كتبت الناشطة
البحرينية زينب الخواجا، التي هربت من بلادها؛ خشية اعتقالها وابنها من جديد، مقالا نشره موقع "ميدل إيست آي".
وفيما يأتي النص الكامل للمقال، الذي ترجمته "
عربي21":
عندما اضطر الثوريون والناشطون للهروب من البحرين، كنت دائما ممتنة بأنني لست في وضعهم، لقد ولدت وعشت في المنفى حتى عمر 17 عاما، وحتى ذلك الحين لم أر بلدي، ولم أعرف معظم أقاربي، ولم تكن لدي أي أوراق تثبت جنسيتي، لكن ذلك جعلني أكثر حبا للبحرين، وأكثر إصرارا على مساعدة شعبي.
ولم أستطع أنا وعائلتي العودة إلا بعد وفاة الأمير، وعرفت عندما وطئت قدماي الأرض، وأخذت نفسا عميقا من ذلك الهواء الرطب، أنني في بلدي.
وبعد ذلك بـ15 عاما أمشي مرة أخرى إلى المطار ذاته، ومعي طفلان وغصة في القلب، واضطر لمغادرة أرضي ووطني وأقاربي.
كان إبقائي بالسجن مع طفلي مكلفا جدا للحكومة البحرينية، فقررت أن تكون معاقبتي من خلال الإبعاد، كي لا تجلب الانتباه ذاته لجرائمها.
واضطر النظام، الذي سجنني وأنا حامل، لإطلاق سراحي تحت الضغط الدولي لأسباب "إنسانية"، لكن لا يمكن لأحد يعرف النظام البحريني أن يخدع بمثل هذه الأفعال، بمن فيهم حلفاء النظام الديمقراطيون، الذين تهمهم مصالحهم، خاصة عندما تتبع هذا الفعل التهديدات بإعادة
اعتقالي والمزيد من التهم الملفقة لي.
في يوم إطلاق سراحي، قام النظام بتثبيت حكم الإعدام ضد ثلاثة ناشطين ديمقراطيين في البحرين، تعرضوا للتعذيب الشديد، وأحدهم هو سامي مشيمع.
وعندما أُخذ صديق لي إلى السجن، وكان قد عذب تعذيبا شديدا، لم يجد سوى هذا السجين ليواسيه، عذب صديقي تعذيبا شديدا، لدرجة أنه لم يستطع المشي، واقتيد لحلق رأسه وهو معصوب العينين "وهذا ما يفعله النظام بالسجناء إمعانا في الإهانة"، وظن صديقي أن من يحلق له هو أحد حرس السجن، لكن سامي مال عليه قليلا، وقال له: "كن قويا، لقد تجاوزت المرحلة الأصعب"، وقد لا تعني هذه الكلمات كثيرا لنا، ولكن بالنسبة لشخص تم تعذيبه لدرجة أنه لم يستطع المشي، لشخص يعيش في ظلام دامس، وعليه أن يزحف من مكان إلى آخر، لشخص لم يسمع أي كلمات غير الشتائم والتهديد والإهانات، فإن هذه الكلمات هي كل ما يملك للصمود.
مشيمع، الذي حاول التخفيف عن صديقي، ليس لديه أحد يخفف عنه، وقد تم تعذيبه أيضا، وقال له معذبوه إنهم سيظفرون به ثانية، وفي المرة القادمة سيوجهون له أسوأ التهم، وهناك سبب لغضب معذبي سامي، فبعد اعتقاله الأخير تحدث حول التعذيب الذي تعرض له، وحتى عن بعض الأسماء لبعض معذبيه.
وقد وفوا بتوعداتهم، فبعد إطلاق سراح سامي تم اعتقاله ثانية، وحكم عليه بالإعدام؛ بسبب اعتراف وقعه وهو معصوب العينين وتحت التعذيب، وبعد تعذيبه لمدة 25 يوما أخذ إلى السجن على كرسي متحرك، وقبل اعتقالي الأخير اتصل بي سامي من سجن ذي حماية عالية، وقال: "أنا أعرف أنه لا أمل بالنسبة لي، لكن أرجو أن تجدي محاميا لأخي"، أخوه أيضا سجين سياسي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة، وفي الوقت الذي يعتقد فيه سامي أنه لا أمل له، فإنه يجب علينا أن نثبت غير ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يهتم بضحايا هذا النظام الديكتاتوري الشرير، وليس فقط أولئك الذين تبرز قضيتهم في الإعلام.
