أكد مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن،
سايمون هندرسون، أن
العلاقات الأمريكية
السعودية تمر في مرحلة توتر، أساسها عدم ثقة الرياض بالإدارة الأمريكية، خصوصا بعد مقابلة أوباما مع مجلة "ذي أتلانتيك".
لكن الخبير في الشؤون السعودية يعيد ويؤكد أن السعودية لا زالت تعتمد على الولايات المتحدة في توفير الأمن لها، وترغب في توطيد العلاقات الأمريكية - السعودية عبر إقامة علاقة إمدادات عسكرية قوية.
وحول زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير
محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، يشير هندرسون إلى أن السبب الرئيسي لوجود الأمير محمد بن سلمان في الولايات المتحدة، هو الترويج لرؤية بلده الاقتصادية عن مبادرة «السعودية 2030». وإذا وضعنا جانبا أي تعليقات مسيئة قد تبدر عن البيت الأبيض ومفادها أن الولايات المتحدة لا تملك علاقة طيبة ومستمرة مع السعوديين، فإن المناقشات لن تكتفي بالتركيز على شؤون الطاقة والأمن الإقليمي المعهودة، بل ستركّز على قضايا معينة هي: مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتقييد التصرفات المؤذية التي تمارسها إيران في المنطقة. لذلك، طالما أن للأمير محمد اتصالات مع البيت الأبيض وربما أيضا مع الرئيس، أنا واثق من أن الاسئلة ستطرح من الجانب الأمريكي.
في المقابل يرى هندرسون أن لائحة الأمور التي تهمّ الولايات المتحدة قد تكون من اختصاص وزير الداخلية السعودي، أي ولي العهد الأمير محمد بن نايف. وهذا يعني أن الأمير [محمد بن سلمان] ليس بالضرورة الشخص المناسب لإجراء محادثات معه في أمور معينة. فهو قادمٌ للترويج للخطة الاقتصادية «السعودية 2030» أمام مجتمع الأعمال الأمريكي، وأعتقد أن رجال الأعمال من هذا المجتمع سيكونون متشوقين للقائه من أجل الاستحواذ على حصة مما يبدو قالبا كبيرا جدا.
وحول الوضع الحالي للعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، يقول هندرسون إن العلاقة ليست جيدة في الوقت الراهن، وهذه نتيجة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية. وإذا أردنا تحديد تاريخ لتدهورها، فهو يوم اتخذ الرئيس أوباما القرار بوضع خط أحمر في سوريا (بشأن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية) ثم الابتعاد عن هذا الخط. ومنذ ذلك الحين تفاقمت الشكوك السعودية حول ما إذا كان الرئيس أوباما إلى جانبهم. وبكل صراحة، لم يفقد السعوديون إيمانهم بالولايات المتحدة، بل بالبيت الأبيض في ظل حكم أوباما.
وقد تأكدت صحة ذلك، على الأقل في ذهن السعوديين، حين أجرى الصحفي جيفري غولدبرغ مقابلة مع الرئيس الأمريكي لمقالته عن "عقيدة أوباما" في مجلة "ذي أتلانتيك". فقد تعرّضت السعودية لتعليقات انتقادية، بشكل مباشر أم غير مباشر، أكثر من أي دولة أخرى في العالم، سواء من الدول الحليفة أو غيرها. فالمملكة تتحيّن لحظة انتهاء ولاية الرئيس أوباما. أما الخيار المتأرجح ما بين هيلاري كلينتون المدعومة من الديمقراطيين اليساريين أو دونالد ترامب الذي يشكل لغزا بالنسبة للسعوديين بقدر ما هو لغز لأي أحد آخر، فيُعد ذلك مشكلة سيتطرقون إليها يوما ما في المستقبل. لكنهم يتطلعون حاليا، إلى الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد أوباما، بغض النظر عّما ستكون عليه.
