اجتمع عدد من مؤسسات المجتمع المدني الليبي بالإضافة إلى مركز القاهرة للدراسات وحقوق الإنسان في أيار/ مايو الماضي، بهدف "إيجاد مساحة آمنة لبحث سبل تأطير العمل فيما بينها، وتحديد أوجه وسبل رسم استراتيجيات عملها بشكل مشترك في المرحلة القادمة، وتحديد احتياجاتها وتحدياتها وسبل التواصل فيما بينها بطريقة مستدامة، فضلا عن توحيد جهودها للتصدي لتردي حالة حقوق الإنسان في
ليبيا".
وخلال الاجتماع، الذي استمر على مدار يومين، اتفقت مؤسسات المجتمع المدني- وفق بيان مشترك لها صادر الأربعاء- على أن المنظمات الأهلية أضحت "هدفا مستباحا للكثير من الأطراف المتصارعة، وتواجه مؤسسات المجتمع المدني الليبي العديد من الصعوبات منها تصاعد العنف والهجمات المتزايدة من الجماعات المسلحة".
ومن أبرز الأهداف التي توافق عليها المجتمعون كسر عزلة منظمات المجتمع المدني العاملة في حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان داخل ليبيا وخارجها مع توزيع أفضل للأدوار بينهم، وخلق مجال للالتقاء والتحاور والتفكير لإيجاد الرؤية المتكاملة لأعمالهم، وخلق رؤية استراتيجية للتغيير والتأثير على مختلف الأصعدة.
وحثوا على أهمية سد ثغرة غياب الآلية الدولية للتوثيق وتحسين قدرة منظمات المجتمع المدني الليبية على القيام بدور فعال في مجال المناصرة المحلية والإقليمية والدولية، وأيضا دعم المشاركة الفعالة والحقيقية لمنظمات المجتمع المدني في تبني الحلول السياسية، بالإضافة إلى مراقبة تنفيذ الاتفاقيات وضمان إشراكها في المرحلة الانتقالية.
ودعت المنظمات المجتمعة للسماح "بفضاء عام آمن، في إطار يضمن حرية التعبير وتكوين الجمعيات، ويدعم الجهات المدنية الفاعلة –بما فيها نشطاء حقوق الإنسان والإعلاميين وعُمداء البلديات المحلية وشيوخ القبائل– خلال القيام بدور رئيس في إنجاح عملية سلام مستدامة. وقد يكون تمكين تلك الجهات الفاعلة هو الأمل الوحيد لليبيا لمحاربة التطرف بجميع أنواعه ووقف انتشار الأيديولوجيات المتطرفة في جميع أنحاء البلاد".
وأوصت المنظمات بوقف "
الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والخروقات للقانون الدولي الإنساني المرتكبة حاليا، لاسيما التعذيب، القتل خارج نطاق القانون، الهجمات العشوائية الموجهة ضد المناطق المدنية والبنية التحتية المدنية واستهداف المدنيين".
وطالبوا بوضع إطار قانوني لتنظيم عمل جمعيات المجتمع المدني بشكل غير مقيد لحرية التنظيم ومتسق مع المعايير الدولية، وإلغاء اللوائح والنصوص القانونية التي تحد من عمل المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية وتفرض قيودا عليه، مؤكدين على ضرورة ضمان حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي وحماية النشطاء ومنظمات المجتمع المدني والصحفيين ووسائل
الإعلام من الهجمات.
وشدّدوا على ضرورة مكافحة خطاب الكراهية والتحريض على العنف في وسائل الإعلام، والعمل على رفع الوعي المجتمعي بشأن العمل في مجال حقوق الإنسان ودوره في درء الانتهاكات، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان.
كما طالبوا بتعزيز قدرات المؤسسات الوطنية المعنية بحماية حقوق الإنسان في ليبيا وضمان تفعيلها واستقلاليتها، وإصلاح المؤسسات الأمنية من خلال عملية تدقيق شاملة وشفافة وتنفيذ الترتيبات الأمنية الخاصة، والتي تشمل وضع وبدء تنفيذ الخطط المناسبة للهياكل والقوى الأمنية، بما فيها ترتيبات فعالة للقيادة والسيطرة وفق آلية تكفل محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.
وأوصوا كذلك باتخاذ إجراءات لضمان سلامة واستقلال القضاة والمحامين وأعضاء السلطة القضائية والمواطنين الذين يسعون إلى تحقيق العدالة وجبر الضرر عن الانتهاكات التي ترتكب ضدهم أو ضد غيرهم، وتنفيذ عملية العدالة الانتقالية بغية ضمان وصول الضحايا إلى المؤسسات القضائية، وجبر الضرر الواقع عليهم بشكل شامل ومنصف.
وأكدوا أن "ليبيا تعاني طيلة الخمس سنوات الماضية من تفش للفوضى، وغياب لقدرة مؤسسات الدولة على بسط نفوذها على الأرض، كما تمر بمرحلة صعبة في تاريخها تتميز بحالة من الاختناق والجمود السياسي بعد توقيع وثيقة الاتفاق في كانون الأول/ ديسمبر 2015، وفشل الحكومة المركزية –حتى الآن– في بسط سلطتها على التنظيمات والمجموعات العسكرية وشبه العسكرية المختلفة، إضافة إلى تزايد وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان من الأطراف المتصارعة المختلفة بشكل يدعو إلى القلق، وهو الأمر الذي يستلزم ضرورة وضع استراتيجية للحيلولة دون تدهور الأوضاع لما كانت عليه في عام 2014".
وقالوا إن "
حكومة الوفاق الوطني لن تتمكن من مواكبة التحديات الجمة التي تواجهها دون الاستماع لرؤى ممثلي المجتمع المدني والمكونات المحلية بكل طوائفهم من أجل الخروج من كنف الاحتراب الداخلي، كما أن على السلطات العامة الحالية القطيعة مع ممارسات الحكومات المتعاقبة في الماضي القريب التي نأت بنفسها عن فتح حوار مباشر مع المجتمع المدني وأدخلت الدولة في أتون حرب أهلية ندفع ثمنها حتى الآن".
وذكروا أن
المنظمات الحقوقية الليبية تعرضت خلال الفترة الماضية للعديد من "الضغوط والتهديدات على مستويات عدة؛ بشكل مشابه لما كان عليه الوضع في حقبة القذافي القمعية، وتؤدي هذه الهجمات إلى إغلاق الفضاء العام أمام الأصوات المعتدلة".
وأضافوا: "تقع منظمات المجتمع المدني ومعها الناشطون ووسائل الإعلام وكل من يحاول العمل بموضوعية بين سندان الموت ومطرقة النفي؛ في حين يضطر آخرون إلى وقف عملهم؛ خوفا من الانتقام، وبالرغم من كل ذلك ظلت قلة قليلة تنازع في الداخل والخارج وسط هذا الوضع الصعب والخطير في ظل إغلاق المساحة العامة للعمل المدني السلمي، وغياب إطار قانوني يؤطر عمل تلك المؤسسات ويحميها من التغول والهجمات المستمرة عليها".
ووقع على البيان كل من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وحقوقيون بلا قيود، وشبكة مدافع، وشبكة مدافعات، والمركز الليبي لحرية الصحافة، ومنبر المرأة الليبية من أجل السلام، والمنظمة الليبية للمساعدة القانونية، والمنظمة المستقلة لحقوق الإنسان، ومنظمة شباب من أجل تورغاء، ومؤسسة بلادي، والنقابة المستقلة للإعلاميين الليبيين.