تتبع صحفيون ونشطاء عددا من أهالي منطقة "
تل العقارب" بحي السيدة زينب، بوسط القاهرة، الذين تعرضوا للإخلاء القسري من بيوتهم، أخيرا، واستنتجوا أنهم هم أنفسهم من استعانت بهم وزارة الداخلية، ضمن ما يسمى "المواطنين الشرفاء"، للاعتداء على
الصحفيين، لدى حصار النقابة يوم 4 أيار/ مايو الحالي، في اجتماعها الذي طالبت فيه باعتذار رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وإقالة وزير الداخلية.
وأكد الصحفيون والنشطاء أنه لم يمر على الاعتداء على الصحفيين، ومنهم حمدين صباحي (بالسب والشتم)، وخالد داود المتحدث السابق لـ"جبهة الإنقاذ"، ومحمد الغيطي أحد الأذرع الإعلامية للسيسي، وغيرهم، من قبل أهالي "تل العقارب"، سوى أيام قليلة، حتى كانت قوات الداخلية نفسها، تداهم منازلهم، وتخليهم منها، بالقوة الجبرية.
وأهالي منطقة "تل العقارب" كانوا من أكثر المؤيدين للسيسي، وخرجوا في تظاهرات عدة مؤيدة له، وتمثل منطقتهم إحدى المناطق العشوائية، التي وضعتها السلطات على خريطة تطوير العشوائيات منذ عقود، بدون مرافق أو خدمات، وتملؤها القمامة والمخلفات والمجاري، ويحيط بأهلها العقارب والحشرات والكلاب، ويعيش سكانها بعشش خشبية، وبيوت متهالكة، على مساحة تعادل 100 فدان.
وفي شباط/ فبراير الماضي، صدر قرار بإخلاء المنطقة، وقالت السلطات إن المنطقة تضم 240 عقارا، يسكنه ما يقرب من 530 أسرة، وإنه تم تسكين 165 أسرة في مساكن بديلة بمنطقة 6 أكتوبر، وتبلغ مساحة الوحدة فيها 65 مترا، لحين عودتهم مرة أخرى للمنطقة بعد الانتهاء من تجهيزها.
وهذا ما استبعده المراقبون والأهالي أنفسهم، مشيرين إلى أن الإخلاء يتم لصالح متنفذين من كبار المستثمرين ورجال الأعمال، الذين يتطلعون إلى الاستحواذ على المنطقة، نظرا لموقعها الاستراتيجي وسط العاصمة.
ولجأت سلطات محافظة القاهرة، إلى إخلاء منطقة "تل العقارب"، في خلال الأيام القليلة الماضية، بالقوة الجبرية.
وقامت قوات الأمن المركزي بتطويق ومحاصرة المنطقة، ومنعت الأهالي المتواجدين من الوصول إلى مساكنهم للإقامة بها مرة أخرى.
وقطعت محافظة القاهرة المياه والكهرباء عن المنطقة، لإجبار سكانها على الرحيل، وإخلاء المكان، بعد رفضهم ترك أماكنهم بسبب دمج عدد من الأسر في شقة واحدة بالمساكن البديلة، علاوة على وجود عدد من السكان داخل المنطقة لم تشملهم كشوف الحصر.
خطاب السيسي إشارة البدء
وكان السيسي طالب في خطاب ألقاه الخميس 12 أيار/ مايو الحالي، بمناسبة افتتاح مشروع إسكان اجتماعي بمدينة بدر، بإخلاء وهدم المناطق العشوائية، وتعويض أصحابها، قائلا: "لو أهالينا أخلوا المناطق دي هنخلصها في سنتين مش 3 سنوات، وبوعدكم أننا هنعمل مباني كويسة بس ساعدونا بالإخلاء، وإحنا هنوفي بالوعد".
وخاطب السيسي أهالى تل العقارب تحديدا قائلا: "الناس اللي عايشة في الأماكن دي مش هنسيبكم أبدا وهنعمل كويس، زي اللي بتشوفوه دلوقتي، ساعدونا وثقوا أن الدولة هتعملكم، وهتفي بالوعد، وتوفر المسكن المناسب للمواطن
المصري".
