اعتبر خبراء ومحللون سياسيون إصدار بريطانيا قرارا قد يتيح لأعضاء بـ"جماعة الإخوان المسلمين" طلب اللجوء إليها، "اعترافا ضمنيا بسلمية الجماعة"، معتبرين أن القرار يعني أيضا أن "ملف مراجعة نشاط الإخوان في المملكة المتحدة قد تم طيه.
غير أنهم اختلفوا في تأثيره وانعكاساته على بعض الدول العربية، التي تعتبر "الإخوان" جماعة "إرهابية" وعلى رأسها مصر والإمارات والسعودية.
وأصدرت وزارة الداخلية البريطانية، الثلاثاء الماضي، لائحة داخلية جديدة لتنظيم طلبات اللجوء السياسي لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا.
وذكرت الوزارة، عبر موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت، أن بعض أعضاء الجماعة الحاليين والسابقين مؤهلون لطلب اللجوء، في حال "إظهار أنهم عرضة لمخاطر الاضطهاد، ومن بين ذلك الاعتقال الذي ربما يلقون فيه معاملة سيئة ومحاكمات صورية وعقوبات غير مناسبة".
وأثار القرار موجة من الجدل داخل الأوساط الإعلامية المحلية في مصر، وسارعت السفارة البريطانية بالقاهرة، إلى إصدار بيان، أمس الأحد، يتضمن إيضاحات بشأنه.
ونقل بيان السفارة، عن متحدث باسم الداخلية البريطانية (لم يسمه) القول: "لسنا مجبرين على النظر في طلبات اللجوء التي تردنا من خارج المملكة المتحدة، ولا يوجد نص في قواعد الهجرة يسمح لشخص ما أن يحصل على تأشيرة بغية التقدم بطلب لجوء"، في إشارة إلى أن طلبات اللجوء لن تشمل أعضاء أو قيادات الجماعة المقيمين في مصر.
وأضاف المتحدث أنه "سيتم النظر في كل الادعاءات الخاصة بطلبات اللجوء التي يتم تقديمها في
بريطانيا على أساس فردي وفق التزامات بريطانيا الدولية".
وشدد على أن بريطانيا "ترفض تقديم الحماية لهؤلاء الذين ارتكبوا جرائم خطيرة، وأولئك الذين يمثلون خطرا على أمننا القومي ومجتمعنا".
وتعليقا على قرار الداخلية البريطانية، اعتبر عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب (البرلمان) المصري النائب طارق الخولي، أنه "شأن بريطاني داخلي متعلق بالسياسة الدولية في منح اللجوء السياسي لقيادات الجماعات والأحزاب والكيانات السياسية، ولا يعني اعترافا من جانب الحكومة هناك بفكر الجماعة".
واستبعد "الخولي"، أن يؤثر القرار على العلاقة بين مصر وبريطانيا، وقال: "هناك قيادات إخوانية مقيمة على الأراضي البريطانية منذ ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 (احتجاجات واسعة سبقت الإطاحة بمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر)، وتؤويهم الحكومة البريطانية".
واستبعد البرلماني المصري مخاطبة القاهرة لندن، لـ"إدانة القرار"، مشيرا إلى أن "العلاقة بين البلدين حاليا على أعلى مستوياتها، ولن تتأثر بمثل تلك القرارات".
وأضاف أن "البرلمان والحكومة في مصر يتابعان ويترقبان جيدا تحركات
الإخوان في المجالس النيابية البريطانية".
ورأى مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية بلندن (غير حكومي) الخبير السياسي زهير سالم، أن منح اللجوء البريطاني لأعضاء بالإخوان يعني أن "ملف مراجعة نشاط الجماعة في بريطانيا قد تم طيه، وأن الاعتراف بسلمية الجماعة بات قاطعا".
وحول انعكاسات القرار إقليميا توقع سالم، أن يكون له "تداعيات على بعض الدول العربية التي تستثمر في تخويف الغرب بشكل عام من الحركات الإسلامية، بعد أن أقامت وجودها على أساس ترسيخ عمليات الانقلاب".
واتهم الخبير السياسي دولا عربية (لم يسمها)، بـ"دفع الكثير من المال وبذل الكثير من الجهود، عبر دعاية سوداء وقنوات عربية وأجنبية فضائية معروفة في تشويه صورة الحركات الإسلامية المعتدلة".
