مقالات مختارة

فيما يتعلق بوحدة «فتح» و«المصالحة»

1300x600
في ربيع الانقسامات الذي يعيشه الفلسطينيون يبدو انقسام حركة «فتح» الأكثر تأثيرا وتكلفة، ورغم أن الحركة التي قادت المشروع الوطني الفلسطيني منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، قد واجهت خلال مسيرتها العديد من الانشقاقات، عادة بواسطة وتحريض ومبادرة الأنظمة العربية، «الوطنية» و«التقدمية» على وجه الخصوص، ونظامي «البعث» في العراق وسوريا تحديدا، إلا انها استطاعت في كل مرة استيعاب الضربات والتعايش مع محيطها العربي والأنظمة «التقدمية»، التي شكلت «الحاضنة» الطبيعية لبرنامج تفتيت المؤسسة الفلسطينية وصناعة بدائل منظمة التحرير الفلسطينية بدأب.

يمكن تذكر «جبهة الرفض»، هذا هو الاسم الذي أطلقته على نفسها، التي اقترحت نفسها بديلا للمنظمة، بعد فشلها في شق فتح من الداخل، كان ذلك  بتمويل ودعم  نظام بعث صدام حسين في العراق، ورعاية وإسناد وحماية نظام بعث حافظ الأسد في دمشق، أستطيع أن أضيف، من باب وصف ذلك الإطار وتوضيح أهدافه، ملصقا ملونا رديء التصميم كان يغطي شوارع بيروت الغربية وعشرات المنشورات والأغلفة التي تصدر بلا توقف وبلا معنى، يحمل كلمة «لا» ، لا كبيرة وعبثية بألوان العلم الفلسطيني، ذلك تقريبا هو برنامج هذه الجبهة التي ضمت فصائل من اليسار واليسار القومي الفلسطيني واللبناني، وما هب ودب من موجودات ومندوبي أجهزة المخابرات والعاملين بأمرها.
 فتح الموحدة في حينه بقيادتها الوطنية وبرنامجها الواضح وقوتها على الأرض، تمكنت من تجاوز تلك الحفرة، صمدت وناورت وتحركت بمرونة وصلابة، في إطار المنظمة والحركة الوطنية اللبنانية وفي المحيط العربي، إلى أن تلاشت تلك الفقاعة التي تحولت في ذاكرتنا إلى مأساة سوداء يمكن اختصارها بملصق رديء التصميم.

يمكن هنا استعادة انشقاق الحركة إثر الخروج من «حصار بيروت» في صيف 1982، الانشقاق الذي تم التخطيط له في غرف مخابرات نظام الأسد الأب، والذي تحول إلى  «جبهة الانقاذ»، وقاد حربا اهلية قام خلالها  «المنشقون» وحلفاؤهم من الفلسطينيين بملاحقة قوات المنظمة في البقاع والشمال اللبنانيين، وتصفية القادة الذين لم رفضوا الانصياع للانشقاق، شهدت هذه الفترة اغتيال القائد «سعد صايل» في البقاع، وتواصل الهجوم  حتى حصار طرابلس وقصف مخيمي نهر البارد والبدواي بالهاونات وراجمات الصواريخ.

ستستعيد فتح وحدتها وستوحد منظمة التحرير وستنجح في عزل نواة «الانشقاق»، ليتحول إلى أحد أذرعة أجهزة أمن النظام السوري.

مثل هذه المقدمة ضرورية للحديث عن الانقسام الذي تعيشه حركة فتح.

ببساطة يتجاهلها الكثيرون في «فتح» على وجه الخصوص، فإن وحدة الحركة ودورها ليس شأنا فتحاويا داخليا، بقدر ما هو شأن وطني.

إذ سيبدو الحديث عن «المصالحة» واستعادة غزة عبثيا ويفتقر للمصداقية، بينما فتح نفسها منقسمة.
او الركض وراء المبادرة الفرنسية بتحولاتها والمرور الراضي عن التعديلات المرتقبة في بنود المبادرة العربية، بعد إخراجها من القبو والبدء بقراءتها على ضوء حروب المنطقة وانفجار سايكس بيكو التي بلغت المئة عام.

لا أحد سيأخذنا على محمل الجد، لا في الإقليم وتحالفاته ولا في المحافل الدولية ولا في الشارع الفلسطيني نفسه، طالما أننا نتعايش بهذه الروح الممتثلة للانقسام.

لا معنى لكل ما يروج له بصفته «إنجازا» تحت مظلة التشتت وعلى أرضية التجاهل للكارثة.

لا معنى للمقاومة ولا قيمة للمفاوضات.

السير ونحن نحمل هذه الحمولة على أكتافنا لن يوصل بنا إلى أي مكان سوى الهاوية.

لم يعد ممكنا تجاهل انقسام حركة «فتح»،  وأثره المدمر على المشروع الوطني الفلسطيني. عمليات القفز الكثيرة على واقع الانقسام استنفذت تماما، واصطدمت بالجدار، العناوين البراقة والإنشاء السياسي والتنظيمي لم يعد قادرا على إخفاء الحفرة الواسعة، التي تنمو مثل كائن حي وغريب وتتسبب في تفكيك الحركة.

الصيحات من نوع « استعادة دور الحركة»، « الاستعدادات لعقد المؤتمر» أو «دعوا المؤتمر يقرر»، في حين أن الأغلبية تعرف الآن أن المؤتمر يبدو بعيدا، وأنه في حال انعقاده دون إعداد جاد ومسؤول، مبني على استعادة الوحدة والدور سيؤدي إلى عكس ذلك تماما،  على فتح أن تذهب إلى مؤتمرها موحدة لتحتكم له وليس  لتعزيز انقسامها ومنحه الشرعية.

الاستحقاقات المتراكمة على حركة فتح، تتطلب قبل شيء إغلاق هذا الملف داخل بيتها، المهمة الوطنية لهذه الحركة تتطلب إنهاء حالة الاسترخاء الطويل داخل الانقسام  الذي تعيشه فتح، كما لو أنه قدرها.

عن صحيفة الأيام الفلسطينية
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع