- الحركة الإسلامية ستعود من جديد وبقوة وسيزداد إيمان الناس بها
- خيار الإسلاميين الوحيد هو الصبر وتوحيد الصفوف والثبات على الفكرة
- لم يعد هناك تنظيم دولي للإخوان المسلمين منذ اندلاع الربيع العربي
- الغرب كان على استعداد للتفاهم مع الحركات الإسلامية التي وصلت للحكم
- اللجوء إلى العنف يزيد من حالة الارتباك ويورد المهالك وتداعياته كارثية
قال الأكاديمي والإعلامي المختص بالفكر السياسي الإسلامي، الدكتور عزام التميمي، إن الحركة الإسلامية تلقت ضربات "شبه قاصمة؛ إلا أنها لم تفشل"، مؤكدا أنها "رأس حربة في مشروع التغيير، الذي سيكون صعبا ومؤلما وطويلا، ويحتاج إلى الصبر والثبات والتحمل".
ورأى -في حوار خاص لـ"
عربي21"- أن أبرز التحديات التي تواجه الحركة الإسلامية؛ هي أن تعيد توحيد صفوفها، وتجمع أبناءها وأنصارها على كلمة سواء"، مؤكدا أنها "لم تقع في أخطاء يمكن أن يعزى إليها إجهاض الربيع العربي".
وشدّد على أن اللجوء إلى العنف يزيد من حالة الارتباك، ويسهل على الأنظمة التي وصفها بـ"الطاغوتية" التغول في استخدام البطش لمقاومة كل معارض، سواء لجأ إلى العنف أم التزم بالسلمية.
وأكد "التميمي"، المقرب من قيادات في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أنه "لم يعد هناك تنظيم دولي للإخوان في أرض الواقع"، مؤكدا أنه "انتهى منذ أن مهد الربيع العربي السبيل أمام الحركات الإسلامية للانخراط في النشاط السياسي في أوطانها".
وقال إن "الخيار الوحيد المتاح أمام الحركة الإسلامية؛ هو الصبر، وإعادة توحيد الصفوف، والثبات على الفكرة"، مؤكدا أن "الحركة الإسلامية ستعود من جديد، وبقوة، وسيزداد إيمان عدد أكبر من الناس بصدقيتها وجدواها".
وإلى نص المقابلة:
* كيف ترى واقع الحركة الإسلامية حاليا؟
- ليست الحركة الإسلامية الآن في أحسن أحوالها، بسبب الضربة القاسية التي تلقتها كبرى الحركات على المستوى العالمي؛ جماعة
الإخوان المسلمين. فقد أثرت هذه الضربة سلبا على أوضاع جميع الحركات الإسلامية، حيث اضطر بعضها لاتخاذ خطوات إلى الوراء، بينما تعرض بعضها الآخر لتنمر الأنظمة عليها.
وهذه الحملة على الحركات الإسلامية، وعلى الإخوان المسلمين بشكل خاص، غير مسبوقة، منذ أن تأسست جماعة الإخوان عام 1928. ورغم أن الجماعة تعرضت لمحن عديدة إلا أن الحملة الحالية تشن بتواطؤ من قوى إقليمية وقوى دولية، ناهيك عن القوى المحلية الكارهة للإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي.
هل فشل المشروع الإسلامي في السنوات الأخيرة؟*
- الذي فشل فشلا ذريعا ليس المشروع الإسلامي، وإنما مشروع مشاركة الإسلاميين في السلطة، وليس ذلك بسبب عيب في الإسلاميين ومشروع الإسلام السياسي، وإنما لرفض الآخرين لمبدأ المشاركة.
وإن الأنظمة الاستبدادية الفاسدة، والنخب المتحالفة معها، تخشى أن تتكبد خسارات فادحة من خلال التنازل ولو عن بعض الصلاحيات التي تمتعت بها دهرا طويلا، ولذا فهي لم تقبل التحول السلمي التدريجي نحو الديمقراطية؛ من خلال المشاركة في السلطة، والاعتراف بالتعددية، والإقرار بحقوق الإنسان والحريات المدنية. ومثل هذا التعنت هو الذي أدى في النهاية إلى انفجار الشارع العربي في وجوه هؤلاء الحكام، فيما بات يعرف بـ"الربيع العربي".
