خلال أربع سنوات مضت، قفزت
عمان أربع خطوات للأمام في تصنيف الدول الأكثر
غلاء في تكاليف
المعيشة عربيا وعالميا، لعام 2015، لتصبح الأولى عربيا وعلى مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، وفي المستوى الـ48 عالميا، كما جاء في تقرير تكلفة المعيشة الصادر حديثا عن مجلة "الإيكونومست" البريطانية.
وتقدمت عمّان، على مستوى الشرق الأوسط، على مدن مثل أبو ظبي ودبي والدوحة، فيما صنفت مدينتا الرياض وجدة من بين المدن الأقل تكلفة.
لكن تبدو الأسباب متعددة، ومختلفة بحسب الرؤى والتصورات التي ينظر إلى التصنيف من خلالها.
وفي هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، الدكتور جواد العناني، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أن التصنيف يرتكز - ربما - بشكل أكبر على القطاع السياحي، معتبرا أن ما يجده السياح القادمون إلى عمّان يعكس نسبة كبيرة من الغلاء الموجود في قطاعي الفنادق والمطاعم بشكل خاص.
ولفت إلى أن المقارنة بين المدن لا تقوم على أسس متشابهة، "والقبول بسهولة بأن عمان أغلى مدينة على المستوى العربي والشرق الأوسط ليس دقيقا"، وفق تقديره.
لا أثق.. وهي ليست رخيصة
إلا أن العناني عاد للإشارة إلى أن عمان فعلا تعاني من الغلاء، قائلا: "بالمناسبة هي ليست رخيصة"، خاصة بعد رفع
أسعار الكهرباء والماء والوقود بمشتقاته، لكن "الناس يأخذون هذه المعلومة مناسبة لحديث يطول ولا يقصر حول هذا الأمر".
وأوضح أن أهم العوامل أو الأسباب التي قدمت عمّان على سلم المدن الأكثر غلاء؛ أن التجار عموما يتصرفون بقدرة احتكارية عالية، بالإضافة إلى البضائع المستوردة الغالية ونسبة الجمارك العالية، فالدولة التي توظف أكثر من 42 في المئة من القوى العاملة؛ تصبح بين فكي كماشة، إما العجز أو تخفيض الجمارك، كما يقول العناني.
وبحسب نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، فإن السبب الأهم في هذا التصنيف يعود إلى النمو والزيادة السريعة والكبيرة في عدد سكان المملكة، ما ولّد شعورا بالندرة، في حين أن مستويات الدخل تراوح مكانها والرواتب لا تزيد.
سياسات خرقاء
من جانب آخر، يرى المحلل الاقتصادي خالد الزبيدي، أن هذا التصنيف الذي جعل عمّان الأولى عربيا بمعدل 85 لتكلفة المعيشة، يعتبر انعكاسا حقيقيا للسياسات المالية الحكومية الفاشلة، الأمر الذي رتّب زيادة في الكُلف على المستثمر والمستهلك معا.
والمقياس الذي يعتمده التقرير هو مدينة نيويورك، كمتغير ثابت، وهي التي مُنحت معدل 100 في تكاليف المعيشة، وتجري مقارنة المدن الأخرى بناء على هذا المعيار، فيما حلّت سنغافورة في المرتبة الأولى كأغلى مدينة في العالم.
وقال الزبيدي في حديث لـ"
عربي21"؛ إن "السياسة الخرقاء التي تعتمد رفع السلع الارتكازية وفرض الضرائب والرسوم؛ هي أهم سبب عام لهذا الأمر". فحينما يكون متوسط دخل الفرد بين 6 و7 آلاف دينار في العام، ثم يدفع مقابل كل كيلوواط من الكهرباء 38 قرشا، "فإن هذا يعتبر نوعا من الجنون الحكومي"، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أن الأمر سيزداد سوءا فيما لو طبقت الحكومة برنامج التصحيح الاقتصادي الجديد، الذي يُلزم الحكومة بتخفيض مستوى الدين، بحدود خمسة مليارات دينار خلال هذا العام.
واعتبر الزبيدي أن الحكومة "لا تملك خيارات لتسديد هذا الرقم إلا من خلال إحدى طريقين، المنح الخارجية، وهي متوقفة حاليا، أو من خلال فرض الضرائب، وهي الطريق الأسوأ، والتي تجعل عمان تتقدم أكثر للأمام في مستويات الغلاء وكُلف المعيشة".
لا تصدّقوا هذا
وفي المقابل، رأى رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، الدكتور محمد عبيدات، أن 70 في المئة من الأسعار في الأردن إما ثابتة أو منخفضة، وذلك استنادا لدراسة حديثة أجرتها الجمعية وسُلّمت مؤخرا للحكومة الأردنية.
وأكد عبيدات في حديث لـ"
عربي21"؛ أن "تصنيف الإيكونومست لا يمكن تصديقه"، وذلك بسبب اعتماد التقرير على مقارنات سلعية بين عمان ودبي ونيويورك، "مع أن القدرات الشرائية مختلفة، في حين تم القياس داخل عمان على مناطق ذات ثراء، مثل دير غبار وعبدون والشميساني، وهي لا تشكل سوى 5 في المئة من سكان عمان.
وأشار إلى أن ما يؤكد عدم صدقية التقرير أن نسبة التضخم في الأردن أقل من 0.0 في المئة. وقال إن الدراسة التي أجرتها الجمعية شملت 375 سلعة كانت أسعارها إما ثابتة أو منخفضة، باستثناء القليل من السلع التي تعاني قصورا في الرقابة الحكومية.
ولفت إلى أن نسبة الاقتصاد غير الرسمي تشكل ما بين 30 و35 في المئة من مجمل الاقتصاد الأردني، وهذا أسعاره متدنية، وفق تقديره.
يشار إلى أن التقرير الذي أعدته مجلة "الإيكونومست" شمل 133 مدينة في العالم، وقد اعتمد على قياس تكاليف 160 خدمة ومنتجا، غذائيا وكسائيا ورسوم فواتير، حيث تتم المقارنة مع مدينة نيويورك التي تستخدم كمتغير ثابت.