لكن أهل "تل العقارب" اعتبروا أن ما وعد به السيسي لم يكن سوى دعاية، مؤكدين أن بعضهم لم يحصل سوى على شقق مساحتها 40 مترا فقط، لأكثر من عائلة، وأن البعض الآخر تم حرمانهم من الشقق، بدون إبداء أسباب، فضلا عن هدم ورشهم ومحال أعمالهم، دون تدبير البديل، وباستخدام القوة الجبرية لهدم بيوتهم ومحالهم.
"الست دي" اعتدت علينا
وقال الإعلامي والكاتب الصحفي الدكتور أسامة الكرم، في تدوينة عبر صفحته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأربعاء: "من أعان ظالما سلطه الله عليه".
ومع صورة لإحدى نساء "تل العقارب" قال الكرم: "الست دى من المواطنين الشرفاء اللي سبُّونا أمام النقابة، ورقصت، وهللت، وقبضت، وشتمت.. والآخر تبين أنها من سكان "تل العقارب"، ولكن تم طردها من منزلها مع كل جيرانها".
وأضاف الكرم: "كانت الصحافة ستكون لها سندا في هذا الموقف"، متسائلا: "ألم نقل إن حرية الصحافة ليست ميزة للصحفيين بل حق للشعب؟".
حقيقه بلطجية "الصحفيين"
في السياق نفسه تساءل الإعلامي محمد ناصر، عبر فضائية "مكملين": "ماذا لو كان قد تم إخلاء منطقة تل العقارب بالقوة في أثناء حكم الرئيس محمد مرسي؟".
وقالت شبكة إخبارية (شامتة): "هل هنأتم سكان تل العقارب الذين حاصروا نقابة الصحفيين على طردهم من بيوتهم بأمر مباشر من السيسي؟".
وقال الناشط: وليد أبو علي: "لعلها تكون عبرة لمؤيدي الظالم.. والناس تتعلم".
بينما قال محمد فتحي: "ولسه.. اللي أعان ظالما لازم يذوق من ظلمه، والأيام دول".
وتساءل ثالث: "هل هذه هي الحنيَّة التي وعد بها السيسي (شعبا لم يجد من يحنو عليه، ويرفق به)؟.. فعلا: من أعان ظالما سلطه الله عليه".
فيما رفع نشطاء على موقع "يوتيوب" مقطع فيديو بعنوان "شاهد حقيقه بلطجية "الصحفيين" سوابق و"رد سجون".. فمن وردهم؟".
وأشار التقرير إلى أن المعتدين على الصحفيين كانوا من سكان منطقة تل العقارب، وتتبعوا السيدة التي أشار إليها "الكرم"، والتي ظهرت لاحقا بتل العقارب، تستغيث من نقلها قسريا من منزلها.
حمزة: تهجير قسري
وكان الناشط السياسي ممدوح حمزة اعتبر أن "أخطر ما قاله السيسي (في خطابه بمدينة بدر)، كان عن العشوائيات".
وقال على حسابه الشخصي بموقع "تويتر": "أتوقع عملية تهجير ربما قسري لتفعيل مخطط القاهره 2050، وهو إخلاء شرق النيل، وتحويل المهجرين إلى غربه".
شرابي: جرائم تهجير
وبينما تعامى أنصار السيسي، من النخبة المثقفة، عما يحدث لأهالي "تل العقارب" من إخلاء بالقوة الجبرية.. دافع عنهم معارضون للسيسي، ممن اكتتوا بنار هؤلاء الأهالي، فاستنكر المتحدث باسم حركة "قضاة من أجل مصر"، المستشار وليد شرابي، ما اعتبره "جرائم التهجير التي تتبعها سلطات الانقلاب".
وقال في تغريدة بموقع "تويتر": "جريمة تهجير قسري في حق أهالي تل العقارب بالسيدة زينب.. طردهم العسكر من منازلهم ثم هدموها".
وأضاف شرابي: "السؤال: بعد رفح وتل العقارب على من سيكون الدور القادم؟".