وبدا أن الشارع مصمم على خلع كل هؤلاء الذين رفضوا المشاركة ووقفوا في وجه الإصلاح، إلا أن الذي انخلع كان وجه الأنظمة، وبقيت الأنظمة متجذرة في الدول العربية. والذي كان محتما هو أن تجتث هذه الأنظمة بكل ما فيها من فساد وانحراف؛ من خلال دورات متتابعة ومتعاقبة من الثورات الشعبية، تماما كما حدث في الثورة الفرنسية وفي دول أمريكا اللاتينية، التي تحولت نحو الديمقراطية عبر عقود من النضال.
* هناك من يتهم الحركة الإسلامية بأنها تلقي بفشلها دوما على الحرب التي تشن ضدها، وتسوغ ذلك بأنها تعيش في محنة وابتلاء، دون أن تفكر وتخطط لكيفية الخروج من هذه المحن؟
- لا أوافق على هذه الفرضية، فالحركة الإسلامية لم تفشل أصلا، وهي رأس حربة في مشروع التغيير، ومشروع التغيير سيكون صعبا ومؤلما وطويلا، ويحتاج إلى الصبر والثبات والتحمل، ومن هنا يأتي الحديث عن الثبات أمام المحن.
والحركة الإسلامية ليست بدعا في البشرية، بل كل من ناضل من أجل الحرية والكرامة والانعتاق من الظلم والتخلف والتبعية؛ عانى وناضل وتكبد، ثم بعد أن صبر وثبت؛ نجح، ولو بعد حين. ولنا في التاريخ عبر كثيرة، ومن يجهل التاريخ يتعجل الحكم. ولنا في القرآن الكريم من العبر ما هو أبلغ، ولكن بعض المسلمين وإن كانوا يتلون القرآن؛ فهم لا يتدبرون آياته، ولا يتعلمون مما في سوره من قصص.
* ما هي أبرز التحديات والعقبات التي تواجه الحركة الإسلامية؟
- لعل أبرز التحديات الحالية؛ أن تعيد الحركة الإسلامية توحيد صفوفها، وتجمع أبناءها وأنصارها على كلمة سواء، وتنطلق بهذه الكلمة السواء إلى عموم الناس؛ لتحملهم على المضي معها واستئناف مسيرة الإصلاح والتغيير. وفي هذا السياق؛ تواجه الحركة الإسلامية إشكالية تدني الوعي لدى كثير من الناس في المجتمعات العربية، وكذلك تدني الاستعداد للتضحية والتحمل. ولكن لا يمكن الارتقاء بمستوى الوعي الشعبي قبل أن تستعيد الحركة الإسلامية عافيتها.
* ما هي أبرز الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية في فترة "الربيع العربي" وما بعدها؟
- الحركة الإسلامية مشروع بشري يقوم عليه أفراد يجتهدون ويصيبون. ولعل الأيام تكشف بشكل أدق وأصح عن أوجه الخلل والإخفاق. إلا أنني بما يتوفر لدي الآن من معطيات؛ لا أرى أن الحركة الإسلامية وقعت في أخطاء يمكن أن يعزى إليها إجهاض الربيع العربي. بمعنى آخر؛ لا أرى أن ثمة قرار أو فعل لو لم يصدر عن الحركة الإسلامية خلال سنوات الربيع العربي؛ لكانت النتائج مخالفة لما آلت إليه الأوضاع.
* هناك من يقول إن الحركة الإسلامية تفتقر للمراجعات، ولا تعترف بالأخطاء الكبيرة.. ما رأيك؟
- بل هناك
مراجعات ونقد كثير، بل إنه في بعض جوانبه يصل إلى حد جلد الذات، والتسرع في إصدار الأحكام.
* قرأت لك عبارة تقول فيها إن "لسان حال أنظمة الاستبداد في المنطقة العربية: لو كان مفتاح الجنة بيد الإخوان؛ فلا نريد أن ندخلها".. فلماذا كل هذا العداء الداخلي والخارجي لجماعة الإخوان؟
- سبب العداء واضح، وهو الخشية من فقدان السلطة بما تقدمه للأنظمة الاستبدادية ونخبها الحاكمة من امتيازات. يخشى هؤلاء الطواغيت إن تُرك المجال للحركات الإسلامية بأن تضع موضع التنفيذ ما توصلت إليه من فكر سياسي؛ أن ينجم عن ذلك نموذج حكم صالح يتوق إليه الناس في كل المنطقة، بل وما بعد المنطقة حول العالم.