وبعد أن أخبرت بأنه سيفرج عني، قمت بجمع أغراضي القليلة في حقيبة بلاستيكية، ورأيت طيبة درويش خارج زنزانتي، وقفت خارج زنزانتي ممسكة بالقضبان والدمع في عينيها، وسألت: هل ستغادرين؟ هل أطلقوا سراحك؟
طيبة سجينة سياسية، عمرها 41 سنة، وأم لثلاثة أطفال، وهي مسجونة لأنها خبأت عندها فارين من العدالة، وهو ما يعني في البحرين تخبئة دعاة الديمقراطية عن نظام مجرم يحكم على أناس أبرياء ويعذبهم، طيبة قضت في السجن عاما كاملا، وتعاني من أمراض مختلفة.
وهناك معان كثيرة في تقييد يدي طيبة، عندما ينقل السجناء للمستشفى، وقد قيل لها بأن القيود هي فقط للسجناء السياسيين، وفي آخر زيارة لها أنبها الطبيب وهددها بأن يشتكي عليها رسميا لكثرة طلبها للعلاج، وكنت أرى طيبة عادة في زنزانتها تجلس على سريرها وتظهر قلقة جدا أو تبكي، فقد كانت تعاني من الكوابيس.
تقلق طيبة على أطفالها طيلة اليوم، ثم تنام لتبدأ الكوابيس حول ما قد يحصل لهم بينما هي سجينة في زنزانتها، وفي زيارة قريبة عندما تسلق ابنها على حاجز ليجلس في حضنها جاء الحارس وصرخ على طيبة قائلا إن لم يعد ابنها للجانب الآخر من الطاولة ستلغى زياراتها.
نظرت إلى طيبة ولم أعرف كيف أجيبها، فأي إصلاحات في البلد كان يجب أن ينتج عنها إطلاق سراحي وسراحها وسراح سجناء الضمير في البحرين كلهم، وليس أنا فقط، وكل ما استطعت أن أقوله هو أنها إن بكت أكثر من ذلك فلن أغادر، فمسحت دموعها وابتسمت، وقالت: "عودي لجود وهادي، فهما بحاجة لأمهما"، ونظرت إليها بصمت، وأنا أعلم أن أطفالها بحاجة لها أيضا.
أطلق سراحي من السجن، ولكن ليس لأن النظام في البحرين "يسير في الاتجاه الصحيح"، كما يود وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أن تصدقوا، تم إطلاق سراحي لأن
الديكتاتورية في البحرين تطورت، وعينت مستشارين أجانب، وتعلمت دروسا مهمة، وأنه عليها أن يكون ضحاياها من فئات مختلفة؛ أولئك الذين يعرفهم العالم، وأولئك الذين ليست لهم أسماء، تعلموا كيف يزورون الإصلاحات بمعاملة بعض البحرينيين أفضل بقليل من الآخرين.
تعلموا كيف يخلقون وهم إصلاحات بإنشاء مؤسسات، لتقوم نظريا بحماية المدنيين، لكنها في الواقع تقوم بتبرئة النظام من انتهاكاته، وهذه التغييرات تخدم أيضا في توفير "إثبات" للحلفاء الخارجيين، الذين من مصلحتهم القول بأن هناك شيئا يتغير في البلد.
نحن البحرينيون اخترنا سبيل مقاومة الديكتاتوريين، وعانينا باختيارنا؛ لأننا نريد تغييرا حقيقيا، هذه الإصلاحات الزائفة قد تسر الحكومات في المملكة المتحدة وأمريكا، لكن بالنسبة للبحرينيين، فإنها إثبات لآلية نجاة تهدف لإطالة عمر الحكم الديكتاتوري الظالم.