كتاب عربي 21

"ليبرمان" الإيراني ضد السعودية وقطر

1300x600
عُيّن مؤخرا السياسي المتطرف والصهيوني الكبير أفيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع في حكومة نتنياهو وهي خطوة توحي بأن الكيان الصهيوني يستعد مستقبلا لحرب نوعية في المنطقة العربية، بعد أن تُتمّ الفوضى التي صنعها عملاؤهم في المنطقة دورتها كاملة.

السيد ليبرمان أو حارس الخمارات الليلية السابق في مولدافيا تحوّل بفعل التصهين الكبير وعبر حزب "اسرائيل بيتنا" المتطرف إلى رجل سياسة فوزيرا للخارجية ثم وزيرا للحرب.

لكن الأمر الجيّد في شخصية ليبرمان، هو أنها شخصية صهيونية صادقة وموجِّهَة فهي صادقة في كشفها عن طبيعة الخطاب الصهيوني، وهي موجِّهة من ناحية قدرتها على تحديد طبيعة الأدوار داخل منطقة المشرق العربي وخارج البناء المزيف لسرديات النص الديبلوماسي إقليميا. 

خلال السنوات الثلاثة الماضية، تفنن حارس الخمارات المولدافية في التهجم على دولة عربية بعينها واصفا إياها بأنها "الراعي الرسمي للإرهاب في العالم" وأنها "العمود الفقري لمعظم الجماعات الإرهابية المتشددة التي تهدد استقرار العالم، وليس الشرق الأوسط فحسب"، كما نقلت عنه صحيفة "هآرتس" في مناسبات كثيرة.

تصوروا معنى أن يصف كبير الصهاينة دولة قطر بدعم الإرهاب ويقصد بطبيعة الحال وحسب المعجم الصهيوني دعم المقاومة الفلسطينية ودعم الثورات العربية. لكن اليوم يتفنن الخطاب الصهيوني في إلحاق المملكة العربية السعودية بقيادة الملك الجديد بقائمة الدول الداعمة للإرهاب في منطقة المشرق العربي وهو خطاب يتماهى إلى حد الإنصهار في طبيعته مع الخطاب الصفوي الذي جعل من السعودية وقطر في رأس الدول العدوّة للأطماع الفارسية، وذلك بحسب آخر تصريحات الإرهابي قاسم سليماني والإرهابي أبو مهدي المهندس نائب رئيس مليشيا الحشد الشعبي.

كيف يكون ليبرمان فارسيا؟ وكيف يتماهى الخطاب الصهيوني في أرقى تجلياته مع الخطاب الصفوي تجاه العرب؟

الأكيد هو أن فعل الربيع العربي وثوراته السحرية لا يزال قائما لتكشف ولاعة البوعزيزي حقيقة التحالفات على الأرض بعيدا عن تضليل الشعارات والتسميات الزائفة فيغدو حينها "فيلق القدس" جزء لا ينفصل عن مشروع كتائب الموت الصهيونية على الأرض العربية.

هكذا يفضح الخطاب عمق المشاريع التوسعية في النطاق العربي كما يعرّي زيف العداوات المصطنعة وضلال النخب العربية الكثيرة التي لا تزال تقلل من الخطر الإيراني على الوجود العربي القومي رغم رداء الطائفية الشفاف الذي يتلبس به المشروع الفارسي في المشرق.

لا فرق بين ليبرمان وسليماني على مستوى التصريحات وعلى مستوى الخطاب خاصة في استهداف السعودية وقطر علنا واتهامهما بدعم الارهاب في الوقت الذي تقود فيه فرق الموت الإيرانية أضخم عمليات التطهير العرقي في الفلوجة وقبلها في ديالى في العراق كما ارتكبت جحافل المرتزقة والمأجورين أبشع أنواع التقتيل والإرهاب بكل المدن السورية التي تظاهرت ضد النظام وطالبت بالحرية والكرامة.

"المجتمع الدولي" أو ما يسمى "بالمجموعة الدولية" لم تتهم إيران ولا الكيان الصهيوني بالإرهاب بل بالغ إعلامها الموجّه صهيونيا بإلصاق التهمة بالعرب السنّة دون غيرهم، ولم تتردد أغلب المنابر الإعلامية العالمية الكبرى في إتهام السعودية -مع الملك سلمان- بما هي قلب المكوّن العربي السني بالإرهاب وقبلها قطر بما هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تتردد في دعم المقاومة الفلسطينية، وفي دعم الثورات العربية علنا.

هذا في الوقت الذي لم تُتهم فيه أي دولة خليجية أخرى بهذه التهمة خاصة منها الدولة الخليجية الراعية للانقلابات في مجال الثورات العربية والتي يقيم على أرضها كل وكلاء الكيان الصهيوني من العرب وخاصة من جنرالات الثورات المضادة.

ينكشف المشهد إذن عن تحالف جديد قديم بين إيران من ناحية والكيان الصهيوني من ناحية ثانية عبر البوّابة الأمريكية والروسية، وهو مشهد كشفته ثورات الربيع وخاصة الثورة السورية التي توجّت بتحالف علني بين الشيطان الأصغر والشيطان الأكبر من خلال تسوية الملف النووي.

وهو ملف لم يكن غير ذريعة ديبلوماسية لتغطية التحالف السري بين الولايات المتحدة وإيران منذ فضيحة "إيران غايت" خلال منتصف الثمانينات بوساطة الموساد الصهيوني.

رغم كل ذلك، فإنه لا يمكن إلقاء اللوم على الإيرانيين ولا على الصهاينة أنفسهم، لأنهم يتحركون داخل مشروع قومي توسعي، لكنّ الكارثة الكبرى إنما تتمثل في انخراط الكثير من النخب العربية عن وعي أو عن غفلة في هذا المشروع بشكل يدفعها إلى التحالف مع المشروع الفارسي ذي القاع الصهيوني ضد دول عربية تشكل قلب المشروع العربي ونواة المشروع العقائدي والقيمي للأمة.

قد نختلف مع السعودية في هذا الخيار أو ذاك، خاصة في دعم الانقلاب المصري خلال حكم الملك عبد الله رحمه الله، لكن لا يمكن أن نتحالف مع أعدائها ونسقط في شراك الخطاب الصفوي المقنع بالمقاومة والممانعة، فيفتك بنا الوعي المزيف الذي يجعل من المقاومة الحقيقية إرهابا، ومن الثورة مؤامرة، ومن المسلم عربي تكفيريا إرهابيا دون غيره من الخلق.