* صنفت كتابا بعنوان "راشد الغنوشي.. ديمقراطي بين الإسلاميين"، ومنذ أيام أعلن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشى، أن حركته بصدد التحول إلى حزب يفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي.. فكيف تنظر إلى إشكالية فصل الدعوي عن السياسي أو الحزبي؟
- لست متأكدا حتى الآن مما يعنيه هذا "الفصل" على أرض الواقع.. ولذلك لما دعيت إلى مؤتمر حركة النهضة الذي ينعقد حاليا في تونس؛ لم أتردد في قبول الدعوة؛ لأنه سيناقش هذا المشروع المقترح. ولا أرغب في التسرع في الحكم على فكرة لعل فيها وجاهة، ولعلها تكلل بالنجاح.
* هل تمثل حركة النهضة نموذجا لتطور الحركات الإسلامية، وانسجامها مع متطلبات المرحلة؟
- أنا أميز بين الفكر السياسي الذي قدمته حركة النهضة، وخاصة زعيمها الشيخ راشد الغنوشي، والممارسة السياسية للحركة التي تمر الآن في ظروف استثنائية، ومن المبكر اعتبارها نموذجا للآخرين، فـ"النهضة" تعمل في محيط تونسي له خصوصياته وتحدياته ومتطلباته، ولذلك نحن بحاجة إلى استلهام العبرة في ما يتعلق بتحقيق المقاصد، وليس في ما يتعلق بالأدوات والأساليب.
- كيف ترى دعوات ومطالب البعض لإخوان مصر بالابتعاد عن العمل السياسي، ولو لسنوات قليلة، ثم العودة تدريجيا؟
- من أراد أن يبتعد عن العمل السياسي لأسباب قاهرة؛ فهو معذور، ومن يرى الابتعاد عن العمل السياسي اجتهادا؛ فهو مأجور. ولكن في كل الأحوال، من يتخلى عن العمل السياسي؛ يخلق فراغا سيسارع غيره إلى ملئه.
أنا شخصيا؛ لا أرى أن النأي بالحركة الإسلامية عن العمل السياسي خيار وارد، إلا أن يحال بينها وبين ذلك بالقوة الغاشمة.
* هناك من يرى أن التنظيم الدولي للإخوان أصبح عبئا على الجماعة، وتسبب في قلق تخوفات لدى كثيرين.. فما رأيك؟
- لم يعد هناك تنظيم دولي للإخوان المسلمين في أرض الواقع، فقد انتهى منذ أن مهد الربيع العربي السبيل أمام الحركات الإسلامية للإنخراط في النشاط السياسي في أوطانها. فقد كانت نشأة التنظيم الدولي لأسباب موضوعية في حينه، وقد أدى وظيفته حينما كانت ثمة حاجة إليه، وإذا استدعت الحاجة عودته من جديد؛ فإن القائمين على الحركات الإسلامية الإخوانية هم من يقررون ذلك.
* أعلنت جماعة الإخوان في الأردن مؤخرا، فك الارتباط مع الجماعة الأم في مصر.. فما هو حجم تأثير هذه الخطوة؟ وكيف تراها؟
- من الناحية التنظيمية؛ لم تكن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مرتبطة عضويا بأي جماعة إخوانية خارج الأردن، وإنما كانت التنظيمات الإخوانية تنسق فيما بينها بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك من خلال مظلة التنظيم الدولي. وهذه الخطوة الأخيرة اتخذت تحت الضغط بسبب انفصال مجموعة من الإخوان وادعائهم بأنهم التنظيم الشرعي.
إن ما يجمع التنظيمات الإخوانية حول العالم؛ هو الفكرة وليس التنظيم، وهناك أطر متعددة للتنسيق بين حملة هذه الفكرة في مختلف المجالات.
* تردد أن هناك ضغوطا على حركة حماس لاتخاذ نفس الخطوة التي اتخذها إخوان الأردن.. ما مدى صحة ذلك وفق معلوماتك؟
- حركة حماس تنظيم فلسطيني مستقل، وعلاقته بالإخوان في الأماكن الأخرى علاقة فكرية عاطفية، وتنسيقية في بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك، ولا يوجد ما تحتاج حركة حماس إلى فعله في هذا المجال.
