مع اقتراب الذكرى المئوية لوعد
بلفور، الذي أعطاه وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور عام 1917، أعلنت القيادة
الفلسطينية عزمها رفع دعوى قضائية ضد المملكة المتحدة، بسبب هذا الوعد، الذي منح بمقتضاه وطنا قوميا لليهود في فلسطين، وأنكر حق الشعب الفلسطيني، بعدما اعتبر أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
ومؤخرا، قال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، في تصريحات صحفية، إن أمام
بريطانيا خيارات متاحة، فإما الاعتذار والاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67، أو مقاضاة قانونية أخرى.
ولا تعترف بريطانيا بفلسطين كدولة، ولكنها تقول إنها قد تفعل ذلك في أي وقت إذا رأت أن ذلك سيساعد عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
"تصحيح الظلم التاريخي"
وقال عضو اللجنة الوطنية العليا، المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، قيس عبد الكريم، إن "السلطة الفلسطينية تتجه لمحاكمة بريطانيا على وعد بلفور في ظل قرب حلول الذكرى المئوية لهذا الوعد الذي كان الحافز الأساسي والمحطة الرئيسية للبدء بتنفيذ المشروع الصهيوني، وما ترتب على ذلك من ظلم تاريخي بحق بالشعب الفلسطيني، وإلى تحويل هذا الوعد من وعد سياسي وورقة إلى خطة عمل أفضت إلى قيام دولة
إسرائيل".
وأضاف لـ"عربي21": "نحن الآن بصدد وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لمعالجة هذا الظلم التاريخي وإنقاذ الشعب الفلسطيني مما ألحق به من دمار، والمجتمع الدولي مطالب أن يشرع بالخطوات المطلوبة لتصحيح هذا الخطأ".
وعن مدى مواءمة الظروف الإقليمية والدولية للخطوة التي تعتزم السلطة القيام بها، أكد عبد الكريم أن هناك "حاجة إلى عمل كثيف، وبحاجة إلى إعادة ترتيب الأوراق وتكثيف العمل على أكثر من صعيد ومنها المستويات الدولية كافة من أجل إقناع المجتمع الدولي بهذه الخطوة، وتوفير المترتبات لنجاح الخطوة على الصعيدين السياسي والقانوني".
إضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر خطوات داخلية، "على رأسها إنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الوطنية، والعمل على استراتيجية جديدة تنهي مرحلة أوسلو بكل ما ترتب عليها من عوامل ضعف وتنتقل إلى استنهاض عناصر القوة، بما في ذلك استنهاض المقاومة الشعبية، والانتفاضة، وتدويل القضية الفلسطينية، وإعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل بما في ذلك وقف التنسيق الأمني والمقاطعة الاقتصادية"، وفق قوله.
وأكد عبد الكريم أنه ستكون هنالك معارضة من قبل "العديد من القوى الاستعمارية الكبرى إلى جانب بريطانيا بمواجهة هذه الخطوة التي تعتزم السلطة القيام بها، ومن قبل إسرائيل وما لديها من أدوات وتكتلات في مختلف دول العالم، لذلك علينا أن نكون على أعلى مستويات التنسيق واستنهاض عوامل القوة".
ورأى أن "على بريطانيا الاعتراف بمسؤوليتها عن هذه الجريمة، وتعمل على إصلاح تبعاتها السياسية والمادية، والخطوة التالية الاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967، واتخاذ إجراءات عملية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ومنها بناء المستوطنات".
الجمعية العامة للأمم المتحدة
بدوره، قال المختص بالقانون الدولي، حنا عيسى، إن بريطانيا تتحمل المسؤولية التاريخية والقانونية عن وعد بلفور، لأنها ساعدت الحركة الصهيونية في الاستيلاء على جزء كبير من فلسطين وساعدتها على ارتكاب المجازر ونكبة 1948 وما زالت هذه المجازر ترتكب.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"؛ أن بريطانيا قسمت فلسطين وحجبت حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإلى اليوم لم تعترف بأخطائها قانونيا وماليا، بل ما زالت مستمرة في ارتكابها التأييد لإسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".
وأوضح عيسى أن على منظمة التحرير الفلسطينية التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ قرار بتشكيل محكمة جنائية لمحاسبة الحكومة البريطانية استنادا إلى القرار 377 لسنة 1950.
وعلل ذلك بأن "بريطانيا لا تستطيع أن تستخدم حق النقض الفيتو في الجمعية العامة، وبذلك يستطيع الشعب الفلسطيني أن يرد الاعتبار القانوني للشعب الفلسطيني في حق تقرير مصيره وتحاسب الحكومة البريطانية على كل ما اقترفته من جرائم بحق الفلسطينيين"، كما قال.
الجرائم لا تسقط بالتقادم
أما الناشط القانوني يوسف قواريق، فأوضح أنه من الناحية القانونية يحق للسلطة الفلسطينية، إذا كانت عضوا في محكمة الجنايات الدولية، أن تحاسب على الانتهاكات بحق شعبها، سواء انتهاكات حالية أو سابقة؛ لأن الجرائم لا تسقط بالتقادم بغض النظر كم مر عليها من الزمن.
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "بريطانيا أعطت وعدا على لسان وزير خارجيتها بإعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وبالتالي هي أعطت شيئا ليس من حقها لجهة لا تستحقها، وتصرفت بأرض ليست ملكها".
وأضاف: "من الناحية القانونية عندما يعطي أي طرف شيء يجب أن يكون ملكه وليس ملك غيره حتى لو كان سلطة احتلال أو سلطة انتداب، يمكن للانتداب الانتفاع بموارد الدولة وعند الخروج منها تعيدها كما كانت".
وقال قواريق: "نحن نمتلك الأرضية لهذه الخطوة إذا كان لدينا قرار وطني مستقل، ورؤية قانونية واضحة، ونية لمحاكمة أي جهة تنتهك حق شعبنا"، لكنه استدرك بالقول: "يقف في وجه ذلك المال السياسي والمساعدات من الدول الأوروبية وأمريكا، وبالتالي كيف يمكن المحاسبة إذا اتخذت هذه الدول قرارا بقطع المساعدات؟ هل نحن على جاهزية لدفع ثمن ذلك؟".