تكن مفاجئة لأحد، حتى المستشار هشام جنينة نفسه، الذي تعرض إلى ضغوط عديدة لدفعه إلى تقديم استقالته، باعتبارها النهاية المرجوة من دوائر صنع القرار في مصر، وكانت البداية في القرار الجمهوري بقانون 89 لسنة 2015 الذي أصدره الرئيس السيسي، بحكم توليه مسؤولية التشريع في غياب مجلس النواب، وجعل من سلطات الرئيس أن يعفي رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة من مناصبهم في أربع حالات، كلها عبارات مطاطة،، يومها أطلق الجميع على ذلك القرار، بأنه «قانون جنينة» وتمهيدا للعزل، وكان ذلك قبل التصريحات اللازمة للمستشار هشام جنينة.
ولم يمر سوى عدة أشهر حتى جاءت الخطوة الثانية، بتعيين نائبين لرئيس الجهاز دون استشارته أحدهما هو المستشار هشام بدوي، أحد رجالات أحمد الزند فقد عمل مساعدا لوزير العدل لمكافحة الفساد، وأصبح الجميع على يقين بأن أيام جنينة معدودة، حتى جاءت التصريحات المشكلة.
وبعدها دارت العجلة، وأصدر رئيس الجمهورية قرارا بتشكيل لجنة لبحث تصريحات جنينة، من ممثلي وزارات لجهاز المحاسبات عليها ملاحظات، ومنها الداخلية والعدل، لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تجاوزه إلى الإعلان عن تشكيل لجنة برلمانية للبحث فيما قاله المستشار جنينة، والغريب أنها لم تنعقد، ولم تقم بأي دور، رغم تصويت المجلس على إنشائها منذ شهر ونصف، اللجنتان لم تستمعا إلى وجهة نظر المستشار جنينة...
الإقالة هي إحدى جولات لم تبدأ اليوم ولكنها مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات بين تيارين في القضاء، الأول يجسده قضاة الإصلاح وتيار الاستقلال، وتم التنكيل بكل رموزه، ومنهم من وراء السجون مثل المستشار محمود الخضيري، ومنهم من تم عزله مثل زكريا عبدالعزيز ومعه آخرون، وانضم إليهم هشام جنينة.
أما التيار الثاني فهو الذي يتزعمه أحمد الزند، والخلافات بينه وبين المستشار هشام جنينة وصلت إلى منصات القضاء، والإقالة ثانيا هي تعبير عن قوة الدولة العميقة في مصر، وقدراتها في إزاحة أي شخص يمس مصالحها، فالفائز في معركة المستشار هشام جنينة، هو مجموعات أصحاب المصالح والديناصورات في مصر، الذين عاثوا في الأرض فسادا وإفسادا، ووجود المستشار جنينة حجر عثرة أمام مصالحهم، التي نجحت عبر الإقالة والحملات الإعلامية ضد الرجل، في صياغة دور جديد للجهاز، واستبعاده من وظيفة مكافحة الفساد، وقصرها على الرقابة والنيابة الإدارية فقط.
(عن صحيفة العرب القطرية)