* تقول إن "الصبر على السلمية أولى من السقوط في أتون حرب أهلية"، ومرشد الإخوان يرفع شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص" لكن الكثير من الشباب يسخرون ويرفضون ذلك.. فهل نجحت السلمية المطلقة في الانتصار للقضايا العادلة؟
- من كان يعتقد بأن العنف هو سبيل التغيير فليفعل ما يريد. أنا شخصيا أعتقد اعتقادا جازما أن استخدام العنف داخل المجتمع الذي ينتمي إليه الإنسان؛ إنما يورد المهالك، وتداعياته كارثية. ومن يظن أن العنف هو سبيل الخلاص فليتأمل في النموذج السوري وحتى اليمني والليبي.
إن الصبر على التغيير السلمي أدعى وأولى، وهو الوحيد الكفيل بإقناع الناس بفتح أعينهم والتمييز بين الحق والباطل. وإن اللجوء إلى العنف يزيد من حالة الارتباك، ويسهل على الأنظمة الطاغوتية التغول في استخدام البطش لمقاومة كل معارض، سواء لجأ إلى العنف أو التزم بالسلمية. وليس أدل على ذلك من أن التطرف والاستبداد وجهان لعملة واحدة. فالتطرف، وخاصة ما ينزلق منه في العنف، هو رد فعل على الاستبداد، بينما المستبدون يلجأون إلى تبرير بطشهم باسم مكافحة الإرهاب والتطرف.
* كيف تنظر إلى علاقة الغرب بالحركة الإسلامية؟
- ليس الغرب هو ألد أعداء الحركة الإسلامية، بل إن في الغرب منظومات تتعامل ببراغماتية، وتسعى للحفاظ على مصالحها كما تراها. وكانت هذه المنظومات على استعداد تام للتفاهم مع الحركات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم بطريقة ديمقراطية، إلا أن الغرب انحاز بعد الانقلاب على الديمقراطية؛ إلى صالح القوى المهيمنة في المنطقة.
إن العدو الألد ليس فقط للحركات الإسلامية، بل وللإسلام والإنسانية؛ هي النخب الفاسدة الحاكمة في المنطقة العربية، والتي تحكم باسم عائلات، أو باسم العسكر، أو بغير ذلك من مسميات. ولقد بات معلوما أن حكومة أبوظبي وحكومة الرياض ومعهما عدد من حكومات العرب التي كرهت التغيير القادم عبر نسائم الربيع العربي؛ عملت بلا كد أو ملل منذ انطلاق شرارة الثورات العربية؛ على إقناع الغرب بأن التغير القادم ليس في مصلحته، ومارست هذه الحكومات تحريضا مستمرا ضد الحركات الإسلامية، ونجحت في ابتزاز بريطانيا -على سبيل المثال- من خلال التهديد بإلغاء عقود بالمليارات؛ إذا لم تتخذ مواقف معادية للإخوان المسلمين.
* ما هي الخيارات المتاحة أمام الحركة الإسلامية؟ وما هو مستقبلها؟
- الخيار الوحيد هو الصبر، وإعادة توحيد الصفوف، والثبات على الفكرة، التي لا تموت مهما تعرضت الأطر الحاملة لها من ضربات قاصمة.
والحركة الإسلامية ستعود من جديد، وبقوة، وسيزداد إيمان عدد أكبر من الناس بصدقيتها وجدواها.
* ما مستقبل تنظيم الدولة؟ ومن المسؤول عن هذه الظاهرة؟
-
تنظيم الدولة الإسلامية -الذي بات يعرف باسم
داعش- ما هو سوى رد فعل على حالة الفوضى التي نجمت عن إجهاض الثورات العربية. وما من شك في أن تنظيم الدولة نجح في استقطاب أعداد من المحبطين والغاضبين من الشباب؛ ليس فقط من دول الثورات العربية، وإنما من دول العالم.
وظاهرة تنظيم الدولة ستتراجع تلقائيا حينما يزول الاستبداد في المنطقة العربية. ولذلك؛ فإن المسؤول الأول عن هذه الظاهرة هو الأنظمة التي حاربت الإخوان المسلمين، وحاصرت حركة حماس في غزة، وضيقت على دعاة الإسلام في كل مكان.