واستبعد أن يؤثر القرار البريطاني على العلاقة بين حكومتي القاهرة ولندن، قائلا إن "حكومة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لا تبحث عن مشكلات، وستجد حرجا في التطرق إلى الملف؛ لأن واقعها لن يسمح لها بالاعتراض على الحكومة البريطانية".
أستاذ السياسات العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، طارق فهمي، علق من جانبه على القرار البريطاني، قائلا إن "الحكومة البريطانية ما تزال تدرس الطلب بإمكانية أن يحصل قيادات الإخوان على حق اللجوء، وثمة شروط وضعتها وزارة الداخلية البريطانية، وبناء عليها سيتم تحديد موقف المطالبين باللجوء".
ورأى أن "القرار يعد مؤشرا بأن حكومة تيريزا ماي تغير سياسة بريطانيا كاملة تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يمكن أن يعتبر خطوة إيجابية لصالح الجماعة، خاصة أن حق اللجوء كان مغلقا أيام حكومة ديفيد كاميرون (السابقة)، حتى بعد تبرئة الجماعة من الاتهامات التي حاوطتها مؤخرًا في التقرير البريطاني المتعلق بفلسفتها ونشاطها وارتباطهما بالعنف".
وفي منتصف ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، صدر التقرير البريطاني بشأن نشاط الإخوان، واتهمت فيه حكومة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون جزءًا من الإخوان بأنهم "لهم علاقة غامضة للغاية مع التطرف العنيف".
وأوصى التقرير البريطاني، حينها، برفض تأشيرات الدخول لأعضاء الإخوان أو المرتبطين بهم ممن لهم تصريحات "تؤيد أو تحبذ العنف والتطرف، والتأكد من أن المنظمات الخيرية المرتبطة بالإخوان لا تستخدم في تمويل الجماعة وإنما تقوم بعمل خيري فقط، واستمرار متابعة وتدقيق إذا كانت آراء ونشاطات الإخوان تتسق مع القانون البريطاني".
ووصف فهمي القرار البريطاني، الذي قد قد يتيح لأعضاء بجماعة الإخوان طلب اللجوء إليها، بأنه "يعد ترمومترا لقياس العلاقة القادمة بين الإخوان والحكومة البريطانية الحالية".
وحول تأثير القرار، أشار إلى أنه "سيؤثر على العلاقات بين القاهرة ولندن سلبا"، مستدركا "لكن لا نستطيع أن نقيس إلى أي مدى سيكون التأثير".
وقال محمد سودان، أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسي للجماعة (تم حله بحكم قضائي في مصر)، قال إن تقرير الداخلية البريطانية "سنوي تصدره وزارة الداخلية حتي يتسنى لقسم الهجرة التابع للحكومة اتخاذ قرارات تجاه طلبات اللجوء المقدمة".
وأضاف سودان، أن "الجديد في هذا التقرير هو "إقرار الحكومة البريطانية بالجرائم التي ارتكبها النظام بالانقلاب العسكري ضد مناهضيه حتي الآن"، حسب تعبيره.
ومتطرقا إلى توقيت صدور التقرير، أوضح أنه "يراه ذا بعد سياسي"، موضحا: "هناك تغير ما في العلاقات بين مصر وبريطانيا، وبما لا شك فيه بريطانيا تتعامل مع الإخوان منذ عقود ولديها جهاز استخبارات قوي يستطيع أن يتبين صدق الإخوان في نهجهم السلمي وفي مقاومة المستبدين".
وحسب اللائحة، الصادرة عن الداخلية البريطانية، فإن الشروط والقواعد العامة الخاصة بتقديم طلبات اللجوء تمثلت في "إمكانية قبول اللجوء للقياديين في الجماعة أو الذين كان لهم نشاط سياسي، خصوصا في المظاهرات؛ إذا أمكنهم إثبات تعرضهم للضرر والاضطهاد داخل مصر، عبر الاحتجاز أو سوء المعاملة أو المحاكمات غير القانونية والعقوبات غير المناسبة".
وأشارت اللائحة إلى أن قواعد اللجوء تنطبق على "القيادات والمؤيدين المعروفين للجماعة أو الذين يُنظر إليهم بوصفهم داعمين، مثل الصحفيين، أو العاملين بالمنظمات غير الحكومية التي يُزعم صلتها بالإخوان، إذ إنهم معرضون هم أيضا لخطر المحاكمة"، موضحة أن منح اللجوء سيكون مناسبا في مثل هذه الحالات.