وحول الخطوات التي يمكن للرئيس المقبل اتخاذها لرأب الخلافات التي نشأت في علاقات الرياض وواشنطن، يرى هندرسون أن ثمة تداخلات جمّة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، كما هناك بعض الخلافات أيضا. ويضيف: إنها علاقة تحتاج للإدارة بقدر أي علاقة أخرى، ولعلها تحظى بقدر أكبر من الإدارة من أي علاقة أخرى. والأمر الذي لا يساعد هو أن موقف السعودية من دور المرأة غير مستحبّ في الولايات المتحدة، وخاصة عندما يقوم السعوديون بقطع رأس شخصٍ ما في الشارع. وهذا ليس بالأمر الذي يمر مرور الكرام في عصر الـ "يوتيوب". وكذلك الأمر حين يجلدون أحد المدوّنين، فهذا أمرٌ آخر لا يمر مرور الكرام. وقد يعزى هذا كله إلى الفوارق الثقافية.
في المقابل، يقول هندرسون، ينظر السعوديون بشكل عام، والعائلة الملكية السعودية بشكل خاص، نظرة تعاطف إلى الولايات المتحدة، فهم يرون فيها صديقا وحليفا ومكانا يودون زيارته، ويرون فيه الغطاء الأمني الأمثل على الأقل في الماضي. لذلك يجب على الرئيس المقبل، أيا كان، أن يكون قادرا من وجهة نظر السعوديين على إعادة هذه العلاقة إلى مسارها المتوزان.
ويعتقد هندرسون أن خيارات المملكة من الشركاء الدبلوماسيين محدودة - لا سيما في مجال الأمن. فالمملكة المتحدة وفرنسا مستعدتان في الواقع للقيام بدور قوة بحرية وجوية في الخليج، وتحتفظان بعلاقات في مجال الإمدادات العسكرية للقوات المسلحة السعودية، ولكن هذه مجرد إضافات على مصدر الاعتماد الرئيسي للسعودية، أي الولايات المتحدة. فالسعوديون يريدون توطيد أواصر العلاقة الأمريكية - السعودية عبر إقامة علاقة إمدادات عسكرية قوية.
وفي المقابل، يسعى السعوديون للحصول على المعدات والذخائر من أوروبا الشرقية؛ فـ "القوات الخاصة السعودية" تستخدم أحد أنواع بندقية كلاشنيكوف، وفي ذلك شيءٌ من الغرابة. أظنّ أنهم يأملون بذلك فتح خط دبلوماسي مع موسكو. والحقيقة هي أن السعوديين لا يثقون بالروس على الإطلاق، بل يجدون فيهم منافسين في إنتاج النفط، ويعتبرونهم -أساسا- غير جديرين بالثقة.
ويعتقد هندرسون أن الخطر الأكبر على السعودية هو إيران، ما يعني على الأرجح وجود رؤية مشتركة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل من الناحية النظرية.
ويعتقد هندرسون أن السعودية ستتطلع إلى باكستان فيما إذا حصلت إيران على سلاح نووي وليس إسرائيل، كما أن العلاقة الواضحة والعلنية مع إسرائيل مستحيلة، على الأقل في الوقت الراهن، ذلك أنه لم يتم تحضير الشعب السعودي لمثل هذا الأمر، كما أنه لن يكون مقبولاًفي كل من العالم العربي والإسلامي الأوسع.
وفيما يتعلق بالتعاون بين الرياض وواشنطن في مجال مكافحة الإرهاب، يقول هندرسون إن ثمة مجهودا مشتركا كبيرا يُبذل في هذا المجال، فالولايات المتحدة تضطلع بمهام الارتباط والتدريب مع الجيش السعودي، ولها مهام ارتباط وتدريب مستقلة مع "الحرس الوطني السعودي"، هذا بالإضافة إلى علاقات أخرى مع وزارة الداخلية. فبخلاف وزارة الداخلية الأمريكية، لا تعنى وزارة الداخلية السعودية بالغابات أو الحياة البرية إنما بالأمن الداخلي.
من ناحية القوة المسلحة الفعلية، ربما تشكلّ القوى المختلفة التابعة لوزارة الداخلية، سواء من رجال شرطة المرور أو قوى الأمن الداخلي أو حرس الحدود، أكبر قوة مسلحة في المملكة متفوقة بأشواط على الجيش أو "الحرس الوطني".