ليس هناك شك بأن السوريين، مؤيدين ومعارضين، باتوا مجرد توابع لمشاريع خارجية ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل. والمضحك في الأمر أن الطرفين يعتقدان أن من يدعمهما من الخارج سيحقق لهما الانتصار على الطرف الآخر، وسيسلمهما مقاليد الحكم في البلاد كي يستخدماها ضد شركائهما في الوطن سحقا وقتلا وتهميشا وإقصاء وتهجيرا وحتى اجتثاثا.
وينطبق الكلام نفسه على بعض قوى المعارضة المغفلة التي تعتقد أن الذين يساعدونها من الخارج يريدون أن يبنوا لها نظام العدل والرخاء في سوريا.
ومن يستمع إلى مؤيدي النظام السوري وهم يستقوون بذراع بوتين وحسن نصر الله وخامنئي ضد بقية السوريين يلاحظ ذلك بجلاء لا تخطئه عين. ويقول الكاتب السوري صلاح قيرطة ساخرا من السوريين الذين يستقوون بروسيا وإيران: "في أحد أفلام (إسماعيل ياسين) وفي فحص المقابلة، سأله الضابط هل تتحدث لغات غير العربية، فأجابه بخفة دم، "إن ابن خالتي يتحدث الفرنسية". يذكرني هذا بالسوريين وهم يتحدثون عن بطولات الروسي وما يفعله بالسوري، لا بل هم يتمنون ضربا أعنف من المقاتلات الروسية لكل من حلب وإدلب...
ويبقى سؤالي: هل هم مقتنعون أن الروسي يقاتل من أجلهم كسوريين، أم أن مصلحته هي من يحركه ولو اقتضى الأمر ضربهم هم في لحظة من لحظات المعارك التي تحتاج إلى تسويات في وقت من الأوقات؟.
ليعلم الجميع أن "الحرب لا دين لها ولا أخلاق كما السياسة". بعبارة أخرى، ما أسخف أولئك الذين يعتقدون أن الإيرانيين والروس قادمون لنجدة النظام السوري ومؤيديه وتمكينهم من رقبة سوريا والسوريين.
لا يمكن طبعا أن نلوم جمهور المؤيدين المغفلين الذين يصفقون لخامنئي ونصر الله، لأن النظام نفسه وأبواقه الإعلامية الرخيصة تقوم بتصوير الغزاة من روس وإيرانيين على أنهم سيخلصون سوريا من كارثتها وسيعيدون أمجادها القديمة. ما أحقر هذه النوع من الأنظمة التافهة التي تذكرنا بحكومة فيشي في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية، فمن المعروف أن الغزاة الألمان بقيادة هتلر وقتها استطاعوا أن يستميلوا عددا من العملاء الصغار، وقاموا بتعيينهم على رأس حكومة فرنسية تابعة من رأسها حتى أخمص قدميها للغزاة الألمان الذين اجتاحوا فرنسا واستباحوها.
وموقف حكومة فيشي في فرنسا يذكرنا بموقف النظام السوري الآن بطريقة ملفتة، فكما أن رئيس حكومة فيشي العميلة للألمان برر التحالف مع الغزاة الألمان وإلحاق فرنسا بالرايخ الألماني بحجة حماية المصالح الوطنية الفرنسية، نرى النظام السوري الآن يكرر مواقف حكومة فيشي وتصريحاتها بنفس الطريقة وأسوأ، فكما أن حكومة فيشي كانت تعلم علم اليقين أن هتلر لم يغز فرنسا من أجل مصلحة الفرنسيين، بل من أجل توسيع رقعة الاحتلال الألماني لأوروبا، فإن نظام الأسد يعلم جيدا أن الإيرانيين والروس الذين يجتاحون سوريا لم يأتوا من أجل إنقاذ رقبته ولا رقبة نظامه، بل من أجل الاستيلاء على سوريا وثرواتها. وأبسط أبجديات السياسة التي يعرفها النظام قبل غيره أن الدول ليست جمعيات خيرية، ومن يساعدك باليسار يأخذ منك أضعافا مضاعفة باليمين. فلا يمكن لمغفل أن يصدق أن الإيرانيين ينفقون المليارات، ويضحون بحياة المئات من ضباطهم وجنرالاتهم من أجل إنقاذ رقبة بشار الأسد. ولا يمكن لأحد أن يصدق أن بوتين يضحي بأرواح الجنود الروس، ويستخدم ترسانته العسكرية الحديثة من أجل عيون آل الأسد وشركائهم.
هناك أربعة أسباب تجعل لعاب روسيا يسيل من أجل الاستيلاء على سوريا، أولها الإطلالة العظيمة على المياه الدافئة في العالم التي لطالما حلم بها القياصرة الروس منذ مئات السنين. وحدث ولا حرج عن موقع سوريا الاستراتيجي الرهيب الذي يعتبر نقطة ارتكاز دولية. والأهم من ذلك المخزون الهائل من النفط والغاز في الأراضي والمياه السورية. ولا ننسى أن النظام السوري رهن ثروات سوريا الغازية والبترولية للروس لربع قرن من الزمان مقابل توفير الحماية الروسية لنظامه.
لقد كانت الثورة السورية فرصة عظيمة لروسيا كي تنقض على سوريا بحجة محاربة الإرهاب، بينما الهدف الأساسي هدف استعماري استغلالي مفضوح. وقد نزلت ورطة النظام على روسيا بردا وسلاما، فهو مستعد أن يبيع سوريا وثرواتها كي يبقى في السلطة، وروسيا مستعدة أن تحميه لتحقيق أحلامها التاريخية في المنطقة ونهب ثرواتها حتى ولو على حطام سوريا وأشلاء شعبها.
لهذا أيها السوريون المراهنون على الروس والإيرانيين للنهوض بسوريا وإعادة إعمارها، فإنكم تراهنون على الروس وهم. الإيرانيون ليسوا قادمين لنجدتكم ولا لإعادة إعمار بلدكم، بل فقط لنهب سوريا مقابل حماية نظام لا يهمه أصلا من سوريا سوى كرسي الحكم، ولتذهب سوريا وشعبها في ستين ألف داهية. انظروا ماذا فعل على مدى خمس سنوات بسوريا والسوريين كي يحافظ على نظامه.
ولا تنسوا أيها السوريون أن روسيا معروفة تاريخيا أنها تقبض ولا تدفع. وكذلك إيران. وإذا أردتم التأكد مما نقول فقط انظروا إلى وضع العراق الذي تسيطر عليه إيران. هل أعادت إعماره بعد ثلاثة عشر عاما من السيطرة عليه؟ بالعكس، فالعراق من سيئ إلى أسوأ رغم أن ميزانيته أكثر من 135 مليار دولار سنويا. إيران نهبت العراق وثرواته. وستفعل الشيء نفسه في سوريا، ولا يمكن أن تلومها، فهي تعمل لمصالحها. والأهم من كل ذلك، أن العالم لا يستثمر في روسيا وإيران نفسيهما، فما بالك أن يستثمر لإعادة إعمار سوريا وهي تحت الاحتلال الروسي الإيراني.
أخيرا نقول للمراهنين على الدعم الروسي والإيراني لإعادة إعمار سوريا: يا طالب الدبس من ذنب النمس.
(عن الشرق القطرية)