ناشط: طريقة وتوقيت النقل غير مناسبين
وقال الناشط الحقوقي تامر مراد: "نقل الناس إلى أماكن ومساكن بديلة جيدة شيء جيد، لكن أهم شيء أنه يجب توفير مساكن للجميع، وأن يكون لكل أسرة شقة مستقلة دائمة بالإيجار القديم نفسه، مع توفير الخدمات كافة لهم، من أسواق ومواصلات ومستشفيات ووحدات صحية ومدارس".
وأردف: "يجب نقل الأثاث ومحتويات الشقق إلى الشقق الجديدة على نفقة الدولة"، مشيرا إلى أن "نقل السكان كان في توقيت غير مناسب، لأن الأبناء في امتحانات نهاية العام الدراسي".
"الشروق": حكاية أهالي فقدوا سكنهم وعملهم
وعلقت صحيفة "الشروق"، في تقرير لها الأربعاء، بالقول: "تل العقارب".. حكاية أهالي فقدوا سكنهم وعملهم.. ومسؤولون: "هدفنا تطوير المنطقة".
وقالت إن دعوة السيسي لنقل سكان العشوائيات ربما تعطي مؤشرا لهؤلاء الذين يسكنون فيها بأنهم غير منسيين، إلا أن محاولات نقلهم من أماكن سكنهم لأماكن بديلة دائما ما تتم في ظل تشكك من المواطنين بوفاء المسؤولين بوعودهم، في حين يقول المسؤولون إنهم يسعون لضمان تحقيق العدل، وإعطاء كل ذي حق حقه.
وأشارت إلى أنه "يبدو أن أهالي المنطقة لم يرحبوا بفكرة تطوير المنطقة، ربما لعدم ثقتهم في وعود المسؤولين، بالإَضافة إلى تأكيد معظمهم أنهم لم يروا صورة من قرار إزالة البيوت، وأنه قيل لهم إنه سيتم توفير أماكن بديلة لهم في منطقة زينهم القريبة منهم، دون تحديد موعد زمني لاستلام تلك الأماكن البديلة، التي سيقومون هم بتحمل تكاليف تجهيزها".
غضب الأهالي
وتناقلت مواقع ووسائل إعلام عدة، ومقاطع فيديو كثيرة، عمليات إخلاء السكان بالقسر من بيوتهم وأماكن معيشتهم، واحتجاجات الأهالي على ذلك، التي لم تأخذ شكلا جماعيا، على عكس ما كانوا ما يفعلون مع معارضي السيسي، عبر تحريك ضباط الداخلية لهم.
وقال الأهالي أيضا إن قوات الداخلية قطعت عنهم المياه والكهرباء، وهددتهم بأن لديها قرارا جمهوريا بالإزالة، وبأن من سيعترض منهم عليه سيتم دهسه بالبلدوزر، أو ضربه بالنار.
وأكدوا أنهم يسكنون بهذه المنطقة منذ عشرات السنين، وأن بحوزتهم الأوراق الدالة على ذلك.
رد المسؤولين
من جانبه، أكد القائم بأعمال محافظة القاهرة، اللواء أحمد تيمور، في تصريحات صحفية، أن الأزمة التي تفجرت في أثناء نقل سكان "تل العقارب" إلى مساكن بديلة بمدينة السادس من أكتوبر كان لابد منها حتى "يتسنى لنا البدء في عمليات هدم المباني العشوائية بالمنطقة، وإعادة تأهيل الأرض للبناء بأسس هندسية وحضارية جديدة"، بحسب قوله.
وأشار إلى أن البدء في البناء سوف يكون قريبا جدا بعد الانتهاء من الهدم وإزالة المخلفات، وإلى أنه تم عمل حصر شامل لسكان المنطقة، مضيفا أن ما تردد حول تسكين أكثر من أسرة في شقة واحدة ليس صحيحا، وأن جميع الأسر سوف تعود إإلى منطقتها مرة أخرى بعد إعادة بنائها، وأن الوضع القائم حاليا هو إسكان مؤقت لحين الانتهاء من البناء.